مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

المصادر الأولية للطاقة فى العالم – طاقة الانشطار النووى

بقلم الدكتور- على عبد النبى:

سبحان رب العزة عندما يخبرنا فى كتابه: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ .. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} سورة الزلزلة. فهى قاعدة تمثل أصلاً من أصول العدل، والجزاء والحساب. و”المثقال” ما يعرف به ثقل الشيء، وهو ما يقدر به الوزن وهو كميزان زنة ومعنى، و”الذرَة” تطلق على النملة الصغيرة في ابتداء حياتها، وعلى الغبار الدقيق الذى يتطاير من التراب عند النفخ فيه. والمقصود المبالغة فى الجزاء على الأعمال مهما بلغ صغرها، وحقر وزنها.

ومع تقدم العلوم وجدنا أن المواد تتكون من ذرَات، والذرَة ومكوناتها لا ترى بالعين المجردة، ووزن الذرَة صغير جدا جدا، والذرَة تتكون من جسيمات تحت ذرَية، وهذه الجسيمات المكونة للذرَة هي الإلكترون (كتلته 9.109×10−31 كيلوجرام) وهى تدور فى مدارات حول الذرة، والبروتون (كتلته 1.672621637×10−27 كيلوجرام)، والنيوترون (كتلته مماثلة لكتلة البروتون). الذرَة تتكون من سحابة من الإلكترونات سالبة الشحنة، وهي تدور حول نواة موجبة الشحنة صغيرة جدًا في المركز، والنواة تتكون من بروتونات موجبة الشحنة، ونيوترونات متعادلة الشحنة. وتعدّ الذرة أصغر جزء من العنصر يمكن أن يتميز به عن بقية العناصر، وخصائص الذرَة والمتمثلة فى عدد بروتوناتها وكتلتها وتوزيع الإلكترونات فى مدارات حول نواة الذرَة، هى التى تصنع الفروق بين العناصر المختلفة. وحتى بين الصور المختلفة للعنصر الواحد والمسماة بالنظائر.

والنظائر هى شكل من أشكال العنصر الكيميائى، لذرَاتها نفس عدد البروتونات، ولكنها تختلف فى عدد النيوترونات. ولا تختلف الخواص الكيميائية للذرَة ونظيرها، ذلك لأن الخواص الكيميائية للذرة تعتمد على عدد البروتونات في النواة، وبالتالي على عدد الإلكترونات التي تدور في مدارات حول النواة وتوزيعها، الإلكترونات هي التي تشترك في التفاعلات الكيميائية. وعدد النيوترونات والبروتونات في نواة العناصر الصغيرة يكونا تقريبا متساويين، بينما يزيد عدد النيوترونات عن عدد البروتونات في نواة العناصر الثقيلة.

النيوترون الحر غير مستقر، فهو يتحلل إلى بروتون وإلكترون فى زمن يتراوح من 10 إلى 15 دقيقة، ولأن النيوترونات غير مشحونة يجعل من الصعب كشفها أو التحكم بها. لكن فى المقابل نجد أن البروتون جسيم مستقر.

التفاعل المتسلسل، الذرَة تحتوي فراغاً كبيراً، نواة الذرَة والمكونة من بروتونات ونيوترونات، تعتبر أصغر كثيرا جدا من حجم الذرَة، مما يعطي النيوترونات الحرة قدرة كبيرة على اختراق الذرَة. فالإشعاع النيوتروني (النيوترونات الحرة) لها قدرة عالية على النفاذ في المواد. واليورانيوم-235 عنصر ثقيل وهو أحد نظائر اليورانيوم، وتستخدم النيوترونات في شطر ذرَة اليورانيوم-235 فى المفاعلات النووية لتوليد الكهرباء، وتنشطر ذرَة اليورانيوم إلى ذرَتين جديدتين (نواتج الانشطار)، مع خروج عدد من 2 إلى 3 من النيوترونات. والنيوترونات الخارجة من الانشطار تكون سريعة، ويقوم ماء تبريد الوقود النووى بتهدئة هذه النيوترونات لكى تصبح بطيئة وتستطيع شطر ذرَة يورانيوم-235 أخرى، وهكذا تتسلسل عمليات الانشطار، وبهذا تتزايد النيوترونات وكذا يزداد معدل الانشطار النووى لذرَات عنصر اليورانيوم-235، وهو ما يسمى بالتفاعل المتسلسل. إذا بدأنا بعملية شطر ذرَة يورانيوم-235 واحدة بنيوترون واحد، نجد أن عملية الانشطار مع خروج 3 نيوترونات جديدة تأخذ زمنا مقداره 0.01 ثانية، فإذا استمر هذا التفاعل المتسلسل لمدة ثانية واحدة، فإننا نحصل على عدد رهيب من النيوترونات مقداره 1048 نيوترون.

