المصادر الأولية للطاقة فى العالم – البترول
بقلم- الدكتور على عبد النبى:
بالرغم من أن الإنسان قد عرف البترول منذ آلاف السنين، حيث كانوا يقومون بجمع البترول المتسرب من الشقوق الأرضية ويستخدمونه في أغراض شتى، إلا أن اكتشاف أماكن مكامن البترول لم يحدث إلا في عام 1830، حيث تدفق البترول أثناء استخراج الملح في الولايات المتحدة الأمريكية، واكتشف مكمن للبترول في روسيا سنة 1856، وآخر في رومانيا سنة 1858. وكان الناس فى ذلك الحين، يحصلون على حاجتهم من البترول من الكميات البسيطة التي يعثرون عليها على شكل رشح على سطح الأرض، أو على سطح مياه البحيرات والأنهار. فلما أوشكت هذه المقادير القليلة على النفاد، أخذ الناس ينقبون عنه في باطن الأرض .وكان أول اكتشاف تجاري في ولاية بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1859، حيث تم حفر أول بئر لاستخراج البترول من جوف الأرض، ويعتبر هذا الحدث بداية تاريخ عهد صناعة البترول.
بعد اكتشاف البترول وبعد اختراع آلة الاحتراق الداخلى عام 1908 تغير نمط الحياة على كوكب الأرض حيث وهب البشرية حياة جديدة، وقد كانت بداية هذا التغيير إبان الحرب العالمية الأولى والتي كانت بمثابة بداية الصراع بين الإنسان والآلة، وأصبحت كل قطرة من البترول تساوى قطرة من الدم، وهذا ما صرح به رئيس فرنسا في هذه الفترة، وأصبح الإنسان أسيرا في احتياجاته ومتطلباته خاضعا للبترول. ومن ثم فقد أصبح البترول يرتبط ارتباطا وثيقا بالصراعات بين الأمم، وسيظل البترول له الكلمة العليا في الصراعات السياسية والاقتصادية والحربية. بل وأصبحت السيطرة على منابع البترول من ضمن أولويات الدول العظمى.
أما عن بداية نشأة البترول والغاز الطبيعى فى باطن كوكب الأرض، فالتفسيرات العلمية ترجح أنه ناتج من وجود نباتات وحيوانات مجهرية كانت تعيش فى البحار والمحيطات منذ ملايين السنين. هذه الكائنات المجهرية، كانت تمتص الطاقة من الشمس، وتخزنها كجزيئات كربون فى أجسامها. وعندما ماتت هذه الكائنات المجهرية فقد غرقت وترسبت فى قاع البحار والمحيطات. وعلى مدى ملايين السنين، تكونت طبقة بعد طبقة من هذه الرواسب وغيرها من النباتات والبكتيريا. ونتيجة ارتفاع درجة الحرارة وارتفاع الضغط الواقع على هذه الكائنات المجهرية لوجودها مدفونة فى أعماق البحار والمحيطات تكوّن البترول والغاز الطبيعى. ودرجة الحرارة هى التى تحدد تشكيل البترول أو الغاز الطبيعى، فمع زيادة درجة الحرارة ينتج بترول أخف فى الوزن، ومع الحرارة العالية يتكون الغاز الطبيعى.
يعتبر البترول أهم مصدر أولى للطاقة في العالم، يليه الفحم الحجرى ثم الغاز الطبيعى. والبترول والغاز الطبيعى والفحم الحجرى هي المصادر الأحفورية الأولية للطاقة في العالم.
البترول يتكون من خليط معقد من الهيدروكربونات، وهذه بدورها تتكون من مركبات عضوية تحتوى على الهيدروجين والكربون، وبذلك فإن أهم مكوّن للبترول هو عنصر الكربون بمتوسط نسبة 84% من تركيب البترول، ثم الهيدروجين بمتوسط نسبة 14%، وهناك عناصر أخرى غير كربونية تسمى شوائب من أهمها الكبريت والفسفور والنيتروجين والأكسجين وأملاح المعادن، وبعض الكميات الضئيلة من الفلزات مثل النيكل و الفاناديوم ونسبتها لا تتعدى 1% من تركيب البترول. يوجد خام البترول فى الطبيعة إما فى حالة صلبة أو شبه صلبة “عروق الأسفلت”، أو فى حالة سائلة “خام البترول”، أو فى حالة غازية “غاز طبيعى”.
