بقلم: محمد حسن حمادة
التحق الشاب الخلوق الوسيم الأنيق هادئ الطباع حاتم الغمراوي بالقوات المسلحة وأصبح (صف ضابط) ليخدم في هيئة الشئون المالية للقوات المسلحة ثم مستشفى مصر الجديدة التابع للقوات المسلحة بجوار التجنيد القديم أمام قسم عين شمس.
عرف عن الرقيب أول حاتم الغمراوي دماثة خلقه وفي هذا الشأن تروى قصائد فعن أخلاقه العالية يروي صديقه محمد إسلام فيقول:
أنا وهو كنا مقدمين مع بعض وهو ربنا كرمه وأنا مكنش ليا نصيب، أول مااستلم البدلة جالي البيت وحلف يلبسهالي الأول قبل ماهو يلبسها، ربنا يرحمك ياحبيبي كنت أكتر من أخ بالنسبالي ربنا يرحمك”.
التاريخ: الأربعاء الموافق 14/ 8/ 2013 يوم فض اعتصام رابعة، الجو ملبد بالغيوم، الأجواء ملتهبة، أشخاص يحملون السلاح، أعمال عنف واغتيالات، حالة استنفار قصوى، الأبصار تتوجه صوب ميدان رابعة العدوية.
الأهل في حالة وجل شديد فنشرات الأخبار تنقل الحدث لحظة بلحظة مما يزيد من قلق الأسرة هلعا وخوفا على فلذة كبدها.
اتصل وحيد الأخ الأكبر بأخيه حاتم فطمأنه على استحياء وقال له: الدنيا هنا غير مستقرة ربنا يستر”. فزاد قلق الأسرة فعاود الأخ الاتصال به ثانية فقال له: الدنيا هادية وأمامي ساعة وهمشي”. ارتدى الزي الملكي خوفا من تربص خفافيش الظلام بالشوارع وبطشهم بكل من يرتدي الزي الكاكي.
انقطع الاتصال، الأهل في حالة يرثى لها، مهلا فالقصة لم تنته بعد فعلى لسان الضابط الذي كان معه في الخدمة فيقول: استخرج حاتم تصريح الخروج، خرج من بوابة المستشفى، سمع صوت الأعيرة النارية تُوجه لصدور زملاءه فعاد مسرعا إلى المستشفى فقال له الضابط:
لماذا عدت؟
حاتم: “يافندم أمشي إزاي والضرب شغال على زمايلي”. ثم دخل وارتدى (الأفرول) وأمسك بسلاحه ووقف بجانب زملائه يتبادلون إطلاق النيران على خفافيش الظلام”. من أي سبيكة ذهبية صُبَ معدنكَ النفيس أيها الفارس النبيل؟
وعن لحظة استشهاده يروي أحد زملائه لأخيه وحيد: “أخوكَ كان راجل… من كتر ضرب النار علينا كنا مش عارفين نتعامل معاهم وكان أخوك هو الوحيد الذي كان يتبادل معهم ضرب النار”. فأصابته طلقة من هذة الطلقات وأصيب البطل وكانت الإصابة خطيرة جدا.
تحكي زوجته: أصيب حاتم وهو معي على التليفون، كان يريد أن يطمئنني فترك الخط مفتوحا فسمعت صوت الرصاص وصوت صرخته فأدركت أنه أصيب وكان هذا آخر عهدي به”.
القلق والخوف يسيطران على الأهل فعاود أخوه وحيد الاتصال عليه مرات ومرات دون أن يتلقى رد وفي النهاية رد أحد زملاء البطل وأبلغهم بإصابة حاتم إصابة خفيفة، هنا حاول أهله تنفس الصعداء فذهب أخوه وحيد على الفور للمستشفى مخترقا حظر التجوال، غير عابئ بعدم وجود وسائل مواصلات مما اضطره للسير على قدميه لمسافات طويلة تجاوزت العشرة كيلو مترات، لكن للأسف تعرض (للتثبيت) ورغم كل هذه الظروف في نهاية المطاف استطاع الوصول لأخيه ليجده في غرفة العمليات الجراحية لاستئصال رصاصة الغدر والإرهاب.
الوقت يمضي متثاقلا، لحظات صعبة، بطيئة، النزيف لم يتوقف بعد حتى جاء الطبيب المعالج وأمر بنقله فورا لمستشفى المعادي لأن الحالة غير مستقرة وفي لمح البصر وصلت سيارة الإسعاف، تم استقبال البطل في مستشفى المعادي للقوات المسلحة، دخل العناية المركزة الساعة الثانية صباحا، الحالة خطيرة، الزيارة ممنوعة، ألسنة الجميع تلهث بالدعاء، وحتى يُهدئ الأخ الأكبر وحيد روع الأم والزوجة أبلغهما بأن الإصابة ليست خطيرة ماهي إلا رصاصة بالكتف… وأخيرا خرج حاتم من العمليات وبفضل الله استخرج الأطباء الرصاصة واستفاق البطل، تجاذبا الشقيقان أطراف الحديث وبلهفة فرح شديدة يتصل وحيد بوالدته وبزوجة أخيه ليطمئنهما على صحة حاتم لكن كان للقدر ترتيبات أخرى فقد كانت هذه المكالمة هي المكالمة الأخيرة التي تسمع فيها الأم صوت ابنها وفي تمام الساعة السابعة صباحا صعدت روح الشهيد بإذن ربه حاتم الغمراوي إلى بارئها ليلحق بموكب الشهداء.
ولكَ أن تتخيل عندما وصل نبأ استشهاده لأسرته، وخاصة حال الأم، التي وهبت ابنها الغالي النفيس في معركة الدفاع عن الوطن لتجسد التضحية في أسمى معانيها تختلط الدموع بالزغاريد لتتحول صرخات الأسى إلى عزة وفخر فليس بمستغرب أن يخرج هذا العطر من هذا البستان، محتسبة صابرة داعية المولى عزوجل أن يزف ابنها للحور العين وأن يجمعها به في مستقر رحمته، لتختصر دموعها حكاية وطن.
أما قريته فاتشحت بالسواد، تُرجم هذا الحزن لجنازة مهيبة لم تعهدها طنان من قبل وكأن القرية قد تحولت لسرادق عزاء كبير رغم حظر التجوال كما انهالت برقيات التعزية من جميع قيادات الجيش حزنا على زينة الشباب شهيد الواجب.
كرمت الدولة الشهيد حاتم الغمراوي بإطلاق اسمه على المدرسة الابتدائية “المؤسسة” سابقا لتصبح: “مدرسة الشهيد حاتم الغمراوي” كما كرمت الأم بحج بيت الله الحرام وفي يوم الشهيد ترسل الدولة دعوة خاصة لأم الشهيد للاحتفاء ببطولته التي لاتنسى وحتى تقر عينها بصنيع ابنها الشهيد وتعلم أن وطنه يقدر تضحيته تتلقى أسرة الشهيد في عيد الفطر دعوة حضور الإفطار السنوي لأبناء الشهداء الذي تقيمه القوات المسلحة بحضور رئيس الجمهورية وكما يقولون في المثل العامي “إللي خلف مماتش” ترك الشهيد بإذن ربه حاتم الغمراوي ابنه محمد الذي أقسم أن يسير على نهج والده ليكون خير خلف لخير سلف، رحم الله الشهيد وكل شهداء الوطن. قال تعالى: وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ صدق الله العظيم.