مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

المحطات النووية وتحديات الطاقة النظيفة

بقلم – الدكتور على عبد النبى:                                                                      الطاقة النووية من الممكن أن تكون مفيدة للغاية أو خطيرة للغاية، ويعتمد ذلك على كيفية استخدامها. فنحن نستخدم الطاقة النووية فى مجالات كثيرة من أهمها، مجال الطب، والصناعة، والزراعة، وتوليد الكهرباء. أو على العكس نستخدمها فى الأسلحة النووية.

محطات الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء وخاصة الخلايا الكهروضوئية، ومحطات الطاقة النووية لتوليد الكهرباء يطلق عليهما عالميا أسم “طاقة المستقبل”، وذلك بوصفهما طاقة نظيفة وآمنة.

المجتمع الدولى يحاول مواجهة التحديات التى يطرحها تغير المناخ. ولتلبية طموح المجتمع الدولى فى التقليل من أنبعاثات الكربون، سوف يتطلب استخدام جميع المصادر منخفضة الكربون، والمحطات النووية تنتج طاقة خالية من الكربون على مدار الساعة وعلى مدار 24 ساعة، وطوال الأسبوع، فهى تعمل بنسبة 92% من عدد ساعات السنة. كما أنها تقلل من الاعتماد على محطات الوقود الأحفورى، والذى يخرج منها الغازات الكربونية وباقى الغازات الدفيئة. بالإضافة إلى أنها توفر موثوقية عالية للشبكة الكهربائية. وبذلك هى تمكننا من الاستمرار فى الحصول على كهرباء آمنة ونظيفة وذات موثوقية عالية وبأسعار معقولة.

عندما نستعرض تأثير محطات الوقود الأحفورى على البيئة المحيطة بها والمناخ عامة، يتضح لنا مدى أهمية محطات الطاقة النووية كمصدر من مصادر الطاقة النظيفة والآمنة. فمحطات الوقود الأحفورى لتوليد الكهرباء تعتبر أحدى مصادر انبعاث الغازات الدفيئة  Green House Gases- GHG ، والتى تتسبب فى ظاهرة الاحتباس الحرارى، فينتج عنها ارتفاع فى درجة حرارة الأرض، محدثة تغييرات مناخية شديدة، منها التغيرات فى متوسط درجات الحرارة وهطول الأمطار الحمضية، وكذلك الأحوال المناخية الشديدة مثل موجات الحرارة الشديدة، وزيادة فى تركيز ثانى أكسيد الكربون فى الغلاف الجوى، والتغير فى تركيز طبقة الأوزون.

فاستخدام المحطات النووية لتوليد الكهرباء حالياً، يساعد فى تجنب انبعاث أكثر من 2 مليار طن من ثانى أكسيد الكربون سنويا، والذى يكافئ تشغيل 400 مليون سيارة. حاليا 70% من الكهرباء على مستوى العالم يتم توليدها من المصادر الأحفورية، ونظراً لما تسببه الغازات الدفيئة من أضرار والتى من أهمها التغيرات المناخية، وكذا للحفاظ على عدم زيادة متوسط درجة حرارة الأرض عن 2 درجة مئوية. فبحلول عام 2050 لابد من أن 80% من الكهرباء تولد من مصادر لا ينبعث منها كربون، وبذلك سيكون المتاح من مصادر التوليد هى المائى والشمسى والرياح والنووى والتى لا ينبعث منها الغازات الدفيئة.

إذا ما تم مقارنة ناتج الغازات الدفيئة لكل كيلووات ساعة من محطات كهرباء تعمل بالفحم وأخرى تعمل بالغاز الطبيعى والثالثة تعمل بالطاقة النووية نجد الآتى: بالنسبة لغاز ثانى أكسيد الكربون CO2، فمحطة الفحم تنتج 1100 جرام، ومحطة الغاز تنتج 500 جرام، والمحطة النووية تنتج 60 جرام. وبالنسبة لغاز ثانى أكسيد الكبريتSO2 ، فمحطة الفحم تنتج 32 جرام، ومحطة الغاز تنتج 15 جرام، والمحطة النووية تنتج 0.05 جرام. وبالنسبة لغاز ثانى أكسيد النيتروجين NO2، فمحطة الفحم تنتج 5 جرام، ومحطة الغاز تنتج 1.5 جرام، والمحطة النووية تنتج 0.1 جرام.

أثناء تشغيل المحطات النووية لتوليد الكهرباء لا يصدر منها مواد مشعة ولا إشعاع مؤين. ووعاء الاحتواء والذى بداخله الجزء النووى من المحطة، مصمم لاحتواء المواد المشعة والإشعاع المؤين  أثناء حدوث حوادث شديدة، والتى تشكل خطراً على صحة الإنسان وتسبب ضرراً للبيئة. بالإضافة إلى أنه أثناء تشغيل المحطات النووية أو أثناء الحوادث لا يصدر منها أهم مصادر التلوث الضارة بالبيئة وبصحة الإنسان، مثل أول أكسيد الكربون، وثانى أكسيد الكربون، وأكسيد النيتروجين، والأوزون الأرضى، وثانى أكسيد الكبريت، والهيدروكربونات، والرصاص.

أما بالنسبة لتأثير الإشعاع الصادر من تشغيل المحطة النووية، فهو ضئيل جداً جداً وقيمة الجرعة الإشعاعية السنوية التى يتعرض لها الإنسان هى 0.0002 مللى سيفرت، فى المقابل فنجد أن الإنسان من خلال حياتة اليومية يتعرض لجرعة إشعاعية سنوية من الأكل والشرب مقدارها 0.3 مللى سيفرت، وأيضا يتعرض لجرعة إشعاعية سنوية من الأشعة الكونية مقدارها 0.4 مللى سيفرت، ويتعرض لجرعة إشعاعية سنوية نتيجة غاز الرادون مقدارها 1.2 مللى سيفرت.

