أحمد الشرقاوى:
صرّح المؤرخ الشريف محمد بن علي الحسني قائلًا: “في حلقة برنامج “في الصورة”، التي استضاف فيها المذيع عبدالله المديفر الدكتور علي الصميلي، تم طرح عدد من المزاعم حول الإمارة الإدريسية، ومن بينها الادعاء بأنها استعانت بإيطاليا ماليًا، إضافة إلى القول بأن مواردها المالية كانت تعتمد على زيارات القبور. هذه الادعاءات تتطلب تحليلًا أكاديميًا يستند إلى الأدلة الوثائقية لتبيان مدى صحتها من عدمه”.
المؤرخ محمد بن علي الحسني يرد على مزاعم برنامج “في الصورة”
وأضاف الحسني: “تُظهر الوثيقة التي بين أيدينا، والتي تعود إلى عام 1340هـ، أن السيد الشريف محمد بن علي الإدريسي كان يعتمد على أنشطة اقتصادية قائمة على أنظمة تمويلية شرعية مثل “بيع الرجا”. هذا النوع من البيع هو معاملة مالية إسلامية تسمح للبائع باسترجاع الأصل ضمن فترة زمنية محددة، مما يثبت أن الإمارة الإدريسية كانت تستخدم أدوات مالية مستقلة ولم تكن بحاجة إلى دعم أجنبي”.
وتابع الحسني موضحًا: “إن بيع الأصول الإنتاجية أو العقارات بهذه الطريقة يدل على أن الإمارة كانت تتمتع بإدارة مالية متقدمة تستند إلى مواردها الخاصة. ولم يرد في أي جزء من الوثيقة أي إشارة إلى تلقي مساعدات مالية من إيطاليا، مما يدحض الادعاء القائل بأن الإمارة كانت تعتمد على التمويل الأجنبي”.
وحول الادعاء المتعلق بتمويل الإمارة الإدريسية عبر زيارات القبور، أكد الحسني قائلًا: “الوثيقة المقدمة لا تتضمن أي إشارة إلى وجود مصدر تمويل يعتمد على زيارات القبور. ومن المعروف تاريخيًا أن السيد محمد بن علي الإدريسي كان قائدًا إصلاحيًا ذا توجه ديني قوي، حيث قام بمحاربة بعض الممارسات المخالفة للشريعة الإسلامية، بما في ذلك البدع والخرافات. وعليه، فإن القول بأن الإمارة الإدريسية كانت تعتمد على هذا النوع من التمويل لا يستند إلى دليل تاريخي موثق، بل يتعارض مع نهجها الديني والسياسي المعروف”.
وأشار الحسني إلى أهمية الوثيقة كمصدر تاريخي، موضحًا أنها “تحمل دلالات مهمة في سياق التأريخ الاقتصادي والسياسي للإمارة الإدريسية، حيث تؤكد لقب “أمير المؤمنين والغوث”، وهو ما يعكس المكانة السياسية والدينية التي كان يتمتع بها السيد محمد بن علي الإدريسي، مما يجعله قائدًا معترفًا به دينيًا وسياسيًا. كما تثبت الوثيقة المعاملات الاقتصادية المستقلة، إذ إن بيع الأصول بهذه الطريقة يعكس وجود نظام اقتصادي داخلي قادر على توليد الموارد المالية دون الحاجة إلى دعم خارجي”.
واختتم الحسني تصريحه قائلًا: “إن غياب أي ذكر للدعم الأجنبي أو التمويل عبر زيارات القبور في هذه الوثيقة يوحي بأن مثل هذه الادعاءات لم تكن تستند إلى وثائق تاريخية، بل ربما إلى استنتاجات غير دقيقة. إن الوثيقة المعروضة تشكل دليلًا قويًا على استقلالية الإمارة الإدريسية ماليًا، وتعكس وجود نظام اقتصادي داخلي يعتمد على المعاملات المالية الإسلامية، وليس على التمويل الأجنبي أو مصادر غير مشروعة مثل استغلال زيارات القبور. وعليه، فإن أي حديث عن تلقي الإمارة لدعم إيطالي أو اعتمادها على مثل هذه المصادر المالية يجب أن يكون مؤيدًا بوثائق واضحة، وهو ما لم يتم تقديمه في الحلقة المشار إليها”.
وأكد الحسني في ختام تصريحه أن “البحث التاريخي الأكاديمي يجب أن يستند إلى مصادر موثوقة، لا إلى افتراضات غير موثقة، وهو ما تحاول هذه الوثيقة إثباته بشكل جلي”.