فى القنابل الذرَية يترك هذا التفاعل المتسلسل بدون تحكم حتى يحدث الانفجار النووى الرهيب. أما فى المفاعلات النووية، فالتفاعل المتسلسل يكون تحت التحكم والسيطرة لكى نصل إلى تفاعل متسلسل مستقر، بحيث يترك نيوترون واحد ناتج من التفاعل لكى يحدث تفاعل آخر جديد، وتمتص باقى النيوترونات الناتجة من التفاعل فى ماء التبريد وفى مواد أخرى مثل الكادميوم.

فى التفاعل المتسلسل نجد أن كتلة المواد الداخلة فى التفاعل وهى ذرَة عنصر اليورانيوم-235 والنيوترون، تكون أكبر من كتلة المواد الخارجة من التفاعل، وطبقا لقانون آينشتاين “الطاقة = الكتلة × مربع سرعة الضوء”، نجد أن الفرق فى الكتلة يتحول إلى طاقة، والطاقة الناتجة من الانشطار الواحد حوالى 3.24 × 10−11 جول. والطاقة الحرارية الناتجة من ملايين الانشطارات فى الثانية الواحدة تقوم بتسخين مياه تبريد المفاعل النووى، وتتحول المياه إلى بخار، ويستخدم هذا البخار فى تشغيل التوربينة والتى بدورها تدير مولد كهرباء، ومنه نحصل على كهرباء كثيفة تستطيع تغذية أحمال الشبكة الكهربائية.

الوقود النووى، نجد أن أكثر المفاعلات النووية تستخدم وقودا نوويا من اليورانيوم. اليورانيوم الطبيعى يحتوى على 97.3% من اليورانيوم-238 الذى لا ينشطر، وعلى 0.7% من اليورانيوم-235 الانشطارى. معظم المفاعلات النووية تستخدم يورانيوم مخصب واليورانيوم المخصب يحتوي على نسبة أعلى من اليورانيوم-235، فهو يحتوى على نسبة من 2.5% إلى 4.5% من اليورانيوم-235، ويكون فى شكل أقراص من أكسيد اليورانيوم، طولها 2.5 سم وقطرها حوالى 0.9 سم. هذه الأقراص توضع فى أنابيب مغلقة من سبيكة الزركونيوم طولها حوالى 4 متر. يتم تجميع أنابيب الوقود النووى فى حزم الوقود النووى، وشكل مقطع الحزمة إما يكون رباعي الأضلاع وهو فى معظم المفاعلات النووية، أو يكون سداسي الأضلاع كما هو فى المفاعلات الروسية، أو يكون على شكل دائري كما هو موجود فى المفاعلات الكندية، وحزمة وقود مفاعل الكندى “كاندو” طولها 50 سم.

