المصادر الأولية للطاقة فى العالم – كوبالت وليثيوم
بقلم – الدكتور على عبد النبي:
تتعرض موارد كوكب الأرض المحدودة ونظام البيئة العالمي لضغوط نتيجة زيادة عدد سكان العالم وزيادة الإنتاج الاقتصادى، وهنا تأتى أهمية دفع كفاءة استخدام الموارد بشكل عام وكفاءة الطاقة على وجه الخصوص، وينبغى إيجاد طرق لتلبية الاحتياجات البشرية وفى الوقت نفسه إيجاد طرق للحفاظ على نظام البيئة الطبيعي.
المصادر الأولية للطاقة فى العالم هى الطاقة المتجددة والوقود الأحفورى والطاقة النووية، وتعزيز كفاءة موارد الطاقة تعنى اتخاذ إجراءات وقائية لتوفير الطاقة وإيجاد طرق لتوليد الكهرباء دون حدوث أى مخاطر بيئية ، ومع الأخذ فى الاعتبار التأثيرات البيئية الناتجة عن استخراج وتعدين الخامات الأولية والنفايات والانبعاثات الملوثة الناتجة عن استخدام تلك المصادر.
أن المخاوف المتعلقة بتغير المناخ وارتفاع أسعار البترول وأمن الطاقة وزيادة الدعم المقدم من حكومات دول العالم فى قطاع الطاقة، دفعت بزيادة الاستثمارات فى مجال الطاقة المتجددة، وبالتالى فإن موارد الطاقة المتجددة سوف تلعب دورا أكثر أهمية فى تلبية احتياجاتنا من الطاقة فى المستقبل.
الطاقة المتجددة ليست من المصادر الثابتة لتوليد الطاقة الكهربائية، وتعتبر “متغيرة”، فهى تتأثر بالموقع والطقس والوقت من اليوم – بمعنى أن توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية يعتمد على وجود الشمس ، وتوليد الكهرباء من طاقة الرياح يعتمد على وجود الرياح.
ويعتبر توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح غير مؤكد uncertain، لأنه لا يمكن التنبؤ بالمخرجات بدقة مطلقة، وتحتاج الشبكات الكهربائية إلى توفير طاقة ذات موثوقية عالية وثابتة reliable and steady energy.
استبدال وحدات توليد الكهرباء التقليدية بمحطات طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية سوف تطرح قضايا جديدة من حيث استقرار الشبكة والموثوقية grid stability and reliability. ومن أجل التغلب على هذه المشاكل، يصبح تخزين الطاقة الكهربائية حلاً عملياً. علاوة على ذلك ، يمثل تخزين الطاقة الكهربائية حلاً رئيسياً ليس فقط لتخزين كهرباء محطات الطاقة المتجددة ولكن أيضاً لتطبيقات الطاقة الكهربائية الاحتياطية عن طريق تعويض القدرة الاستثنائية وتوفير مصدر طاقة كهربائية غير قابل للانقطاع عند ظهور انخفاض الجهد فى شبكة الطاقة الكهربائية.
البطاريات تستطيع تخزين الطاقة الكهربائية ، فهى تحول الكهرباء إلى طاقة كامنة كيميائية قابلة للتخزين والعودة إلى طاقة كهربائية مرة أخرى عند الحاجة الى كهرباء. البطاريات يمكنها أداء وظائف مختلفة في نقاط مختلفة على طول الشبكة الكهربائية. فى موقع محطات الطاقة الشمسية الكهروضوئية أو توربينات الرياح ، يمكن للبطاريات أن تخفف من التقطع فى تدفق الطاقة الكهربائية flow variability من خلال تخزين الطاقة الكهربائية الزائدة عندما يكون الطلب منخفضاً واسترجاعها عندما يكون الطلب مرتفعاً.
يشير مصطلح “دورة الحياة” إلى عدد المرات التي يمكن فيها إعادة شحن البطارية قبل أن تنخفض إلى أقل من 80 في المائة من قدرتها على حمل الشحنة ، أى عندما تبدأ فى استنفاذها. والجوانب الأخرى للبطارية وهى مدى سُميتها وقابلية إعادة التدوير ومدى سهولة الاحتفاظ بها فى نطاق درجة الحرارة المطلوبة تعتبر هامة، لكن التكلفة هى العامل الرئيسى الذى يحد من الاستخدام الواسع النطاق للبطاريات.
الأن أصبحت بطاريات “ليثيوم-أيون” (Li-ion) تستخدم على نطاق واسع بسبب خصائصها ، مثل الكفاءة العالية وكثافة الطاقة والعمر الطويل. والاستخدام الأكثر شيوعا لبطاريات “ليثيوم-أيون” نجده فى تشغيل الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية مثل أجهزة المحمول، وكذا استخدامها فى تشغيل السيارات الكهربائية، فضلا عن كونها المرشحة الأكثر جاذبية لأنظمة التخزين الكهروكيميائية للتطبيقات الثابتة ، وتطبيقات توفير الطاقة الاحتياطية. من المتوقع أن يتم استخدام 80٪ من إنتاج بطاريات “ليثيوم-أيون” فى السيارات وقطاعات تخزين الطاقة المتجددة حتى عام 2020، ومن المتوقع أن تكون جزءاً أساسياً من مزيج الطاقة فى العالم.
فى عام 2017 ، كان الطلب على قطاع البطاريات 102 جيجاوات/ساعة ، ومن المتوقع زيادة هذا الرقم إلى 709 جيجاوات/ساعة بحلول عام 2026. وتشير التقديرات إلى أن استخدام بطاريات “ليثيوم- أيون” سوف يتضاعف ثلاث مرات عام 2026.
