المحطة النووية الفرنسية من الجيل الثالث
بقلم – الدكتور على عبد النبى:
فرنسا إحدى الدول الصناعية الكبرى ، وتمتلك خبرة كبيرة فى مجال تصنيع وتنفيذ المحطات النووية ، وحاليا فرنسا تمتلك 58 مفاعل نووى لإنتاج الطاقة الكهربية، هذه المفاعلات تنتج 72.28% من إجمالى الطاقة الكهربائية المنتجة فى فرنسا. وشركة “فراماتوم” Framatome الفرنسية تتبع هيئة كهرباء فرنسا Électricité de France-EDF، وتعتبر من أكبر مصنعى المحطات النووية على مستوى العالم. وتأسست شركة “فراماتوم” فى عام 1958 من قبل العديد من الشركات الصناعية الفرنسية العملاقة ومجموعة “شنايدر” Schneider جنبا إلى جنب مع “إمباين” Empain البلجيكية و”ميرلين جيرين” Merlin Gérin وشركة “وستنجهاوس” الأمريكية.
تحالفت شركة “فراماتوم” الفرنسية مع شركة “وستنجهاوس” الأمريكية، من أجل الحصول على ترخيص تكنولوجيا مفاعل الماء الخفيف المضغوط PWR الأمريكى لبناءه فى فرنسا، وكانت نتيجة هذا التحالف هو قيام شركة “وستنجهاوس” بتصميم المفاعل الفرنسى Chooz –A، وتم بناءه بواسطة هيئة كهرباء فرنسا EDF وشركة “سينا” SENA البلجيكية، وكانت قدرة هذا المفاعل 300 ميجاوات (بدأ تشغيله فى 15 أبريل عام 1967، وتوقف عن العمل عام 1991).
فى يناير 1976، وافقت “وستنجهاوس” على بيع حصتها المتبقية والبالغة 15% لشركة “كريوسوت- لوار” Creusot-Loir ، كما باع البلجيكى “إدوارد جان إمباين” Édouard-Jean Empain فى فبراير 1976حصته البالغة 35% فى “كريوسوت- لوار” إلى “باريبا” Paribas ، وهى مجموعة مصرفية مرتبطة بالحكومة الفرنسية.
بعد أن أكتسبت شركة “فراماتوم” الخبرة الأمريكية قامت ببناء العديد من المفاعلات النووية الفرنسية. وبالإضافة إلى تصميم وبناء محطات الطاقة النووية، تقوم شركة “فراماتوم” بتقديم مجموعة متكاملة من خدمات الطاقة النووية، بما فى ذلك خدمات الصيانة والتفتيش وتصنيع المعدات التى تستخدم فى بناء وصيانة محطات الطاقة النووية ، بالإضافة إلى تصميم وتصنيع وتسويق وبيع حزم الوقود النووى الخاص بالمفاعلات النووية. كما أن فرنسا لديها مكتب استشارى عالمى يغطى جميع مراحل تنفيذ المحطة النووية بداية من دراسات المواقع وحتى التشغيل التجارى للمحطة النووية ، وفرنسا تقوم بتطوير وتحديث فلسفة ونظم أمان المحطات النووية وهى تعتبر المرجع الأوروبى الوحيد فى هذا المجال حاليا.
فى يناير 1982 تم إعادة تنظيم الشركة لتعزيز السيطرة العامة والخاصة الفرنسية على الشركة من خلال السماح لـ “كريوسوت-لوار” لزيادة حصتها فى الشركة. فى عام 2001، تم دمج الأعمال النووية لشركة “سيمنز” الألمانية فى شركة “فراماتوم”، وقد تعاونت “فراماتوم” و “سيمنز” رسميا منذ عام 1989 لتطوير المفاعل الأوروبى (EPR).
تم إنشاء شركة “آريفا” Areva فى 3 سبتمبر 2001 من بيزنس جروب أوروبى فى التكنولوجيا النووية ، وهدفه الإستفادة من الخبرات النووية الألمانية، والمتمثلة فى شركة “سيمنز” Siemens الالمانية. والجروب الأوروبى هو اندماج شركة “فراماتوم” الفرنسية وشركة “سيمنز” الألمانية وهم “آريفاNP “، مع شركة كوجيما Cogema وهى “آريفاNC “، ومع شركة “تكنيك-أتوم” Technicatome وهى “آريفا TA”. لكن فى عام 2009، باعت شركة “سيمنز” الألمانية الأسهم المتبقية لها فى شركة “آريفا NP”.
