الواحات البحرية … كنز سياحي مصري و فرص واعدة
بقلم – د / إسـلام جـمال الـدين شــوقي
خـــبير اقــتصادي
عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي
تُعَد مصر من المقاصد السياحية الهامة عالميًا؛ لما تمتلكه من آثار عظيمة وأماكن تاريخية وترفيهية، إلى جانب البيئية الطبيعية الساحرة التي وهبها الله لمصر التي تجعلها قبلة للسائحين ، ولعل من بين المناطق السياحية الجميلة التي تتميز بها مصر هي مناطق الواحات والتي تتميز بتعدد معطيات بيئتها من صحاري ، وتكوينات الرمال الطبيعية ، والصخور التي أبدع الخالق تشكيلها ، وصولًا إلى المناطق الملائمة لسياحة السفاري.
والواحة منخفض فى الصحراء بها عيون وآبار وأشجار ، تعكس جمال الطبيعة وسحرها، محتضنة الصحراء والوديان الخضراء وينابيع المياه والهضاب المرتفعة والعيون الكبريتية ، ويوجد منها فى مصر عدد غير قليل في الصحراء الغربية من بينها الواحات البحرية.
وتعد الواحات البحرية من أقرب واحات الصحراء الغربية لوادي النيل ، حيث تبعد عن المنيا 150 كيلو متر ، وعن سمالوط 170 كيلو متر ، وعن بني مزار 200 كيلو متر ، كما تتصل بالفيوم بطريق بري بطول 165 كيلو متر ، كما أنها تتصل بالواحات الأخرى بطرق برية مثل الطريق ما بين الباويطي والفرافرة بطول 180 كيلو متر ، وهناك طريق ممتد من الواحات البحرية بإتجاه واحة سيوة ومنها إلى مرسى مطروح .
ويتصف سكان الواحة بالهدوء والطيبة والكرم وحسن الضيافة وهو ما يساعد على جذب السياح الذين تستهويهم معايشتهم ، هذا بالإضافة إلى الاستفادة من صناعاتهم الحرفية التقليدية البيئية التي تستحوذ على إعجاب السائحين إضافةً إلى الصناعات الغذائية التي تعتمد على الأشجار المثمرة والنخيل وعادة ما تقوم الأهالي بتجفيف بعض أنواع البلح مثل الفريحى والسلطاني وتصنيعها إلى عجوة.
تتعدد وتتنوع أنواع السياحة الموجودة في الواحات البحرية حيث توجد السياحة الثقافية ، وترجع لوجود وفرة كبيرة في المقومات السياحية منها المرتبطة بالتاريخ حيث الآثار التاريخية العديدة ، والتي اكتشفت حديثًا الكثير منها وأشهر ما اكتشف في وادى المومياوات الذهبية ومنها المرتبطة بمقومات السياحة العلاجية حيث الآبار والعيون المميزة بمياهها الكبريتية الحارة وغيرها الكثير.
وتوجد مقومات سياحة السفاري حيث المناطق الجبلية والأودية ، وسياحة المحميات وسياحة مراقبة الطيور، وتتعدد أنواع السياحة بالوحات البحرية على النحو التالي :
أولًا – السياحة الثقافية :
توجد مناطق أثرية عديدة ترجع إلى العصور الفرعونية مثل منطقة قصر سليم وهي تل مرتفع داخل حيز مدينة الباويطي يوجد بها مقابر تحتوي على نقوش ورسوم جنائزية ترجع لعصر الأسرة السادسة والعشرين من الدولة الفرعونية الحديثة ، وموضع مقبرة أبيس المقدس فوق هضبة الفرارجي بالباويطي ، وبها تماثيل لحيوانات فرعونية مقدسة ، وهناك مقابر عديدة بمنطقة الباويطي اكتشفها العالم الأثري الدكتور أحمد فخري منذ أكثر من خمسين سنة تتضمن رسوم وتماثيل ترجع لعصر الأسرة السادسة والعشرين منها مقبرة عنخ حاكم الواحات البحرية في ذلك العصر .
وُيعد معبد الإسكندر الأكبر شمال شرق القصر هو المعبد الوحيد المخصص له في مصر حتى الآن ، والذي قد تم بناءه تكريمًا للإله آمون خلال رحلته بالصحراء الغربية متجهًا إلى سيوة ، كما يوجد وادي المومياوات الذهبية الذي أعلن عن اكتشافه عام 1999 ويضم مومياوات يرجع تاريخ أصحابها إلى العصر الرومانى وتتكون من عدد من المومياوات الملفوفة في نسيج به رسومات بماء الذهب ، وتبلغ مساحة الجبانة هنا نحو مائتي فدان والتي بها ما يقرب من عشرة الآف مومياء بجانب أعداد كبيرة من الأدوات الفخارية .
