مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

الهيدروجين الأخضر في المغرب: قوة بيئية في المستقبل

بدر شاشا

باحث بجامعة ابن طفيل القنيطرة

الهيدروجين الأخضر بات يمثل حلاً واعدًا في مجال الطاقات المتجددة، ويُنظر إليه كأحد مصادر الطاقة النظيفة التي قد تساهم بشكل كبير في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وخفض انبعاثات الغازات الدفيئة. المغرب، الذي يعتبر واحداً من الدول الرائدة في مجال الطاقات المتجددة في إفريقيا والعالم العربي، قد أدرك مبكرًا الإمكانات الهائلة التي يحملها الهيدروجين الأخضر وأصبح يستثمر بشكل مكثف في هذا المجال ليكون جزءًا من مستقبل الطاقة العالمي.
يتم إنتاج الهيدروجين الأخضر من خلال عملية التحليل الكهربائي للماء باستخدام الكهرباء المتولدة من مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية أو الرياح. وهذه العملية لا تنبعث منها أي غازات ضارة أو كربون، مما يجعل الهيدروجين الأخضر خيارًا صديقًا للبيئة.

 

أحد المشاريع الكبرى التي يخطط المغرب لإطلاقها في هذا المجال هو مشروع “تحالف الهيدروجين الأخضر” الذي يهدف إلى جعل المغرب مركزًا عالميًا لتصدير الهيدروجين الأخضر. وفقًا لهذه الرؤية، سيصبح المغرب واحدًا من أبرز المزودين العالميين لهذا الوقود النظيف، خاصة لأوروبا التي تسعى لتقليل انبعاثات الكربون والانتقال إلى مصادر الطاقة النظيفة في المستقبل القريب. الشراكات الدولية التي يعقدها المغرب مع دول أوروبية، مثل ألمانيا، تُعدّ مؤشرًا واضحًا على التزام المملكة بتطوير هذه الصناعة، وأيضًا على الثقة الدولية في إمكانيات المغرب في هذا المجال.
فيما يخص الجانب الاقتصادي، يمثل الهيدروجين الأخضر فرصة كبيرة للمغرب لتنويع مصادر دخله الاقتصادي وتقليل اعتماده على استيراد الطاقة. تطوير صناعة الهيدروجين الأخضر يمكن أن يساهم في خلق فرص عمل جديدة وتحفيز الاقتصاد المحلي، خاصة في المناطق الريفية التي ستكون مواقع أساسية لمشاريع الطاقة المتجددة التي تغذي إنتاج الهيدروجين. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يصبح المغرب مصدرًا رئيسيًا للطاقة النظيفة ليس فقط لأوروبا ولكن أيضًا لدول إفريقية أخرى تحتاج إلى حلول مستدامة لتلبية احتياجاتها الطاقية المتزايدة.
من الجانب البيئي، يمثل الهيدروجين الأخضر ثورة حقيقية في الحد من انبعاثات الكربون وتحقيق الأهداف البيئية التي التزم بها المغرب في إطار الاتفاقات الدولية مثل اتفاقية باريس للمناخ. من خلال إنتاج الهيدروجين الأخضر واستخدامه في قطاعات مختلفة، مثل الصناعة والنقل، يمكن للمغرب أن يساهم بشكل كبير في تقليل التلوث الجوي والحد من تأثير التغير المناخي. استخدام الهيدروجين الأخضر في توليد الكهرباء أو كوقود للنقل الثقيل والطيران، يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا في التحول نحو اقتصاد خالٍ من الكربون.
رغم التفاؤل الكبير حول مستقبل الهيدروجين الأخضر في المغرب، إلا أن هناك تحديات يجب التغلب عليها لضمان نجاح هذه الصناعة. من أبرز هذه التحديات هي التكاليف المرتفعة لإنتاج الهيدروجين الأخضر بالمقارنة مع الهيدروجين التقليدي الذي يُنتج من الوقود الأحفوري. ومع أن الأسعار قد تنخفض بمرور الوقت مع تطور التكنولوجيا وزيادة الإنتاج، إلا أن الاستثمار الأولي في البنية التحتية اللازمة لإنتاج وتوزيع الهيدروجين الأخضر يبقى تحديًا كبيرًا. هناك أيضًا حاجة إلى بناء شبكة توزيع قوية وربط المغرب بالأسواق العالمية من خلال موانئ وخطوط أنابيب مخصصة لنقل الهيدروجين، وهي عملية تتطلب تخطيطًا وتنفيذًا دقيقين.
على المستوى التكنولوجي، يتطلب نجاح هذه المشاريع تطوير تكنولوجيا التحليل الكهربائي على نطاق واسع لتكون أكثر كفاءة وأقل تكلفة. في هذا الصدد، يمكن للمغرب الاستفادة من التعاون الدولي والشراكات مع الدول المتقدمة التي تملك خبرة وتكنولوجيا متقدمة في هذا المجال. المغرب بدأ بالفعل في اتخاذ خطوات لتطوير هذا القطاع من خلال التعاون مع شركات عالمية متخصصة، مما يعزز قدرته على الانتقال من مجرد طموح إلى قوة حقيقية في سوق الهيدروجين الأخضر.
 يعتبر الهيدروجين الأخضر فرصة كبيرة للمغرب ليعزز مكانته كقوة بيئية في المستقبل. من خلال استغلال موارده الطبيعية الفريدة وتطوير بنية تحتية قوية وموثوقة، يمكن للمغرب أن يصبح أحد الرواد العالميين في إنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر. هذا الانتقال نحو اقتصاد قائم على الطاقة النظيفة لن يعزز فقط النمو الاقتصادي المستدام، بل سيساهم أيضًا في حماية البيئة وتحقيق الأهداف البيئية العالمية. نجاح المغرب في هذا المجال يعتمد على استمرار التعاون الدولي، الاستثمار في البحث والتطوير، وأيضًا الاستفادة من التكنولوجيات الحديثة التي ستسهم في تخفيض تكاليف الإنتاج وجعل الهيدروجين الأخضر بديلاً واقعياً وفعالاً للطاقات التقليدية.
  

التعليقات مغلقة.