المال العام.. قصة للأطفال
بقلم – أحمد عيسى:
قصة للأطفال
“كمال” تلميذ غريب الأطوار، يُحب الانطواء، ويفر من الصحبة، وينفر من الصداقة.
لاحظ المعلم “حَسَن” سلوكيات “كمال” الغريبة منذ أول يوم دراسي بالعام الجديد، كما استرعى نظره ملامح “كمال” العدوانية، وجنوحه إلى العنف والحركة الزائدة.
لم يُرد المعلم أن يَعْجَل على “كمال” في تغيير سلوك، أو إقلاع عن مثالب وسلبيات وعيوب، قبل أن يدرس شخصيته من كثب، ويتعرف عليه بقرب وحُبّ.
أسرَّ المعلم في نفسه ما أصاب الفصل من صُور تخريبية كتحطيم مصباح، وخلع مزلاج، وتمزيق مسَّاحة السَّبورة.
ثم فكَّر المعلم كثيراً كيف يصل بـ”كمال” إلى السواء النفسي، بعد أن رمق إصابة في إحدى يدي “كمال” ربط بينها وبين نافذة زجاجية قد تعرَّضت لكسر وتهشيم.
تتبع المعلم أخبار “كمال”، وناقش بيئته وظروفه الاجتماعية مع الأخصائي النفسي للمدرسة، حيث أخبره الأخصائي بأن “كمال” يعيش بعيداً عن والديه المنفصلين، وأنه يفتقر إلى حب وحنان الأبوين.
كان “كمال” في حاجة ماسة لمن يهتم به ويُشاركه الأعمال والمهام الفكرية والحركية؛ لذا قرر المعلم أن يبدأ مع “كمال” رحلة العلاج والتربية بإزاء رحلة العلم والتعليم، بعد التنسيق مع مشرف الإرشاد النفسي
وفي الفصل..
المعلم: أبنائي وبناتي، تُرى كيف كُسرت هذه النافذة الزجاجية وكانت أمس تبدو سليمة؟
سامح: حقّاً قد كانت سليمة حتى آخر حصة لنا.. لعلها كُسرت بضربة كرة.
فريدة: لا يا سامح، نحن في الطابق الثالث وبعيد أن تصل كرة الملعب بقوة إلى هذه النافذة.
كمال: لعلها الريح، فهي تشتد مساءً حين نغادر، أو ربما كسرت بسبب قذيفة من صائد عصافير.
المعلم: نحن في أوائل العام الدراسي حيث نسيم الصيف الرائق، ولمَّا ندخل بعدُ فصل الشتاء بما يكتنفه من رياح شديدة، والعصافير تكثر فوق الأشجار خارج سور المدرسة.
أبنائي وبناتي، ما رأيكم أن يكون درسنا اليوم عن المال العام؟
سامح: ما معنى المال العام؟
فريدة: ألا من مثال يا أستاذنا للتوضيح؟
كمال (خَجِلاً مُضطرباً): قد يكون المال العامّ هو ما تُحصِّله الدولة من ضرائب ونحوها.
المعلم: المال العام معنى كبير يتسع لما تجنيه الدولة من ضرائب، وما تُحصِّله من رسوم؛ لتبني به المؤسسات الخدمية العسكرية والمدنية، كالمشافي، والمصحات، والمدارس، والجامعات، والطرق، وغيرها.
وتدعم به الدولة المشروعات المهمة كوسائل المواصلات المختلفة، فضلاً عن بناء عَمَد وأُسُس الدولة في المجالات العسكرية، والأمنية، والتعليمية، والإعلامية، والثقافية.
سامح: إذن فالمال العام ملك لنا جميعاً.
فريدة: نعم، فكلنا يُفيد من المشافي، والمدارس، والجامعات، وغيرها من المؤسسات.
كمال: إذن لكل منا نصيبه وحريته المُطلقة في هذا المال العام.. ما دام ملكاً لنا جميعاً.