أفلست شركة “آريفا” وتشكلت شركة “فراماتوم” الجديدة فى 4 يناير 2018، وأصبحت تمتلكها هيئة كهرباء فرنسا EDF وشركة “ميتسوبيشى للصناعات الثقيلة” MHI وشركة “أسستم” Assystem (شركة “أسستم” هى شركة عالمية تعمل فى مجال الخدمات الهندسية والإستشارية ومقرها باريس).
المحطة النووية الأوروبية EPR هى من الجيل الثالث “+”، وطورت هذه المحطة بواسطة شركة “آريفا” Areva الفرنسية ، وحروفها اختصار لـEuropean Pressurized Reactor .
أول مفاعل من الجيل الثالث الذى يتم بناؤه حاليا فى العالم من موديل “+” EPR، هو المفاعل “اولكيل يتو” Olkiluoto 3 فى فنلندا، وهو ذات قدرة كهربية صافى 1600 ميجاوات، كما يوجد مفاعل يتم بناءه فى فرنسا، وهو Flamanville 3، ذات قدرة كهربية صافى 1630 ميجاوات، وهناك مفاعلين يتم بنائهم فى الصين، وهم Taishan 1&2، ذات قدرة كهربية صافى 1660 ميجاوات لكل مفاعل، وهناك اتفاق على التعاقد لبناء مفاعلين فى انجلترا، وهم Hinkley Point C ، قدرة المفاعل 1600 ميجاوات.
الملامح الرئيسية للمحطة EPR من الجيل الثالث “+”:
القدرة الكهربية الصافى للمحطة 1650 ميجاوات، والقدرة الحرارية 4500 ميجاوات حرارى، ارتفاع وعاء الضغط 13 متر، ارتفاع قلب المفاعل 4.2 متر، قلب المفاعل يحتوى على 241 حزمة وقود نووى، الطول الفعال لعمود الوقود 4.20 متر، حزمة الوقود 17×17، كمية الوقود فى المفاعل 128 طن، معدل إحتراق الوقود62 GWd/t، فترة إعادة تحميل الوقود 12 يوم.
إمكانية التحكم فى طول دورة الوقود ما بين 12 و 24 شهر.
عدد قضبان التحكم 89 (Rod Cluster Control Assembly RCCA)، الضغط داخل قلب المفاعل 155 بار، الدائرة الأبتدائية تتكون من أربعة دوائر تبريد.
تستخدم نظم إدارة الحوادث الشديدة Severe Accident Management، منها أنظمة سلبية لإعادة تجميع الهيدروجينPassive hydrogen recombiners .
ضغط البخار الخارج من مولد البخار 77.2 بار، عند درجة حرارة 290 درجة مئوية.
المحطة تحتوى على أربعة مسارات للأمان منفصلة، وهى من النوع الإيجابى Active.
مداخل أجهزة التحكم تتم من أعلى وعاء الضغط، ولا توجد فتحات أسفل وعاء الضغط.
وعاء الإحتوء يتكون من طبقتين، سمكهم الإجمالى 2.6 متر، إرتفاع وعاء الاحتواء 63 متر، وقطره 57 متر، يمكنه تحمل سقوط طائرة، وكذا يتحمل الضغط الداخلى المرتفع.
معامل الإتاحية availability للمحطة 92%.
المحطة تعمل على تتبع الحمل Load Follow فى المنطقة ما بين 60% الى 100% من قدرة المحطة، ويمكن ضبط معدل تغير القدرة المولدة بنسبة 5% فى الدقيقة عند ثبات درجة الحرارة، والذى بدوره يؤدى على الحفاظ على عمر المحطة ومكوناتها.
أنظمة الأجهزة والتحكم من النوع الرقمى Digital، وغرفة التحكم تعمل بالحاسبات الآلية بالكامل.
المحطة تعمل 30 ساعة بدون تدخل المشغل فى حالة الحوادث.
هناك خيارات متنوعة لأستخدام الوقود النووى، فالمحطة يمكنها أن تعمل باليورانيوم المخصب والذى تصل نسبة تخصيبه الى 5%، ويورانيوم معاد تصنيعه reprocessed uranium، أو وقود موكس MOX (mixed uranium and plutonium oxide fuel). ، وبنسب متفاوتة ووفقا لاحتياجات العملاء، وتصل إلى 100%.