وهناك آثار لكنائس وأديرة منها كنيسة ترجع للقرن الخامس الميلادي ، وقد بنيت من الطوب اللبن ، وأخرى توجد بمنطقة الحيز ، وإلى الجنوب منها أطلال الدير الرأسي إلى جانب أطلال قصر يحتوي على 13 غرفة ترجع إلى العصر الروماني ، وغيرها الكثير مما يمثل عاملًا هامًا لجذب السياح سواء من الداخل أو الخارج خاصة إنشاء متحف أثري بالباويطي به مخازن للمومياوات والأدوات القديمة ، وإن كان لم يُفعل بعد بالصورة التى تخدم الزائرين في التعرف على أهمية ما يتضمنه من آثار ، إلى جانب العديد من الآثار والتي لم يكشف النقاب عنها بعد ولم تستكمل دورها في الجذب السياحي حتى الآن .
ثانيًا – السياحة العلاجية :
تعد الآبار والعيون الطبيعية أحد المقومات الطبيعية للسياحة وخاصة السياحة العلاجية ، كما أنها تتميز بمناظرها الخلابة وتتوافر بها الخضرة والهواء النقي الجاف ، مما يجعلها مزارات سياحية متميزة تجذب السائحين للاستمتاع بها ، وترتبط نوعية مياه الآبار والعيون الطبيعية بالخصائص الكيميائية للمعادن التي تدخل في تكوين الصخور التي تتسرب من خلالها المياه.
ومما يميز مناطق الواحات وجود العديد من مياه الآبار والعيون الكبريتية والمعدنية التي تمتاز بتركيبها الكيميائي الفريد ، وتتدفق مياهها الساخنة التي تصل درجة حرارتها إلى 43°م كما تحتوي على العناصر المعدنية المختلفة مثل كربونات الصوديوم والكبريت والكالسيوم والماغنسيوم ، وتتميز مياه الواحات البحرية بدفئها واحتوائها على بعض الفقاقيع من ثاني أكسيد الكربون ، كما تتميز بقلة ملوحتها.
ويوجد بالواحات البحرية 268 عين كبريتية ومعدنية بعضها تتدفق منها المياه الساخنة ، وتصلح المياه المستخرجة من هذه العيون لمعالجة العديد من الأمراض ، وفيما يلي توضيح لأهم هذه العيون :
– العيون الرومانية :
مجموعة عريضة من العيون الرومانية القديمة أهمها عين “بشمو” التي تتدفق منها المياه ساخنة ويستمر جريان مياه هذه العين حتى تقابل تلك المتدفقة من عين ” بادير” الأقل حرارة والواقعة أسفل هضبة “البشمو” وتلتقي المياه المتدفقة من كلتا العينين في مسار واحد داخل تجويف صخري عميق في باطن كهف جبلي.
– بئر غابة :
وهو عبارة عن عين مياه ساخنة تقع في منطقة يطلق عليها الغابة لما تتميز به من أشجار عالية ، وتقع هذه المنطقة على طريق القوافل القديمة الذي يخترق الواحات البحرية.
– عين الحجابة :
وهي عبارة عن عين قديمة تقع في قلب مدينة الباويطي ، وتتميز بارتباطها بشبكة من قنوات الري القديمة التي يطلق عليها الأهالي إسم ” منافس” وهذه الشبكة تمتد لمسافة تبلغ حوالي 3 كم مخترقة المدينة حتى تصل إلى منطقة حدائق باويطي.
ثالثًا – سياحة السفاري :
تعتبر الواحات البحرية غنية بالمناطق الصحراوية المتميزة التي تتمتع كل منها بطبيعة خاصة ، وتتنوع هذه المناطق ما بين جبال وسهول وعيون ووديان تتميز بكافة المقومات التي تؤهلها لأن تصبح واحدة من أفضل مناطق السياحة البيئية في العالم ، ولعل من بين أهم الأماكن السياحية الشهيرة في الواحات هي ( جبل الإنجليز ) ، والذييقع فيما بين الباويطي ومنديشة حيث يفصل بين الأراضي الزراعية الواقعة في كليهما .