المعلم: حقّاً إن المال العام ملك لنا جميعاً، نستفيد من خدماته، وننتفع من خيراته، ولكن بطرق مشروعة واضحة لا يشوبها سرقة، ولا انتهاب، ولا اختلاس، ولا إتلاف، ولا إفساد.
المال العام نحن مصدرُه ومصبُّه، تأخذه الدولة من الأفراد ضرائبَ ورسوماً وتضيف إليه من مصادر أخرى لتقدم به خدمات، وتنشئ به مؤسسات، ووسائل مواصلات كيما ينتفع بها الجميع.
وليس لآحاد الناس أن يأخذ نصيبه في المال العام، أو يضرَّ به، أو يُتلفه حتى وإن لم يستفد هو منه بصورة مباشرة.
سامح: لقد قلتَ أستاذنا: إن لنا حقّاً في المال العام.
فريدة: نعم فهمنا من حديثك يا معلمنا أن هناك حقاً شائعاً في المال العام هو في متناول الجميع.
كمال: نعم، المال العام حق لنا جميعاً أفراداً وجماعاتٍ، لنا حرية الإفادة والتمتع به والتصرف فيه وفق ما يحلو للمرء.
المعلم: أبنائي وبناتي، تُرى لو صَعِدْنا مركبة ما أو قطاراً، أو زُرنا حديقة ما أو مُتحفاً، وأعْجَبَنَا فيها مصباح، أو مروحة، أو كرسي، أو قطعة أثرية.. هل لأحد منا الحق في أخذ شيء من ذلك كله؟
وماذا سيبقى في هذه الأماكن إن أخذ كل واحد ما يروق له ويعجبه؟!
لا بُدَّ هنا من توضيح.. المال العام في صوره كلها مبذول ممنوح من الدولة لمن كان في حاجة إليه في صورة خدمات مؤداة.
وليس في شكل نصيب من ميراث، أو حق يأخذه أو ينتزعه وينتهبه كل شخص بطريقته الخاصة على حدة، وليس لأحدٍ أيضاً أن يُفسده أو يعبث به، إنها ثروات شعبٍ ومقدرات دولة!
ومن ثم؛ فإن تكسير النوافذ، وإفساد المكاتب، وتحطيم المصابيح من الفساد في الأرض، وهو من صور إتلاف المال العام.
والآن.. ألا تقترحون حلاً لمعرفة الجاني.. وكيفية إصلاح ما وقع من وجوه تحطيمٍ وفساد؟
سامح: عندي مسَّاحة سَبورة زائدة في بيتنا سآتي بها غداً إن شاء الله.
فريدة: وأنا لديَّ كثير من البراغي (المسامير) المتنوعة سأدفع بها إلى ورشة المدرسة ليصلح بها معلمو الورشة وعمالها المكاتب المُخَلَّعَة ونحوها.
المعلم (ناظراً إلى كمال): وأنت يا صديقنا كمال.. نحب أن نتعرف على دورك في عملية الإصلاح؟
كمال (وقد اغرورقت عيناه بالدموع): عندي حصالة ممتلئة عن آخرها سأجلبها غداً إن شاء الله، لنشتري الزجاج والمصابيح الجديدة، وكل ما يلزم.
المعلم (مُحتضناً كمال الذي أجهش بالبكاء): حبيبي، لا تَبْكِ، ولا بأسَ على يدك، بيديك هاتين سُتزيِّن مع زملائك الفصل، وتشاركهم جميع أنشطتهم العلمية والفنية والحركية.
التلاميذ (في صوتٍ واحد): لكنا لم نصل بعدُ إلى الجاني يا أستاذنا!
المعلم: أعدكم أنه بدءاً من اليوم – إن شاء الله – لن تجدوا آثارَ تخريبٍ، أو حالات تكسيرٍ وفساد، ولتُقيَّد قضايا التخريب السابقة ضد مجهول!