كتب – أحمد نور الدين:
البحث العلمي بحر عميق الأغوار، واسع المدى طولا وعرضا وعمقا، مليء بالأشواك، وزاخر بالجواهر الثمينة… والبحث العلمي -حتى يوتي ثماره- يحتاح إلى ربان ماهر، وغواص حازق بفنون هذا الفن الرفيع، ومهارته، ومتطلباته، وأخلاقياته، وفي العصر الحديث تطورت آليات البحث ومناهجه، وأيضا انتشرت العشوائية الفكرية المتأتية عبر سهولة النشر والبحث على محركات البحث الإلكترونية، والتي تجلب نتائج كثيرة، كثرة منها معارف مضللة أو غير دقيقة، تتطلب للتعامل معها باحثًا من طراز خاص، يفقه أصول البحث ومهارته ومتطلباته، ويمتلك مهاراته، ويمهر في عمليات الفرز والغربلة والانتقاء من السيل العارم من المعلومات الهشة التي نشرها هواة بسهولة على الشبكة المعلوماتية الدولية
وتبقي المنهجية والموضوعية والحيادية والنزاهة البحثية والصرامة العلمية، وامتلاك مهارات البحث العلمي، ومهارات اللغة العربية، والقدرات الخلاقة على استنبات المعرفة الدقيقة، والقدرات الفائقة على الفرز والغربلة والتجنيب، للوصول إلى النتائج الموضوعية للبحث، تبقى محددات أساسية في طريق البحث العلمي القادر على النهوض بالمجتمع، وتحقيق الرفاهية وجودة الحياة للجميع.
وكتاب (المختار في أصول البحث العلمي)، لفضيلة أ.د/ مختار محمود عطا الله الأستاذ بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، هو عصارة فكر وخبرة وتجارب أستاذ قدير حوالي ثلاثين عاما من الممارسة والاطلاع والإشراف والتحكيم، وقد ضمنت هذا الخبرات الواعية بأسلوب رشيق وماتع؛ لتكون مرجعا مهما جدا ومفيدا للباحثين في مجالات: الدراسات الإسلامية، والعلوم العربية، والدراسات الإنسانية، والاجتماعية، وما يتفرد به هذا الكتاب عن غيره من كتب منهجيات البحث العلمي، أنه يشرح للباحثين والدارسين بشكل علمي وعملي ميسر ودقيق أصول البحث العلمي، وضوابطه، وخطواته، وأدواته، وأشكاله المختلفة، ليصل بهم في النهاية إلى مرمي الهدف؛ بحيث يصبح كل واحد منهم هدَّافا ليس في شِباك الكرة؛ بل في شِباك العلم والمعرفة والبحث العلمي المزهر، المثمر، المنتج، النافع للإنسان والأوطان.
والمدقق في هذا الكتاب يرى وضوحًا لمصطلحات ومفاهيم البحث العلمي، على نحو دقيق، بحيث يرفع اللبس عن هذه المفاهيم، ويزال الخلط الذي يقع فيه كثير من الباحثين حولها، وقد فرَّق الكتاب تفرقة حاسمة بين ما هو من أركان البحث أو الرسالة، وما هو من مكمِّلاتها. كما حصر الكتاب عناصر بعض موضوعات أصول البحث العلمي حصرا دقيقا، من شأنه أن يسهل العلم بها والتدرُّب عليها، ويمنع من وقوع الخطأ فيها واللبس الحاصل في بعضها، ومن ذلك:
• حصر أركان البحث في ستة أركان.
• حصر مكملات البحث في سبعة مكملات.
• حصر مناهج البحث في تسعة مناهج.
• حصر مهارات الكتابة العلمية في ست مهارات.
• حصر صور عناوين الأبحاث والرسائل الممكنة في عشرين صورة.
• حصر خطوات إعداد البحث أو الرسالة في اثنتي عشرة خطوة.
• يدرب الكتاب على التزام الصرامة الأكاديمية بما لا يسمح بتجاوزها في صغير أو كبير.
أكد الكتاب على أن خلو البحث أو الرسالة من أحد المكونات الرئيسية التي سماها المؤلف بـ (أركان البحث) ينال من كونه بحثا، ويهدم البناء المنهجي له
والجميل أن الكتاب قدَّم موضوعاته من خلال الممارسة العملية، وليس بالكلام النظري الذي يذكر مجردا، ويصعب تطبيقه. كما اعتمد الكتاب آلية التطبيق على كل مهارة على حدة، بحيث يتم شرحها وبيان مفهومها ووظيفتها في البحث. كما ضرب الأمثلة من دراسات فعلية في بحوث ورسائل أُنجزت. وشدد الكاتب في مؤلفه الماتع على إيضاح مظاهر الخروج عن الصواب في كل مهارة؛ بهدف لفت انتباه الباحث إليها وتحذيره من الوقوع في مثلها.
كما كشف الكتاب عن تسعة مناهج علمية للمعالجة العلمية، بعضها مهجور، لا يوظف في البحوث أو الرسائل، وبعضها يوظف بطريقة خاطئة، وبعضها يطبق فعلا بطريقة صحيحة، غير أنه لا يُعرَض غالبا بطريقة دقيقة
وقد خصص المؤلف الجزء الثالث من الكتاب للخطوات الواجب اتباعها في إعداد البحث أو الرسالة، والتي بلغت اثنتي عشرة خطوة إلزامية، مع تتبع الباحث فيها خطوة بخطوة حتى ينتهي من بحثه أو رسالته وتسليمها، وفي الوقت نفسه صمم نموذجًا غير مسبوق لمشروع الرسالة الذي يقدمه الطالب للقسم العلمي لتسجيل رسالته.
وهذا الكتاب الجديد من الأهمية بمكان، فهو فريد في بابه، وجديد في تكامله وشموله واتساقه مع تطورات العصر، يشرح بجلاء المعنى الحقيقي للبحث العلمي وأهدافه ومراميه ومبانيه ومقاصده، واهتمامه البالغ بضرورة تمكين الباحثين من اللغة وشتى أدوات البحث وآلياته، ويساعد الباحثين على إنجاز رسائلهم العلمية بمنتهى الدقة والسرعة والإتقان.. فتحية تقدير للكاتب وللكتاب الذي يجب أن يكون في مكتبة أي باحث، ونرجو أن يتحول الكتاب إلى برامج ودورات تدريبية وفعاليات متنوعة لتدريب الباحثين والمهتمين على ما جاء فيه… وبالله تعالى التوفيق.
التعليقات مغلقة.