النفايات الناتجة من محطات الطاقة النووية
بقلم الدكتور – على عبد النبى:
هناك مخاوف يروج لها البعض من المحطات النووية، وهى تندرج تحت بند نشر “ثقافة الخوف” من المحطات النووية والتى يبثها الصهاينة، والفزاعة التى يستخدمونها هى “المواد المشعة”، والناتجة عن استخدام الطاقة النووية فى توليد الكهرباء وخاصة الوقود النووى المحترق، وهى الحيلة التى يستخدمونها لإبعاد مصر عن تنفيذ برنامجها النووى. لكن نحن من جانبنا لا نقلل من مخاطر الطاقة النووية، فهى طاقة مدمرة حين “يسوء” إستخدامها، ولكن حينما يحسن إستخدامها فهى طاقة “أمنة ونظيفة ورخيصة”، واستطاع الإنسان أن يروض الطاقة النووية ويسخرها لما فيه خير للبشرية، فلا توجد مشكلة هندسية إلا ولها حل هندسى.
ينتج عن محطات الطاقة النووية والتى من نوع الماء الخفيف المضغوط PWR أربعة أنواع من النفايات وهى :: الوقود النووى المحترق (عالى الإشعاعية)، ونفايات منخفضة الإشعاعية ( مثل معدات الوقاية الشخصية، والمرشحات، الخ(، وكذا نفايات غازية ويتم تصريفها فى الجو، ثم نفايات سائلة يتم تصريفها فى المحيطات أوالبحيرات أوالأنهار. والكميات السنوية من النفايات والناتجة من محطة طاقة نووية من نوع PWR قدرتها 1200 ميجاوات هى كالأتى :: حوالى 30 طن وقود نووى محترق، و43.1 طن من النفايات المنخفضة الإشعاعية، و630 كورى من النفايات الغازية (الكورى هى وحدة النشاط الإشعاعى)، و 570 كورى من النفايات السائلة. والمكون الأساسى للنفايات الغازية والسائلة هى مادة التريتيوم وهى نظير للهيدروجين وتحتوى على بروتون واثنين من النيوترونات وهى مادة مشعة (غير مستقرة)، ويتحلل التريتيوم عن طريق إصدار أشعة بيتا (إلكترونات)، ويتحول إلى الهيليوم-1، ونصف العمر لمادة التريتيوم هو حوالى 12 عام، وطاقة التحلل هى 18590 اليكترون فولت. وجسيمات بيتا المنطلقة من التريتيوم يمكنها إختراق 6 ملليمتر من الهواء فقط، ولا يمكنها إختراق الطبقة الخارجية من جلد الإنسان.
هناك طرق عديدة للتخلص من النفايات النووية ذات المستوى الإشعاعى المنخفض والمتوسط، ومنها خلط تلك النفايات مع الإسمنت وتحويلها إلى كتلة صلبة، ثم توضع فى براميل من الفولاذ مقاوم للصدأ والتآكل وتحمل الضغط والحرارة ومغلفة بالخزف لمنع تسرب الماء داخل البراميل، هذه البراميل مصممة بحيث تستطيع الإحتفاظ بالنفايات لمدد طويلة جدا، والتى عندها يصل المستوى الإشعاعى للنفايات الى حدود المستوى الإشعاع الطبيعى.
النفايات ذات المستوى الإشعاعى العالى عبارة عن الوقود النووى المحترق، ولإستخراج الوقود النووى المحترق من قلب المفاعل، يتم إيقاف المفاعل النووى فتتوقف سلسلة الانشطار النووى، لكن مع وجود نواتج الإنشطار فى الوقود ستظل هناك كمية كبيرة من الحرارة بسبب الإضمحلال (تقل قيمة الإشعاعية للمادة مع إنطلاق الأشعة)، لهذا السبب، ففى لحظة إغلاق المفاعل، نجد أن الطاقة فى قلب المفاعل تكون حوالى 7٪ من الطاقة التى كان عندها المفاعل قبل الإغلاق، وبعد حوالى 1 ساعة بعد الاغلاق، تنخفض الى حوالى 1.5٪، وبعد يوم تنخفض الى 0.4٪، وبعد أسبوع تنخفض طاقة قلب المفاعل الى 0.2٪، ويستمر معدل إنخفاض حرارة قلب المفاعل (الوقود النووى) ببطء مع مرور الوقت، وذلك من خلال التبريد المستمر لقلب المفاعل (الوقود النووى) بواسطة طلمبات تبريد رئيسية.