الماء الخفيف، وجزيء الماء الخفيف يتكون من اتحاد ذرتين من غاز الهيدروجين بذرَة واحدة من غاز الأكسجين H2O، وذرَة الهيدروجين لا يوجد بها نيوترون فهى ذرَة مكونة من بروتون واحد فقط. والماء الخفيف هو الماء العادي الذى نستخدمه فى حياتنا وهو موجود فى الطبيعة فى مياه البحار والمحيطات والأنهار وخلافه، ويستخدم  فى المفاعلات النووية لتوليد الكهرباء فى تهدئة النيوترونات السريعة والخارجة من انشطار الذرَة، وكذا يستخدم فى امتصاص حرارة التفاعل النووى، حيث ترتفع حرارة الماء وضغطه، وهذا الماء يتحول إلى بخار فى مفاعلات الماء الخفيف المغلى ويتوجه البخار مباشرة إلى تشغيل التوربينة لتوليد الكهرباء. أما فى حالة مفاعلات الماء الخفيف المضغوط، يقوم ماء التبريد والمحيط بالوقود النووى والموجود فى الدائرة الابتدائية للمفاعل بتسخين مياه الدائرة الثانوية فى المبادل الحرارى (مولد البخار)، ويحولها إلى بخار والذى بدوره يقوم بتشغيل التوربينة، هنا يوجد فصل بين مياه تبريد الوقود النووى الملوثة وهى مياه الدائرة الابتدائية وبين بخار تشغيل التوربينة والمياه الناتجة من تكثيف هذا البخار، وهى مياه الدائرة الثانوية. طبعا التوربينة متصلة بمولد الكهرباء عن طريق عمود، ومع دوران التوربينة يدور المولد وتتولد الكهرباء. الماء الخفيف له قابلية كبيرة لامتصاص النيوترونات، وهذا بدوره يمكن أن يؤدى إلى إيقاف التفاعل المتسلسل، والحل يكمن فى استخدام يورانيوم مخصب لتعويض عدد النيوترونات الممتصة فى الماء.

قد يهمك ايضاً:

الماء الثقيل، ويسمى أكسيد الديوتيريوم D2O، والديوتيريوم هو نظير غاز الهيدروجين، وذرَة الديوتيريوم تحتوي نواتها على بروتون واحد ونيوترون واحد وتسمى هذه الذرَة “الهيدروجين الثقيل”. وجزيء الماء الثقيل يتكوَّن من اتِّحاد ذرتين من غاز الديوتيريوم بذرًة واحدة من غاز الأكسجين. الماء الثقيل له قابلية ضعيفة لامتصاص النيوترونات، وبالتالي يستخدم فى المفاعلات التى تستخدم اليورانيوم الطبيعى فى تشغيلها، فهو يحافظ على عدد النيوترونات التى بدورها تحافظ على التفاعل المتسلسل. من أشهر المفاعلات النووية لتوليد الكهرباء والتى تستخدم الماء الثقيل المضغوط هى المفاعلات الكندية من نوع  “كاندو”.

أصبحنا الآن أمام ثلاثة أنواع من المفاعلات النووية لتوليد الكهرباء، وهى مفاعلات الماء الخفيف المغلى والماء الخفيف المضغوط والماء الثقيل المضغوط. هناك أنواع أخرى من المفاعلات النووية لتوليد الكهرباء، لكننا سوف نركز على هذه الأنواع من المفاعلات وهى الأكثر انتشارا فى السوق العالمى.

مفاعلات الماء الخفيف المغلى، وهى تستخدم الماء الخفيف كمهدئ للنيوترونات ومبرد للوقود النووى. فى هذا النوع من  المفاعلات نجد أن مياه تبريد الوقود النووي تتحول إلى بخار وتتجه مباشرة لتشغيل التوربينة، وهذا يسبب تلوث التوربينة وملحقاتها بالمواد المشعة. من أهم الدول التى يتواجد فيها هذا النوع من المفاعلات هى أمريكا واليابان، لكن هذا النوع من المفاعلات يأتى فى المرتبة الثانية من حيث أعداد المفاعلات النووية المستخدمة لتوليد الكهرباء على المستوى العالمى.

مفاعلات الماء الخفيف المضغوط، وهى تستخدم الماء الخفيف كمهدئ للنيوترونات ومبرد للوقود النووى. فى هذا النوع من المفاعلات يتم فصل مياه تبريد الوقود النووى فى الدائرة الابتدائية عن مياه تشغيل التوربينة فى الدائرة الثانوية. وأصبح المفاعل النووى يتكون من: أولا، الدائرة الابتدائية، وهى تتضمن بشكل عام وعاء ضغط واحد (والذى يوضع فيه حزم الوقود النووى) والضاغط وملحقاتها، والدائرة الابتدائية مغلقة بإحكام وتعمل تحت ضغط عالى، بحيث لا يسمح ان تتكون فقاعات من بخار الماء أو الغازات فى ماء تبريد الوقود النووى. ثانيا، الدائرة الثانوية، وهى تتضمن مولدات البخار والتوربينة والمولد وملحقاتها. وبذلك أصبحت التوربينة وملحقاتها بعيدة كل البعد عن التلوث بالمواد المشعة. يعمل مولد البخار على نقل الحرارة من الدائرة الابتدائية إلى الدائرة الثانوية والتى تعمل بالماء الخفيف لإنتاج البخار المستخدم لتشغيل التوربينة. هذا النوع من المفاعلات هو الأكثر انتشارا على المستوى العالمى.