ويتميز هذا الجبل بقمته السوداء بسبب أحجار الدلوريت والبازلت ، وهي من الصخور البركانية التي تدل على وجود نشاط بركاني قديم بالمنطقة ، وترجع أهمية موقع جبل الإنجليز السياحية لوقوعه في منتصف النطاق العمراني بالواحات البحرية ، يضاف إلى ذلك وجود بئر مائي روماني بقمة الجبل.
– جبلا الدست والمغرفة :
جبلان متجاوران أولهما هو جبل الدست ويتميز بشكله الهرمي الذي يرتفع لخمسين مترًا ، ويبلغ محيطه عند القاعدة حوالي 800 متر بينما يتقلص هذا المحيط إلى حوالي 30 مترًا عند القمة ، أما جبل المغرفة فتقع قاعدته على بعد مسافة خمسون متًرا من قاعدة جبل الدست ويقل عنه قليلاً في الإرتفاع ، ويبلغ طول محيط قاعدة جبل المغرفة حوالي 600 متر عند القاعدة وحوالي 15 متر عند القمة.
سياحة السفاري في الواحات البحرية
- جبل الكريستال :
يبلغ إرتفاعه حوالي عشرة أمتار ويقع شرق الطريق الإقليمي البحرية / الفرافرة شمال منطقة الصحراء البيضاء ، وهذا الجبل يتبع إداريًا واحة الفرافرة إلا أنه يعد أحد أهم مناطق الزيارة للسائحين في الواحات البحرية.
ولهذا الجبل عدة تسميات منها “جبل الأزار” بسبب تكوينه القائم على صخور من الكوارتز الشفاف الذي يشبه الكريستال والزجاج ، كذلك فإن الأهالي يطلقون على هذا الجبل اسم ” حجر المخروم ” حيث كان بهذا الجبل حتى وقت قريب كهفان تتدلى من سقفيهما صخور الكوارتز الشفاف ، وقد تهدم هذان الكهفان منذ بضعة سنوات بسبب عومل التعرية وكثافة الرحلات السياحية إلى المنطقة حيث يحرص كل زائر على اقتطاع جزء من صخور الجبل لنفسه على سبيل التذكار ، ويقول الأهالي أن هذا الجبل يتلألأ في قلب الصحراء خلال الليالي المقمرة .
جبل الكــــريـســتال
رابعًا – سياحة المحميات :
تعتبر محمية ( الصحراء السوداء ) واحدة من أجمل المناظر الطبيعية في الواحات البحرية حيث أن الطبيعة هناك تسيطر عليها فهناك العشرات من الجبال الصغيرة ذات القمم السوداء ،
وفي هذه المنطقة فإن اللون الأسود لا يسيطر على قمم الجبال فحسب بل يمتد أيضًا إلى ملايين الأحجار السوداء التي تملأ سطح الأرض في هذه المنطقة الفريدة، والتي بها مجموعة من الجبال المتميزة التي تبدأ بجبل ” الحفوف ” الواقع إلى جنوب الباويطي ، والذي يبلغ طوله حوالي 15 كم بينما يبلغ إرتفاعه حوالي 72 متر، كذلك جبل ” شحوت ” وجبل ” جالة سيوة ” الذي يشرف على درب سيوة المستعمل قديمًا من قبل قوافل التجارة.
الصحراء السوداء
خامسًا – سياحة مراقبة الطيور :
تُعد الواحات البحرية ذات قيمة عالية من حيث التنوع الحيوي فتتميز الحياة البرية فيها بالغنى لأنها تحتوي على العديد منأنواع النباتات والحيوانات النادرة والمهددة بالانقراض فهي تعتبر مأوى لأنواع الغزال المصري والغزال الأبيض والكبش الأروي والذئاب والثعالب ، وأيضًا توجد سياحة مراقبة الطيور حيث يمكن مشاهدة الطيور المهاجرة ، وكذلك ممارسة هواية صيد البط والأسماك في بحيرة المارون .
كما إن صفاء السماء في المنطقة وعدم تلوثها يجعلها بمثابة جنة لمحبي متابعة النجوم والأجرام السماوية ، وعلي الرغم من أن هذا النوع من النشاطات لا تتم ممارسته بصورة منتظمة من قبل زائري المنطقة ، إلا أن الواحات البحرية تعد مؤهلة تمامًا لإستيعاب هذه النوعية من النشاط السياحي .
وفي حقيقة الأمر إن الحديث يطول شرحه عن الواحات البحرية ، لما تحتويه من أماكن جميلة وطبيعة ساحرة تجعلها بحق قبلة للسائحين ، ويضع مصر على خريطة السياحة العالمية.