بطارية “ليثيوم-أيون” هى نوع من البطاريات القابلة للشحن، وفيها يتحرك “أيون” الليثيوم بين الأنود والكاثود خلال تفريغ الشحنة وبالعكس من الكاثود الى الأنود خلال فترة الشحن. فى بطاريات “ليثيوم-أيون” يعتبر الكوبالت مكوناً رئيسياً فى الكاثود. وتحتاج مادة الكاثود إلى الهيكل البلورى المناسب لاستيعاب الأيونات ، ويكون لديها القدرة على تخزين أكبر عدد من أيونات الليثيوم. تلبى أكاسيد المعادن الانتقالية كل هذه المتطلبات إلى حد ما ، ويعطى الكوبالت أفضل أداء فى جميع المجالات.
الكوبالت متواجد فى الكونغو وكندا واستراليا والفلبين ومدغشقر، لكن دولة الكونغو تستحوذ على 70% من إنتاج العالم من الكوبالت ، ولا توجد دولة أخرى تساهم بما يصل إلى نسبة 10% من إمدادات الكوبالت. وسيطرة دولة الكونغو على السوق العالمى للكوبالت هو فى حد ذاته مشكلة ، فدولة الكونغو تعانى من الصراعات الداخلية ، وإحتمالات الحرب فى الكونغو قائمة فى أى وقت وهى الخطر الرئيسى على توريد الكوبالت ، كما أن الكوبالت فى دولة الكونغو مرتبط بـ التعدين غير القانونى وكذا عمالة الأطفال.
الكوبالت هو أساسا منتج ثانوى من تعدين النيكل والنحاس. لذلك ، يرتبط إنتاج الكوبالت بالطلب على النحاس والنيكل. وإن أسوأ ما يمكن أن يحدث لصناعة البطاريات هو انهيار الاقتصاد العالمى. إذا حدث ذلك ، ينخفض الطلب على الفولاذ المقاوم للصدأ ، مما يعنى انخفاض الطلب على النيكل. وعندما يقل الطلب على تعدين النيكل سيقل إنتاج الكوبالت.
زيادة انتشار استخدام بطاريات “ليثيوم-أيون” يصاحبه زيادة الطلب على الكوبالت . حاليا ، يبلغ إجمالى الإنتاج السنوى للكوبالت فى العالم حوالى 100 ألف طن. فى عام 2017 ، استهلكت صناعة البطاريات حوالى 48 ألف طن من الكوبالت، ومن المنتظر أن يزداد احتياج صناعة البطاريات من الكوبالت ليصل بحلول عام 2025 إلى 127 ألف طن.
في بداية عام 2017 ، كان سعر الطن من الكوبالت 32500 دولار. اما اليوم ، فقد ارتفع سعر الطن ليصل الى 81 ألف دولار. وسيستمر سعر الكوبالت فى الارتفاع طالما أن هناك طلب متزايد على بطاريات “ليثيوم-أيون”.
هناك عنصر آخر يعتبر مكونًا رئيسيًا فى صناعة بطاريات “ليثيوم-أيون” وهو عنصر الليثيوم، حيث تستخدم “كربونات الليثيوم” فى تصنيع معظم كاثودات بطارية “ليثيوم-أيون” ، وهى مصنوعة من أكسيد الليثيوم والكوبالت.
الليثيوم يستخرج من برك المياه المالحة ، ومعظم هذه البرك تتواجد فى الأرجنتين وتشيلى والصين ، كما يستخرج الليثيوم من الصخور المعدنية والمتواجدة فى استراليا والصين وزيمبابوى والبرتغال. ناتج استخراج الليثيوم من برك المياه المالحة يمثل 40 ٪ من الإمدادات العالمية ، فى حين إنتاج الليثيوم من الصخور المعدنية يمثل 60 ٪.
فى عام 2017 ، كانت إمدادات “كربونات الليثيوم” تزيد قليلاً عن 233 الف طن ، فى حين أن الاستهلاك كان أقل من 217 ألف طن. فى عام 2016 كان المتوسط السنوى لسعر الطن من “كربونات الليثيوم” المستخدمة فى البطاريات 7400 دولار. وفى عام 2017 ، تقريبا تضاعف السعر ووصل 13900 دولارا للطن ، وفى عام 2018 وصل السعر الى 20 ألف دولار للطن.
أدى ارتفاع أسعار الليثيوم إلى فتح مناجم جديدة وزيادة العرض. ومن المتوقع حتى نهاية عام 2018 زيادة كبيرة فى المعروض من ليثيوم المناجم . وسوف تزداد الحاجة لمصادر جديدة حتى نهاية عام 2020. احتياطيات الليثيوم متوزعة على نطاق واسع على المستوى العالمى ، والحصول على ما يكفى من الليثيوم لا يشكل مشكلة. كما أن الإمدادات من العناصر الأخرى مثل النيكل والمنجنيز والجرافيت الطبيعى تبدو كافية لتلبية الطلب المتوقع على بطاريات “ليثيوم-أيون”.
إن زيادة الاستثمار فى تكنولوجيا الطاقة الصديقة للبيئة ومنها الطاقة المتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية ، وكذا التوسع فى استخدام السيارات الكهربائية ، قد أدى الى الاهتمام بتخزين الطاقة الكهربائية فى البطاريات ومنها بطاريات “ليثيوم-أيون” ، وبذلك أصبح عنصر الكوبالت و عنصر الليثيوم من المصادر الأولية المهمة للطاقة فى العالم.
اشكركم ، والى أن نلتقى فى مقالة أخرى لكم منى اجمل وارق التحيات.