كتب – حمدى شهاب
صدر عن وحدة الدراسات المستقبلية بمكتبة الإسكندرية العدد الثالث والأربعون من سلسلة “مراصد” بعنوان: “المؤسسات الدينية والحياة الاقتصادية في المجتمع المصري، دراسة سوسيولوجية”، تأليف الأستاذ الدكتور هاني خميس عبده؛ أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب، جامعة الإسكندرية.
تتناول الدراسة دور المؤسسات الدينية في المجال الاقتصادي داخل المجتمع المصري من خلال استعراض ملامح تلك المؤسسات الدينية المتمثلة في مؤسسة الأزهر، وزارة الأوقاف، دار الإفتاء، والكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ودورها في المجال الاقتصادي؛ مثل عمليات البيع والشراء (الصكوك الإسلامية، تداول الأسهم في البورصة، التلاعب في أسعار العملات النقدية الأجنبية، وارتفاع أسعار السلع)، وجمع التبرعات (صندوق تحيا مصر، الأزمات والكوارث الطبيعية)، والأنشطة الاقتصادية (المؤتمر الاقتصادي)، والمشروعات القومية (قناة السويس الجديدة).
ويوضح المؤلف في الإطار النظري للدراسة أن الخطاب الأكاديمي حول الدين يعد اليوم من أبرز التخصصات الأكاديمية البينية؛ حيث تشترك فيه تخصصات متعددة؛ مثل علم الاجتماع، والعلوم السياسية، والعلوم الدينية، وعلم اللاهوت، والفلسفة. وعلى الرغم من أن الإسهامات في هذا المجال قد تستند إلى خلفيات أكاديمية وتخصصات علمية مختلفة، فإن جميعها يشترك في أمر واحد، ألا وهو الإجماع على حضور الدين في المجال العام للمجتمعات الحديثة. ومن ثم يمكن توحيد جميع الإسهامات تحت مظلة واحدة أطلق عليها مداخل الدين العامApproaches Public Religion.
وهناك ثلاثة تيارات تجسد مداخل الدين العام؛ أولها التأكيد على الحضور الديني داخل المجال العام من خلال طرح تصورات عقلانية حول هذا الحضور، ومرورًا بالتصورات التي طرحت حول التأكيد على الحضور الديني داخل المجال العام دون تحديد لملامح هذا الحضور، وانتهاءً بالرؤى والتصورات التي تؤكد حضور الدين داخل المجال العام، ولكن بصورة نقدية استنادًا إلى زعم رئيسي مؤداه أن هذا الحضور سوف يشكل تهديدًا للأسس العلمانية للدولة المعاصرة.
وتبين الدراسة أن العلاقة بين النسق السياسي (الدولة كمؤسسة حديثة) والنسق الديني (المؤسسات الدينية، ورجال الدين) في العصر الحديث، هي علاقة لها طابع خاص، تقوم على مظاهر التكيف والتعايش المتبادل من ناحية، والرفض والصراع من ناحية أخرى. فالخطاب الديني يتعايش مع الحداثة عندما يحاول أن يقدم أدلة شرعية على السياسات الحديثة للدولة، وعندما يحاول أن يجد للصيغ الحديثة جذورًا في الفكر الديني، فكثيرًا ما يسعى الخطاب الديني جاهدًا إلى إضفاء الطابع الديني على العديد من مخرجات الحداثة وخاصة في المجالات السياسية والاقتصادية. كما يتأسس موقف الخطاب الديني إما على موقف دفاعي عندما يميل الخطاب الديني نحو خلق مقابلة بين ما هو ديني وما هو حداثي، وإما على موقف الرفض الذي ينكر على الحضارة العربية ملكيتها لهذه المخرجات الحداثية.
ويتطرق المؤلف إلى عدد من الوظائف التي يمكن أن يقوم بها الدين في المجال الاقتصادي؛ ومنها على سبيل المثال الندرة الاقتصادية؛ فعندما تكون بعض الأغراض نادرة أو عندما يصعب الحصول على عمل، يكون الدين مشاركًا أو متضمنًا في هذه المشكلات، ففي المجتمعات التي يتناقص فيها فائض الغذاء، يكون الدعم والإمداد الديني للجهود العلمية التي تبذل لضمان توفير الغذاء أكثر ارتباطًا بالثقافة. كما يلعب الدين دورًا في الأزمات والإحباطات الاقتصادية؛ فالدين يساعد الإنسان على مواجهة هذه الإحباطات والأزمات من خلال عدد من الجهود مثل تأسيس ودعم مشروعات الإحسان، والأعمال الخيرية، وجمع التبرعات، وغيرها.