تختلف مشتقات خام البترول من خام إلى آخر، وباختلاف نسب هذه المشتقات تتحدد كثافة خام البترول. فكلما زادت نسبة المشتقات الخفيفة كلما قلت درجة كثافة البترول، وكلما زاد سعره. كما أن زيادة نسبة الكبريت والشوائب فى خام البترول تؤدى إلى انخفاض سعره. عند وجود كميات قليلة من الكبريت في البترول يطلقون عليه خام “حلو أو مسكر”، ومع وجود كميات كبيرة من الكبريت يطلقون عليه خام “مر”. كثيراً ما نسمع عن ” خام برنت” الذى يستخرج من بحر الشمال، حيث يعتبر خام “برنت” أحد التصنيفات التجارية الرئيسية للخام الخفيف الحلو، والذي يعد بمثابة واحد من الأسعار المرجعية الرئيسية لمشتريات البترول فى جميع أنحاء العالم. يوصف هذا الصنف من البترول بأنه خفيف بسبب كثافته المنخفضة نسبياً، وأنه “حلو” بسبب محتواه المنخفض من الكبريت، فهو يحتوي على ما يقرب من 0.37 ٪ من الكبريت. ومزيج “برنت” يتكون من مزيج من البترول من 15 حقل مختلفة في منطقتي برنت وتينيان حيث بعضها يقع في المملكة المتحدة والبعض الآخر يقع في النرويج. وهناك مرجع آخر هام لأسعار البترول وهو خام “غرب تكساس الوسيط”.
كل هيدروكربون من مكونات البترول له درجة غليان خاصة به، وبذلك يتم فصل مركبات البترول عن طريق التسخين والتقطير وهى أساس عملية تكرير البترول، ومنها نحصل على : أولا- المنتجات الخفيفة، مثل الغاز الطبيعى وبنزين الطائرات وبنزين السيارات والكيروسين. ثانيا- المنتجات المتوسطة، مثل زيت الغاز (يستخدم في قطاع البناء، والزراعة، وأفران صهر المعادن، ومولدات الكهرباء الاحتياطية، ولا يجوز استخدامه في السيارات التي تستخدم الطرق العامة)، وزيت الديزل (يستخدم في محركات الديزل للسيارات والشاحنات التي تستخدم الطرق العامة) وزيوت التشحيم. ثالثا- المنتجات الثقيلة والصلبة مثل، زيت الوقود (يستخدم في أفران أو مراجل توليد الحرارة ويستخدم في محرك توليد الكهرباء) والاسفلت والشمع.
البترول الصخرى، ينتج من مادة الكيروجين، وهى مخلوط من مواد عضوية ومركبات كيميائية، وتوجد في الطبيعة مع الطفل الجيرى وطفل البترول. وتتكون مادة الكيروجين من كربون بنسبة تتراوح بين 77 و 83%، وهيدروجين 5 و 10 %، وأكسجين بنسبة تتراوح بين 10 و 15 % ونيتروجين لكن بنسبة ضئيلة جدا. عند تقطير مادة الكيروجين تعطى مواد متنوعة مثل البترول والغاز الطبيعي وبعض المركبات الحامضية و القاعدية.
مشتقات البترول السائلة، معظمها خطرة على صحة الإنسان إذا زادت عن تركيز الحد المسموح، ومنها “النافتا” (وهى البنزين الخام، وهى أخف المنتجات البترولية، وتستخدم فى إنتاج بنزين السيارات وفى الصناعات البتروكيماوية لإنتاج الإثيلين والبروبيلين)، و”كيومين” و”سيكوهكسان” و”سيكوهيكسين” و”ثنائى كلورو البنزين” و”الزايلين” و”التولوين” و”نترات البنزين” و”الهكسان”.
مشتقات البترول الغازية، وتنقسم إلى ثلاث أنواع. أولا: الغازات الخانقة، مثل الهيدروجين والميثان وثانى أكسيد الكربون. ثانيا: الغازات الملهبة، مثل الكلور والفلور. ثالثا: الغازات السامة، مثل غاز أول أكسيد الكربون وغاز كبريتيد الهيدروجين.
المعادن الثقيلة، هناك معادن ثقيلة ومواد أخرى تنتج خلال صناعة البترول تتسبب فى إصابة العاملين بالأمراض أو بالتسمم، وذلك نتيجة تعرضهم للأتربة أو الأدخنة أو الأبخرة المتطايرة فى محيط عملهم، مثل الرصاص والزئبق والنيكل والكبريت والفسفور ورابع كلوريد الكربون.
