المصادر الأولية للطاقة فى العالم – طاقة الرياح
بقلم – الدكتور على عبد النبى:
الرياح هى حركة الهواء، وحركة الهواء على سطح الأرض تنتج عن عوامل طبيعية، مثل التسخين غير المتساوى للغلاف الجوى بسبب الشمس وعدم انتظام سطح الأرض ودوران الأرض. قديما كان يستفاد من طاقة الرياح فى تحريك السفن الشراعية وإدارة طواحين الهواء لطحن الحبوب، حيث تقوم طواحين الهواء وأشرعة السفن بتحويل الطاقة الحركية للرياح إلى طاقة ميكانيكية. لكن مع بداية القرن العشرين استخدمت طواحين الهواء لضخ المياه من الأبار وتوليد الكهرباء.
طاقة الرياح هى طاقة قابلة للتجدد، فهى أحد أنواع الطاقة المتجددة. والرياح متوفرة على سطح الأرض، إلا أن وفرتها تختلف من موقع إلى آخر. وسرعة الرياح هى أحد العوامل الحاكمة فى تشغيل توربينة الرياح. هناك خرائط بها بيانات حول سرعة الرياح واتجاهها وكذا بيانات تكرارية حدوثها متوزعة على الفترات الزمنية وهى تغطى المناطق المختلفة على مستوى القارات وعلى مستوى دول العالم وهذه الخرائط تسمى أطلس الرياح.
تطورت تكنولوجيا طواحين الهواء، وأصبحنا اليوم نرى انتشار توربينات حديثة لتوليد الكهرباء من طاقة الرياح، فهناك توربينات برية وهى مصممة لكى تعمل على اليابسة، وكذا هناك توربينات بحرية وهى مصممة لكى تعمل داخل مياه البحار والمحيطات. محطات توليد الكهرباء من طاقة الرياح تحتاج إلى مساحات من الارض متفاوتة المساحة على حسب حجم المحطة ونوع التوربينات المستخدمة. ومحطة طاقة الرياح أو مزرعة الرياح تتكون من العديد من توربينات الرياح، وبذلك فهى تحقق الموثوقية والمرونة، ففى حالة تلف بعض التوربينات الموجودة فى المحطة ، يمكن للباقى أن يستمر فى العمل.
محطة توليد الكهرباء من طاقة الرياح لا تحتاج وجود مياه للتبريد كما هو الحال فى محطات توليد الكهرباء التى تعمل بالمصادر الاحفورية (غاز طبيعى-بترول-فحم) أو بالطاقة النووية. ويمكنها العمل بشكل موثوق فيها فى ظروف الطقس القاسية مثل المناطق الصحراوية والتى تتعرض لموجات الجفاف الحادة وموجات الحرارة المرتفعة.
توربينات الرياح متوفرة في مجموعات متنوعة من قدرات توليد الكهرباء، فهناك توربينات صغيرة الحجم وتوربينات متوسطة الحجم وتوربينات كبيرة الحجم، والتوربينات الصغيرة والمتوسطة هى التوربينات الى قدرتها تقل عن 1 ميجاوات. والقدرات الكهربائية للتوربينات تختلف حسب الاستخدام، فهناك توربينات صغيرة يمكنها توفير احتياجات الطاقة الكهربائية لمنزل أو شركة صغيرة. وتستخدم التوربينات الصغيرة والتى تقل عن 50 كيلووات فى المنازل أو ضخ المياه. التوربينات كبيرة الحجم الحديثة والمخصصة للعمل فى محطات توليد الكهرباء تبدأ قدراتها من 1 ميجاوات وتصل الى 12ميجاوات.
العائق الذى يحول دون انتشار طاقة الرياح فى دول العالم المختلفة هو سرعة الرياح، فسرعة الرياح تختلف من ساعة الى ساعة ومن يوم الى يوم ومن شهر الى شهر، فهى متغيرة ومتقطعة حسب فصول السنة، وبذلك فإن الطاقة الكهربائية المولدة من توربينة الرياح متغيرة ومتقطعة حسب سرعة الرياح وحسب تواجد الرياح من عدمه. ومعظم التوربينات تعطى أقصى قدرة كهربائية عند سرعة رياح 15 متر/الثانية أو أكثر، وهذه السرعة غير متاحة فى كثير من بقاع الأرض.
نظرا لأن طاقة الرياح متغيرة ومتقطعة، فالحلول الهندسية قد وضعت لتوفير هذه الطاقة على مدى اليوم والأسبوع والشهر، وتحويلها الى طاقة دائمة وليست متغيرة أو متقطعة، وحتى لا تتسبب فى حدوث مشاكل فى اتزان وموثوقية الشبكة الكهربائية عند توصيل محطات طاقة الرياح بالشبكة الكهربائية الموحدة. احد هذه الحلول هو التخزين فى البطاريات، وبذلك فقد أصبحت الخطوط العريضة لنظام طاقة الرياح المتكامل واضحة وبنسبة 100%.