يتم إستخراج ثلث الوقود النووى (الوقود المحترق) من قلب المفاعل بعد فترة تشغيل تتراوح ما بين سنة الى سنتين، وهو ما يزال مشعاً وبعد ان تم إحتراق حوالى 67% من كمية اليورانيوم 235، وتركيبة العناصر الموجودة فى الوقود المحترق تعتمد على نسبة التخصيب للوقود النووى قبل إستخدامه، وكذا تعتمد على فترة تشغيله داخل قلب المفاعل. والعناصر المتواجدة فى حزم الوقود النووى المحترق نتيجة إحتراقة داخل قلب المفاعل عند مستويات إحتراق عادية هى : بلوتونيوم 239 وبلوتونيوم 240 (الناتجة عن تحول اليورانيوم 238 بواسطة النيترونات السريعة أثناء عملية الإنشطار المتسلسل داخل قلب المفاعل)، وهى تمثل حوالى 0.9٪ من كتلة الوقود المحترق، ولكن النسبة الكبيرة من الوقود المحترق وهى تمثل 95.6٪ من الكتلة نجدها عبارة عن يورانيوم (معظمها يورانيوم 238 الأصلى وقليل من اليورانيوم 235، وعادة اليورانيوم 235 سيكون أقل من 0.83٪ من كتلة الوقود المحترق إلى جانب مع 0.4٪ من اليورانيوم 236)، وهناك نواتج إنشطار تنتج عن إنشطار اليورانيوم 235 والبلوتونيوم 239، وهى نفايات مشعة وتمثل 2.9٪ من كتلة الوقود المحترق، بالإضافة الى 0.3% سيزيوم وسترونشيوم، و0.1% أيودين وتكنيشيوم، و0.1% نواتج انشطارية تعيش فترة طويلة، و0.1% أكتينات ثانوية (الأمريسيوم، الكوريوم، نبتونيوم).
بعد خروج الوقود النووى من وعاء الضغط (قلب المفاعل)، يتم التخزين “قصير الأمد” لحزم الوقود النووى فى موقع المفاعل، فالوقود المحترق مطلوب تبريده لفترة قبل تخزينه لمدد طويلة وحتى يفقد جزء من نشاطه الاشعاعى العالى، فهو يوضع فى حوض به ماء مع بورون لمدة عام أو أكثر، وهناك بعض المواقع تظل حزم الوقود فى الحوض لمدة 10 سنوات أو أكثر وممكن تصل الى 20 سنة، وعمليات تبريد الوقود فى الحوض تعتمد على الطاقة الكهربية .
والتخزين “متوسط الأمد” للنفايات عالية الإشعاعية (حزم الوقود النووى المحترق)، يتم بعد التخزين قصير الأمد فى موقع المفاعل وقبل التخزين “طويل الأمد” فى مواقع مخصصة، حيث يكون القرار، إما أن يتم تخزين حزم الوقود النووى المحترق كما هى، أو يتم إعادة معاجة الوقود النووى لإستخراج بعض العناصر المهمة (مثل البلوتونيوم واليورانيوم)، ثم يتم تخزين النفايات المتبقية من إعادة المعالجة وذلك بعد خلطها مع الإسمنت ووضعها فى أسطوانات فولاذية. والبلوتونيوم واليورانيوم الخارج من إعادة معالجة الوقود
لنووى المحترق، يمكن إستخدامها فى التسليح أو فى المفاعلات المولدة السريعة أو فى صناعة الوقود النووى من نوع الـ Mixed Oxide Fuel-MOX (7% بلوتونيوم و 93% يورانيوم منضب UO2+PuO2)، والذى يستخدم كوقود للمفاعلات النووية.
تتعدد طرق التخزين “متوسطة الأمد” للنفايات عالية الإشعاعية، ومن بين هذه الطرق هناك طريقة أمنة ونظيفة، وهى التخزين فى “البراميل الجافة”، وهذه البراميل توضع على سطح الأرض فى موقع المفاعل لمدة تصل الى 80 سنة، كما تم تصميم هذه البراميل بحيث تستخدم لنقل النفايات خارج موقع المحطة، وتتم عملية تبريد حزم الوقود بدون إحتياج لطاقة كهربية وذلك عن طريق إستخدام النظم السلبية passive، فهى تعتمد على ظاهرة التوصيل الحرارى للمواد الصلبة وكذا الحمل الحرارى الطبيعى أو الإشعاع الحرارى من خلال الهواء لنقل حرارة الإضمحلال (حيث تقل قيمة الإشعاعية للمادة مع إنطلاق الأشعة) من الوقود المحترق إلى البيئة المحيطة، حيث يدخل الهواء من فتحة فى الجزء السفلى للبرميل، فيمتص حرارة الوقود المحترق، ثم يرتفع ويخرج من خلال فتحات فى الجزء العلوى، وهو ما يشبه المدخنة. وطريقة التبريد السلبى للبراميل الجافة تقلل تعرضها للأعطال الميكانيكية، وللأخطاء الفنية أو البشرية، وكذا للهجمات الإرهابية، والكوارث الطبيعية.
يتم التدريع للبرميل الجاف لحجب الإشعاع، ومواد التدريع عادة تستخدم الخرسانة، والرصاص، والفولاذ لحجب أشعة جاما، ويستخدم البولى ايثلين والخرسانة والمعادن المشبعة بالبورون أو الراتنجات لحجب النيوترونات. ويتم التحكم فى الحروجية عن طريق البناء الشبكى، حيث يشبه السلة، وحيث توضع حزم الوقود المحترق داخل حجرات مستقلة فى البرميل. هذه الطريقة تحفاظ على أن يكون الوقود فى وضع هندسى ثابت، والسلة تحتوى على معادن مطعمة بالبورون لإمتصاص النيوترونات.