مفاعلات الماء الثقيل المضغوط، وهى تستخدم الماء الثقيل كمهدئ للنيوترونات ومبرد للوقود النووى. فى هذا النوع من المفاعلات لا يوضع الوقود النووى فى وعاء ضغط واحد، لكن يستعاض عن ذلك بأعداد من أنابيب الضغط المنفصلة، حيث توضع فيها حزم الوقود النووى. يعمل مولد البخار على نقل الحرارة من الدائرة الابتدائية إلى الدائرة الثانوية والتى تعمل بالماء الخفيف لإنتاج البخار المستخدم لتشغيل التوربينة. هذا النوع من المفاعلات يأتى فى المرتبة الثالثة من حيث الانتشار على المستوى العالمى.

بعد خروج بخار الماء من التوربينة يتم تكثيفه في مكثف للبخار، ومكثف البخار يحتاج كميات كبيرة من المياه للقيام بعملية تكثيف البخار. والمحطات النووية تحتاج إلى مصدر مياه مفتوح كالبحار أو المحيطات للحصول على مياه للتبريد للوفاء باحتياجات تشغيل مكثف البخار. أما فى حالة وجود مصادر مياه ضعيفة لتشغيل المكثف مثل الأنهار، فى هذه الحالة تستخدم أبراج تبريد لرفع كفاءة تبريد المكثف.

أول مفاعل نووي في العالم كان عام 1942 فى أمريكا، وكان للأغراض العسكرية. وأول مفاعل نووي في العالم أنتج كهرباء كان عام 1951 فى أمريكا، وهو مفاعل أيداهو، لكن كان الغرض الأساسى لهذا المفاعل هو الاستخدامات العسكرية. وأول مفاعل نووي في العالم صمم لإنتاج  الكهرباء كان عام 1954 فى مدينة أوبنينسيك الروسية، وكانت قدرته 5 ميجاوات. الجيل الأول من المفاعلات النووية كان فى الفترة من عام 1950 إلى عام 1970، والجيل الثانى من المفاعلات النووية كان فى الفترة من عام 1970 إلى عام 1990، والجيل الثالث من المفاعلات النووية بدءا من عام 1990 ومستمر حتى الآن، ومن المنتظر أن يكون الجيل الرابع من المفاعلات النووية متاحا تجاريا عام 2030.

نتيجة الدروس المستفادة من تشغيل وصيانة المفاعلات النووية لفترة تزيد على 60 سنة، وبالإضافة إلى الدروس المستفادة من الحوادث النووية، فقد تم تطوير معايير الأمان النووى لمفاعلات الجيل الثالث. كون الطاقة النووية هى طاقة نظيفة وآمنة ورخيصة، فبجانب مصادر الطاقة المتجددة تعتبر الطاقة النووية هى طاقة المستقبل.

حاليا يوجد 454 مفاعل نووى لإنتاج الكهرباء فى 31 دولة، تنتج قدرة كهربائية مقدارها 400.285 جيجاوات، وتشارك بنسبة 11% من مجمل إنتاج الكهرباء العالمى. عدد مفاعلات الماء الخفيف المغلى هو 72 مفاعل، وعدد مفاعلات الماء الخفيف المضغوط هو 301 مفاعل، وعدد مفاعلات الماء الثقيل المضغوط هو 49 مفاعل، وهناك 32 مفاعل من ثلاثة أنظمة مختلفة. كما يوجد عدد 54 مفاعل نووى حاليا تحت الإنشاء، ومعظمهم من مفاعلات الماء الخفيف المضغوط من الجيل الثالث، ومقدر لها أن تنتج قدرة كهربائية مقدارها 55 جيجاوات.

أشكركم، وإلى أن نلتقى فى مقالة أخرى لكم منى أجمل وأرق التحيات.

 

اترك رد