من هذه النسب فإننا نجد أن الجرعة الإشعاعية للمحطة النووية تساوى 0.006% من قيمة الجرعة التى يتعرض لها من خلال من الطعام والشراب فقط. مما سبق يتضح أن محطة الضبعة النووية هى صديقة للبيئة المحيطة بها، فهى لا تسبب أضراراً نتيجة الغازات الدفيئة، ولا تسبب أضراراً نتيجة الإشعاع.

 

قد يهمك ايضاً:

الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا عبر تركيا دروب الموت والابتزاز

الإتجاهات الحديثة فى مجال تنمية الموارد البشرية 

توقعات الطلب على الطاقة العالمية، لم تضع فى الحسبان، ما تعرض له العالم من تفشى فيروس كورونا، والذى أدى إلى إنخفاض الطلب على الطاقة، وخصوصاً البترول، والذى انخفض الطلب على شرائه بمقدار 30 مليون برميل يوميا، والذى بدوره أدى إلى زيادة العرض.

ومع انخفاض الطلب، انخفضت أسعار البترول الصخرى الأمريكى للمرة الأولى فى التاريخ. ففى يوم الإثنين 20 أبريل 2020 انخفض السعر إلى أدنى مستوى، وهو بالسالب 37.63 دولاراً.

بعيدا عن حدوث قوة قاهرة، مثل تفشى فيروس كورونا، نجد إن النمو الاقتصادى وارتفاع عدد سكان العالم يعنى أن مصادر الطاقة المتجددة لا يمكنها سد حاجة الطلب العالمى على الطاقة. ومن المتوقع أن يستمر إنتاج البترول والاعتماد عليه خلال العشر سنوات القادمة. ومن المتوقع يقل الطلب على البترول ابتداء من عام 2030، بفضل زيادة كفاءة الوقود، والانتقال إلى وسائل النقل والانتقال التى تعمل بالكهرباء.

أما عن مستقبل الطاقة من ناحية أمن الطاقة، فنقول: لا يمكن الاعتماد كليا على البترول أو الغاز أو الفحم، ومع محدودية الطاقة المتجددة، والمشاكل المصاحبة لها من ارتفاع أسعار تخزين الكهرباء المنتجة، من وحدات الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، فسيكون هناك اعتماد رئيسى على الطاقة النووية. فالمحطات النووية تستطيع أن تفى باحتياجات أمن الطاقة الكهربائية النظيفة.

وخطة “خليط الطاقة” هى الخطة الاستراتيجية للدول فى توليد الطاقة الكهربائية، وسوف تعتمد الدول على كافة مصادر الطاقة النظيفة المتاحة فى السوق العالمى. والبديل الوحيد لمحطات الوقود الأحفورى والمتمثلة فى الفحم والبترول والغاز الطبيعى لتوليد الكهرباء هى محطات الطاقة النووية، لأن الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح هى طاقة متقطعة، فمحطة الطاقة الشمسية تعمل فقط فترة تواجد الشمس. وبناء على ذلك فالطاقة النووية كمصدر لإنتاج الكهرباء تستطيع تغذية الحمل الأساسى للشبكة، وهذا لا ينطبق على الطاقة المتجددة (شمس ورياح) فهى تعتبر طاقة مكملة وليست بديلة، لأنها طاقة متقطعة، فالطاقة الشمسية وطاقة الرياح لا تصلحان لتغذية الحمل الأساسى للشبكة.

نحن بحاجة إلى الابتكارات المستمرة عبر مجموعة من التكنولوجيات، بما فى ذلك مصادر الطاقة المتجددة “طاقة شمسية وطاقة رياح”، ورفع كفاءة الطاقة، ووسائل تخزين الطاقة ومنها البطاريات. الطاقة النووية والهيدروجين والطاقة الشمسية وخاصة الخلايا الكهروضوئية، من أهم مصادر توليد الكهرباء فى المستقبل، والذى بدوره يؤدى إلى الانتقال للطاقة النظيفة فى العديد من البلدان.

الخطط الآن موضوعة لكى تشارك المحطات النووية بنسبة 25% من توليد الكهرباء على المستوى العالمى، وذلك بحلول عام 2050. هذه النسبة تعنى أن الطاقة النووية ستوفير ربع الكهرباء فى العالم، وهذا من شأنه أن يقلل بشكل كبير من انبعاثات ثانى أكسيد الكربون، وله تأثير إيجابى للغاية على جودة الهواء، وصحة الإنسان ونظافة البيئة من الملوثات الغازية الضارة.

بالنسبة للطاقة النووية، هناك جهود على المستوى العالمى، لإنتاج مفاعلات الإندماج النووى، ومفاعلات إنشطار نووى صغيرة بدرجة كبيرة، يمكن نقلها بالشاحنات، إلى الأماكن المحتاجة الطاقة، ومنها المواقع التجارية أو السكنية النائية، وهى تعمل ما بين 10 سنوات إلى 20 سنة بدون احتياج لتحميل وقود جديد.

رأيى الشخصى كمتخصص، هو أن الطاقة النووية وخاصة طاقة الاندماج النووى، إذا كللت تجاربها بالنجاح، فستكون طاقة المستقبل، وهى المصدر الذى ستعتمد عليه التنمية المستدامة.

أشكركم وإلى أن نلتقى فى مقالة أخرى، لكم منى أجمل وأرق التحيات.

اترك رد