وجود عاكس ثقيل للنيوترونات يحيط بقلب المفاعل يخفض استهلاك اليورانيوم.
المحطة تحتوى على لاقط لقلب المفاعل core catcher.
وتيرة تدمير قلب المفاعل Core damage frequency، 6.1 × 10−7.
فى حالة الزلازل، المحطة تتحمل عجلة تسارع أرضية أفقية مقدارها 0.25 g.
توجد مولدات ديزل تعمل فى حالة الطوارئ لمدة 72 ساعة. وتوجد بطاريات للطوارئ تعمل لمدة ساعتين.
المحطة بها خزانات داخلية لتخزين الوقود المحترق لمدة تتراوح ما بين 10 الى 20 عام.
كفاءة المحطة 36%. عمر المحطة 60 عام. فترة الإنشاءات 51 شهر.
مصر ليست دولة صناعية كبرى ، كما أن مصر لم يسبق لها بناء محطات نووية لتوليد الكهرباء ، ومشروع الضبعة النووى هو إرادة شعب لتوطين التكنولوجيا النووية فى المصانع المصرية لترتقى الصناعات المصرية وتصبح مصر دولة صناعية كبرى ، كما أنه يعتبر مصدرا هاما ورئيسيا فى تأمين الطاقة الكهربائية لتشغيل المصانع ورفع معدلات التنمية.
جميع الدول النووية بدأت كما بدأت مصر مشروع الضبعة ، فليس من العيب ألا نكون دولة صناعية كبرى ، ولكن العيب ألا نكون جاهزين لتحمل مسئولياتنا تجاه هذا المشروع العملاق والمعقد. فعلى متخذ القرار فى مصر، أن يأخذ فى الأعتبار الدروس المستفادة من تجارب تنفيذ مفاعلات EPR وهى :
تجربة فنلندا فى تنفيذ محطة “اولكيل يتو” Olkiluoto 3 النووية وهى من نوع EPR، حيث تم توقيع عقد تسليم مفتاح فى 18 ديسمبر 2003، بين شركة الطاقة النووية الفنلندية TVO وبين كونسورتيوم مكون من شركة فراماتوم الفرنسية وشركة سيمنز الألمانية على تنفيذ محطة EPR، وبدأ التنفيذ فى أغسطس 2005، وحدث تأخير فى المشروع، وحتى الآن لم ينتهى العمل فى تنفيذ المحطة.
تجربة تنفيذ مفاعل “فلامان فيل” Flamanville 3، حيث بدأ بناء محطة فلامان فيل- 3 (FA3) من نوع EPR فى فرنسا فى ديسمبر 2007. وكان من المقرر أن يبدأ تشغيلها عام 2012، لكن المشروع عانى الكثير من التأخير، ووفقا لتصريحات شركة أريفا فمن المتوقع أن يبدأ تشغيلها فى ديسمبر عام 2018 . أى أن هناك حوالى 6 سنوات تأخير فى تنفيذ المحطة، وقد صاحب التأخير أرتفاعا حادا فى تكلفة المفاعل، فقد ارتفعت التكلفة من 3.3 مليار يورو فى عام 2007 إلى 10.5 مليار يورو فى عام 2015 ، أى بزيادة مقدارها 7.2 مليار يورو.
تجربة الصين فى بناء محطتين “تاى شان” Taishan1&2 من نوع EPR. بدأ بناء محطة “تاى شان-“1 فى نوفمبر 2009 ، كما بدأ بناء محطة “تاى شان-“2 فى أبريل 2010، وتكاليف إنشاء المحطتين كان 7.5 مليار دولار. وكان من المقرر أن يستغرق تنفيذ المحطة الواحدة 46 شهر، أى أن مدة التنفيذ حوالى 4 سنوات لكل محطة.
فى 2014 صدر تقرير يوضح أن هناك تأخيرا فى التنفيذ ، نتيجة التأخير فى توريد المكونات الرئيسية وفى سوء إدارة المشروع، ومن المقرر تشغيل المحطة الأولى فى عام 2018، كما أنه من المقرر تشغيل المحطة الثانية فى عام 2019. أى أن فترة التنفيذ أكثر من 8 سنوات شاملة مدة التأخير ومقدارها أكثر من 4 سنوات، ونقلا عن مصادر غير رسمية فقد زادت التكاليف نتيجة هذا التأخير بمقدار 2.25 مليار دولار.
اشكركم لحسن متابعتكم، والى أن نلتقى، اترككم فى رعاية الله وأمنه.