يستخدم البترول كمادة أولية فى صناعة البتروكيماويات، والتى يتم فيها إنتاج مواد كيماوية تتكون من الكربون والهيدروجين والكبريت والأكسجين والنيتروجين والكلور. من أهم مواد البتروكيماويات الأساسية هى الإثيلين والبروبيلين والمركبات العطرية بما في ذلك البنزين والتولوين والزيلين (ثنائى ميثيل البنزين). تطورت صناعة البتروكيماويات حتى أصبحت منتجاتها الجديدة يمكن استخدامها بدلا من مواد كثيرة مثل الحديد والخشب والزجاج والقطن والحرير والصوف والورق.
منظمة الدول المصدرة للبترول “أوبك”، هي منظمة عالمية تضم 15 دولة من الدول المصدرة للبترول فى العالم. وفقاً لنظام المنظمة الأساسي ، فإن مهمة منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) هي تنسيق وتوحيد السياسات البترولية للدول الأعضاء وضمان استقرار أسواق البترول لضمان أمن إمدادات فعالة واقتصادية ومنتظمة للبترول للمستهلكين ودخل ثابت للمنتجين وعائد عادل على رأس المال للذين يستثمرون في صناعة البترول.
احتياطى البترول العالمى (عام 2017): زاد إجمالى احتياطي البترول الخام بمقدار 6 مليار برميل، حيث بلغ إجمالي تقديرات احتياطيات البترول الخام 1.696 تريليون برميل، والتي ستكون كافية لتلبية احتياجات العالم لمدة 50.2 سنة لو استمر الإنتاج العالمي على نفس مستويات عام 2017. لكن احتياطيات البترول الخام لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ انخفضت بنسبة 1٪ تقريبا إلى 45.62 مليار برميل، وذلك بسبب الانخفاض الذى حدث في إ ندونيسيا وتايلاند والهند وباكستان.
بلغت حصة مشاركة “أوبك” عام 2017 في الاحتياطي العالمى للبترول 71.8 ٪. وبلغ إجمالي احتياطيات البترول الخام التي يملكها الأعضاء الحاليون 1217 مليار برميل، بزيادة 7.8 مليار برميل مقارنة بعام 2016. وبلغ متوسط إنتاج “أوبك” من البترول الخام عام 2017 نحو 32.41 مليون برميل يوميا.
احتياطي البترول في بعض الدول مقدرا بالمليار برميل (عام 2017): فنزويلا 303.2، السعودية 266.2، كندا 168.9، إيران 157.2، العراق 148.8، روسيا 106.2، الكويت 101.5، الإمارات 97.8، الولايات المتحدة 50، الصين 25.7، مصر 3.3.
إنتاج البترول في بعض الدول مقدرا بالمليون برميل يومياً (عام 2017): الولايات المتحدة 13.057، السعودية 11.951، روسيا 11.257، إيران 4.982، كندا 4.831، العراق 4.52، الإمارات 3.935، الصين 3.846، الكويت 3.025، البرازيل 2.734، المكسيك 2.224، فنزويلا 2.110، نيجيريا 1.988، النرويج 1.969، مصر 0.660.
استهلاك البترول فى بعض الدول بالمليون برميل يومياً (عام 2017): الولايات المتحدة 19.880، الصين 12.799، الهند 4.690، اليابان 3.988، السعودية 3.918، روسيا 3.224، البرازيل 3.017، كوريا الجنوبية 2.796، ألمانيا 2.447، كندا 2.428، المكسيك 1.910، إيران 1.816، إندونيسيا 1.652، فرنسا 1.615، المملكة المتحدة 1.598، مصر 0.816.
لا تزال مصادر الطاقة الأحفورية هي المصدر الأول والمسيطر على إنتاج الطاقة في العالم، ولا يزال البترول هو المصدر الأول للطاقة يليه الفحم ثم الغاز الطبيعى. وهناك بعض الدول مثل الولايات المتحدة والسعودية وروسيا تعتبر على قمة الدول العشر المهيمنة على إنتاج البترول في العالم. ومن المتوقع أن تظل قيادة هذه الدول في إنتاج البترول قوية في المستقبل القريب.
لقد نجح البترول في السيطرة على حياة البشرية، وأصبحت البشرية تعتمد على البترول ومشتقاته، لكن في مقابل مخاطر كثيرة تهدد صحة الإنسان ومصادر حياته من ماء وهواء وتربة وبيئة.
أشكركم، وإلى أن نلتقى فى مقالة أخرى لكم منى أجمل وأرق التحيات.