ويتناول المبحث الثاني للدراسة المؤسسات الدينية والمجال الاقتصادي في المجتمع المصري. ويؤكد المؤلف أن العلاقة بين المؤسسات الدينية والمجال الاقتصادي داخل المجتمع المصري لها بعد تاريخي من خلال استخدام النظام السياسي للدين داخل النشاط الاقتصادي؛ فقد سعى نظام ثورة يوليو 1952م إلى حشد العاطفة الدينية الشعبية، ومحاولة إعادة انتاج شرعية دينية من خلال توجيه الخطب الدينية، وتوظيف الشخصيات الدينية للتأكيد على الاتساق بين الإسلام والسياسات الاشتراكية التي تتبناها الدولة في ذلك الحين.
وبالإضافة إلى استدعاء النظام السياسي للتنظيمات الدينية داخل المجال الاقتصادي، يبرز كذلك دور رجال الدين داخل هذا المجال الاقتصادي، فعلى سبيل المثال في أوائل القرن العشرين كان الشيخ محمد عبده يدعو إلى اقتصار المهام الاقتصادية للدولة على نطاق ضيق، وحث الأغنياء على العمل في الأنشطة الاقتصادية، ولقد كان موقفه نذيرًا بصعود مجموعة «طلعت حرب» إلى الأعمال المصرفية والصناعية.
وتعد وثيقة الأزهر حول مستقبل مصر من أبرز الأمثلة الحديثة (رجب 1432هـ – يونية 2011م)، حيث تضمنت التأكيد في المبدأ الثامن على أهمية «إعمال فقه الأولويات في تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية، والقضاء على البطالة، وبما يفجر طاقات المجتمع وإبداعاته في الجوانب الاقتصادية والبرامج الاجتماعية». وربما يشكل ذلك تأكيدًا للعلاقة بين المؤسسات الدينية الرسمية والمجال الاقتصادي داخل المجتمع المصري.
ويلقي المؤلف الضوء على نماذج مختارة ومحددة لدراسة ملامح العلاقة بين المؤسسات الدينية والمجال الاقتصادي؛ أولها عمليات البيع والشراء؛ كالصكوك الإسلامية، وتداول الأسهم في البورصة، وأيضًا التلاعب بأسعار العملات النقدية الأجنبية؛ حيث أصدر الأزهر الشريف بيانًا رسميًّا موضحًا فيه أن تلاعب بعض الأفراد بسعر الجنيه المصري مقابل الدولار يعد من أكل أموال الناس بالباطل، وارتفاع أسعار السلع والخدمات؛ حيث استنكر علماء الأزهر الشريف ارتفاع الأسعار للسلع والخدمات، وجشع التجار واحتكارهم للسلع.
أما المحور الثاني فيتمثل في جمع التبرعات؛ فقد شكل جمع التبرعات أحد العمليات الاقتصادية التي برز فيها دور المؤسسات الدينية الرسمية من خلال صندوق تحيا مصر، وإسهام تلك المؤسسات أثناء حدوث الأزمات والكوارث الطبيعية. ويركز المحور الثالث علىدعم المؤسسات الدينية للأنشطة الاقتصادية (مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري) والمشروعات القومية (قناة السويس الجديدة).
ويستنتج المؤلف إن العلاقة بين النسق الديني والمجال الاقتصادي لها بعد تاريخي من خلال استعانة النظام السياسي بالمؤسسات الدينية؛ من أجل دعم السياسات الاقتصادية والتنموية داخل المجتمع المصري. كما أبرزت الدراسة أن ثمة حضورًا دينيًّا داخل المجال الاقتصادي في المجتمع المصري. كما ظهر الحضور الرمزي للنسق الديني من خلال عضوية شيخ الأزهر، والبابا تواضروس في مجلس أمناء صندوق تحيا مصر.