جرت العادة على ان تقوم مراكز الابحاث المتخصصة فى حل المشاكل الهندسية التى تواجه تطوير التكنولوجيات المختلفة. وفى مجال طاقة الرياح فقد تم تطوير توربينة رياح تستطيع انتاج اقصى قدرة كهربائية لها عند سرعة 6 متر/ الثانية. هذه التوربينة ذات 10 ريشة ومقسمة الى مجموعتين من الريش كل مجموعة 5 ريشة، ويوجد منها ثلاث انواع حسب القدرة الكهربائية، فهناك توربينة ذات قدرة 3.5 ميجاوات، وتوربينة ذات قدرة 2.5 ميجاوات، وتوربينة ذات قدرة 1 ميجاوات. طول ريشة التوربينة ذات القدرة الكهربائية 1 ميجاوات هو 37.5 متر وارتفاعها يتراوح ما بين 50 الى 75 متر، وهى توربينة برية وبحرية. وحيث ان سرعة الرياح 6 متر/ الثانية متوفرة فى معظم بقاع الكرة الأرضية، فمن خلال هذه التوربينة يمكن زيادة اعداد توربينات الرياح على مستوى العالم، وبذلك يزداد الأعتماد على طاقة الرياح.
هناك منافسة مستمرة بين الشركات العالمية لتصنيع توربينات رياح ذات قدرات كبيرة. أخيرا تم تصنيع توربينة قدرتها الكهربائية 12 ميجاوات، وهى تعتبر اكبر توربينة على مستوى العالم، وهى بحرية، وذات ثلاث ريش وارتفاعها 260 متر، وطول الريشة الواحدة 107 متر، لكنها تعمل على سرعات رياح تبدأ من 15 متر/ الثانية فأكثر.
من خبرات التشغيل والصيانة لمحطات طاقة الرياح، وجد أن عطل صندوق تروس التوربينة هو أحد المشاكل التى تواجه التوربينات التى يتم تشغيلها فى المناطق التى ينتشر فيها الغبار والعفرة ونسبة الرطوبة العالية ومع شدة اشعة الشمس العالية فى الاوقات المختلفة من اليوم، وهو عطل شائع، ففى حالة عدم انتظام الصيانة يتسرب الغبار الدقيق الى صندوق التروس ومع مرور الوقت، وفى ظل وجود زيت صندوق التروس تتكون كتل صلبة، وهى عبارة عن عجينة من الغبار والزيت والتى تتسبب فى توقف التوربينة عن العمل.
معظم محطات طاقة الرياح لتوليد الكهرباء محطات برية ، إلا أن محطات الرياح البحرية تكتسب شعبية واسعة كمنطقة موارد أكبر من الطاقة الكهربائية وذات تأثير بيئى منخفض. ويوم بعد يوم يزداد الاعتماد على الطاقة المتجددة، فقد نمت الطاقة المتجددة بشكل ملحوظ فى السنوات الأخيرة، ففى عام 2017 بلغ متوسط هذا النمو نسبة 17٪ ، وهو يعتبر أكبر معدل نمو على الإطلاق فى مجال الطاقة. وقد شاركت طاقة الرياح بأكثر من نصف هذا النمو، فى حين ساهمت الطاقة الشمسية بأكثر من الثلث. وكان إجمالى قدرات ما تم تركيبه من محطات طاقة الرياح لتوليد الكهرباء قد تخطى 52.552 جيجاوات، وبذلك أصبح ما يتم توليده من محطات الرياح من كهرباء على مستوى العالم 539.291 جيجاوات. وعلى المستوى العالمى، من المتوقع أن تنمو قدرات توربينات الرياح الصغيرة والمتوسطة من 176.4 ميجاوات فى عام 2017 إلى 446.0 ميجاوات فى عام 2026.
هناك دول رائدة فى استخدام طاقة الرياح هذه البلاد اضافت قدرات جديدة من طاقة الرياح فى عام 2017، وهى كما يلى: الصين 19.5 جيجاوات، والولايات المتحدة 7.02 جيجاوات، والمانيا 6.6 جيجاوات، وانجلترا 4.3 جيجاوات، والهند 4.2 جيجاوات، والبرازيل 2 جيجاوات، وفرنسا 1.7 جيجاوات، وتركيا 766 ميجاوات، وكندا 702 ميجاوات، والمكسيك 478 ميجاوات، وبلجيكا 467 ميجاوات، وباقى دول العالم أضافت 5.6 جيجاوات.
المنافسة رهيبة بين الشركات المصنعة لتوربينات الرياح فى تقديم اسعار تنافسية للكيلووات ساعة لكل من محطات الرياح البرية والبحرية. ففى دول مثل المغرب والهند والمكسيك وكندا، نجد أن السعر فى حدود 0.03 دولار (50 قرش صاغ). وفى بعض العطاءات المقدمة فى السوق العالمى وصل فيها السعرالى أقل من 0.02 دولار / كيلووات الساعة (40 قرش صاغ).
طاقة الرياح البرية والبحرية سوف تقود العالم لانتاج طاقة بعيدة عن الوقود الأحفورى المسبب لتلوث البيئة، كما أنها ستستمر فى المنافسة على السعر والأداء والموثوقية، ومن المتوقع أن تكون هى المفتاح لتحديد مستقبل طاقة مستدامة.
اشكركم ، والى أن نلتقى فى مقالة أخرى لكم منى اجمل وارق التحيات.