البراميل الجافة مصممة على أن تستوعب من 10 الى 15 طن من الوقود المحترق، وهو ما يناظر عدد 32 حزمة وقود نووى محترق لمفاعل ماء خفيف مضغوط PWR. والبرميل إرتفاعه حوالى 6 متر وقطره حوالى 2.5 متر، ووزنه وهو محمل بحزم الوقود حوالى 100 طن. ويتم تخزين البراميل الجافة على قاعدة خرسانية
مفتوحة داخل منطقة محمية فى موقع المفاعل.
طريقة التخزين فى البراميل الجافة، تعتبر آمنة ومجربة، وتتميز بسهولة إمكانية استعادة الوقود النووى المحترق من البراميل وإعادة معالجته، ونظرا لطول مدة التخزين فى البراميل الجافة والتى يمكن أن تصل الى 80 سنة، فيرى الخبراء أنه خلال هذه الفترة سيكون بمقدار العلماء والمتخصصون النجاح فى تطوير برامج قوية واستخدام البحوث المبتكرة فى نظام دورة الوقود والوصول الى طريقة أمنة للتخزين طويل الأمد.
أما التخزين “طويل الأمد” للنفايات عالية الإشعاعية (حزم الوقود النووى المحترق)، فيعتبر حتى الأن تحت الدراسة وفى مراحل التجارب، حيث أن عملية إيجاد المواقع المناسبة ليس بالمهمة السهلة. فى السابق كان يتم التخلص من النفايات المشعة فى المحيط (النفايات كانت سوائل ومواد صلبة، فضلا عن أوعية ضغط المفاعل، سواء كانت تحتوى على الوقود النووى المحترق أو فارغة)، وهذه الطريقة اتبعتها بعض الدول مثل الإتحاد السوفيتى السابق وإنجلترا وسويسرا والولايات المتحدة وروسيا، لكن هذه الطريقة توقفت ولم يعد يسمح بها طبقا لما نصت علية الاتفاقيات الدولية (اتفاقية لندن (1972)، واتفاقية بازل، اتفاقية منع التلوث البحرى 73/78).
واتفق العلماء والمتخصصون على مقترح أمثل للتخزين “طويل الأمد”، وهو إنشاء مستودعات للنفايات فى طبقات جيولوجية عميقة فى الصخور على اليابسة، والمهم أن تكون هذه الطبقات مستقرة جيولوجيا وفى مناطق قليلة السكان، وبعيدة عن المياه الجوفية، حيث تشكل المياه الجوفية تهديدًا خطيرا، إذ يمكنها إعادة المواد المشعة إلى سطح الأرض، وبالتالى لابد أن تتسم الصخور بمعدل نفاذية منخفض، ويجب أن يحد تركيبها الكيميائى من قدرة النويدات المشعة على الذوبان في حالة وصول المياه بالفعل إلى النفايات. ولمنع تآكل أسطوانات الحديد الحاوية على المخلفات النووية فيجب إحاطتها بطبقة من أكسيد المغنيسيوم الذى يعمل على منع التآكل، أو إحاطتها بخليط من البازلت والجرانيت والطمى. ورغم فعالية هذه الطريقة في التخلص من النفايات النووية، إلا أنه يخشى من تعرض منطقة مستودعات النفايات إلى الزلازل والبراكين التى قد تؤدى إلى دفع تلك النفايات الخطرة إلى سطح الأرض وحدوث تلوث إشعاعى فى تلك المناطق. هذا المقترح تتبناه وتفضله كل من أمريكا وروسيا وفنلندا واستراليا واليابان وكوريا الجنوبية ونيوزيلاند وسويسرا وبلجيكا والأرجنتين والسويد واسبانيا والتشيك. ويذكر أن دولة فنلندا تعتبر أول من قام بتنفيذ مستودع من هذا النوع فى العالم وإسمه أونكالو Onkalo، وهو الأن تحت الإنشاء، حيث كانت بداية الإنشاء عام 2004، ومن المتوقع أن ينتهى العمل فى تنفيذه وبداية تشغيله عام 2020، وتكاليفه المتوقعة هى 818 مليون يورو.
هناك مقترح آخر وهو أمريكى، وفكرته أن تكون المستودعات عبارة عن آبار عميقة، فى الطبقة السفلى من الصخور وعلى عمق نحو 5000 متر، ويتم تخزين اسطوانات النفايات فى منطقة الـ 2000 متر من الطبقة السفلى من البئر، ويتم سدادة وإحكام الغلق للجزء العلوى وهو الـ 3000 متر من البئر بمواد مثل البنتونيت، أو الأسفلت أو الخرسانة.
لم يقتصر الأمر على هذين النوعين من المستودعات، ولكن توجد عديد من المقترحات، وسوف نقدمها فى مقالة أخرى بإذن الله.
والى أن نلتقى فى مقالة قادمة ،،، لكم منى كل الشكر والتقدر ومع وافر تحياتى .