أن حقيقة الاستقرار السياسي والاجتماعية
مهما كانت قناعة الإنسان بصوابية أفكاره ومعتقداته فإن هذا لا يبرر له ولا يشرع له أن يمارس الفرض والقهر وأدوات السلطة لتعميم أفكاره وقناعاته
فلكل إنسان الحق في الاعتزاز بأفكاره والتشبث بقناعاته والاعتزاز بعقائده ولكنه ليس له الحق في قهر الناس عليها وممارسة أساليب قسرية لتبنيها
إن المجتمعات الإنسانية المتقدمة حضاريا تعتمد في بناء استقرارها الداخلي السياسي الاجتماعي على وسائل الرضا والمشاركة والديمقراطية والعلاقة الايجابية والمفتوحة بين مؤسسات الدولة والسلطة والمجتمع بكل مؤسساته المدنية والأهلية وشرائحه الاجتماعية وفئاته الشعبية
لذلك يكون الاستقرار، هو بمثابة النتاج الطبيعي لعملية الانسجام والتناغم بين خيارات الدولة وخيارات المجتمع بحيث يصبح الجميع في مركب واحد ويعمل وفق أجندة مشتركة لصالح أهداف وغايات واحدة ومشتركة
لذلك غالبا ما تغيب القلاقل السياسية والاضطرابات الاجتماعية في هذه الدول والتجارب الإنسانية وإن وجدت اضطرابات اجتماعية أو مشاكل سياسية وأمنية
فإن حيوية نظامها السياسي ومرونة إجراءاتها الأمنية وفعالية مؤسساتها وأطرها المدنية هي العناصر القادرة على إيجاد معالجات حقيقية وواعية للأسباب الموجبة لتلك الاضطرابات أو المشاكل
وإذا تحقق الاستقرار العميق والمبني على أسس صلبة في أي تجربة إنسانية فإنه يوفر الأرضية المناسبة لانطلاق هذا المجتمع أو تلك التجربة في مشروع البناء والعمران والتقدم
فالتقدم لا يحصل في مجتمعات تعيش الفوضى والاضطرابات المتنقلة وإنما يحصل في المجتمعات المستقرة والتي لا تعاني من مشكلات بنيوية فيه طبيعة خياراتها أو شكل العلاقة التي تربط الدولة بالمجتمع والعكس
فالمقدمة الضرورية لعمليات التقدم الاقتصادي والعلمي والصناعي هي الاستقرار السياسي والاجتماعي وكل التجارب الإنسانية تثبت هذه الحقيقة ومن يبحث عن التقدم بعيدا عن مقدمته الحقيقية والضرورية فإنه لن يحصل إلا على المزيد من المشاكل والمآزق التي تعقد العلاقة بين الدولة والمجتمع وتربكها وتدخلها في دهاليز اللاتفاهم واللاثقة وفي مقابل هذه المجتمعات الحضارية المتقدمة التي تحصل على استقرارها السياسي والاجتماعي من خلال وسائل المشاركة والديمقراطية والتوسيع الدائم للقاعدة الاجتماعية للسلطة
هناك مجتمعات إنسانية تتبنى وسائل قسرية وتنتهج سبل قهرية للحصول على استقرارها السياسي والاجتماعي
فالقوة المادية الغاشمة هي وسيلة العديد من الأمم والشعوب لنيل استقرارها ومنع أي اضطراب أو فوضى اجتماعية وسياسية وهي وسيلة على المستوى الحضاري والتاريخي تثبت عدم جدوائيتها وعدم قدرتها على إنجاز مفهوم الاستقرار السياسي والاجتماعي بمتطلباته الحقيقية وعناصره الجوهرية
لأن استخدام وسائل القهر والعنف يفضي اجتماعيا وسياسيا إلى تأسيس عميق لكل الأسباب المفضية إلى التباعد بين الدولة والمجتمع وإلى بناء الاستقرار السياسي على أسس هشة وضعيفة سرعان ما تزول عند أية محنة اجتماعية أو سياسية
وتجارب الاتحاد السوفيتي والعراق وسوريا كلها تثبت بشكل لا مجال فيه للشك أن العنف لا يبني استقرارا وإن القوة الغاشمة لا توفر الأرضية المناسبة لبناء منجزات حضارية وتقدمية لدى أي شعب أو أمة فلا استقرار بلا عدالة ومن يبحث عن الاستقرار بعيدا عن قيمة العدالة ومتطلباتها الأخلاقية والمؤسسية فإنه لن يحصد إلا المزيد من الضعف والهوان
فتجارب الأمم والشعوب جميعها يثبت أن العلاقة بين الاستقرار والعدالة هي علاقة عميقة وحيوية بحيث أن الاستقرار العميق هو الوليد الشرعي للعدالة بكل مستوياتها وحين يتأسس الاستقرار السياسي والاجتماعي على أسس صلبة وعميقة تتوفر الإمكانية اللازمة لمواجهة أي تحد داخلي أو خطر خارجي
فالتحديات الداخلية لا يمكن مواجهتها على نحو فعال بدون انسجام عميق بين الدولة والمجتمع كما أن المخاطر الخارجية لا يمكن إفشالها بدون التناغم العميق بين خيارات الدولة والمجتمع وكل هذا لن يتأتى بدون بناء الاستقرار السياسي والاجتماعي على أسس العدالة الأخلاقية والمؤسسية
وإن الإنسان أو المجتمع حينما يشعر بالرضا عن أحواله وأوضاعه فإنه يدافع عنها بكل ما يملك ويضحي في سبيل ذلك حتى بنفسه وأي مجتمع يصل إلى هذه الحالة فإن أكبر قوة مادية لن تتمكن من النيل منه أو هزيمته
فالاستقرار السياسي والاجتماعي المبني على العدالة هو الذي يصنع القوة الحقيقية لدى أي شعب أو مجتمع
التعليقات مغلقة.