مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

المؤرخ الشريف محمد الحسني يوضح الإعثار في قصة أهل الكهف وبرهان البعث

أحمد الشرقاوى 

ومضات يوم الجمعة وتفسير قوله تعالى:

“وَكَذَٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا” (الكهف: 21).

أكد الشريف محمد بن علي الحسني أن الإعثار في هذه الآية يعني إظهارهم للناس وكشف أمرهم بعد أن كانوا مختفين في كهفهم طوال القرون الماضية. فقد شاء الله أن ينام أهل الكهف هذه المدة الطويلة، ثم يبعثهم في وقت كان الناس فيه مختلفين حول قضية البعث والحياة بعد الموت. فجاء كشف أمرهم ليكون دليلًا عمليًا محسوسًا على قدرة الله على الإحياء بعد الإماتة، موضحًا أن الغرض الأساسي من إعثار الناس عليهم كان إثبات أن وعد الله حقٌ في البعث، وأن الساعة (يوم القيامة) لا شك فيها.

وأوضح الحسني  أن هذا يتجلى في عدة أمور يمكن إجمالها في النقاط التالية:

أ. الرد على المنكرين للبعث

أوضح أن هناك جدلًا كبيرًا في ذلك العصر حول إمكانية البعث بعد الموت، حيث كانت مسألة البعث موضع شك وإنكار عند بعض الأمم السابقة، فجاءت قصة أهل الكهف كدليل عملي لا يمكن إنكاره. فقد نام هؤلاء الفتية قرونًا ثم بُعثوا دون أن يتغيروا أو تتحلل أجسادهم، مما أثبت أن الله قادر على أن يبعث الأموات يوم القيامة.

ب. إثبات أن قدرة الله مطلقة

أكد أن النوم الطويل الذي استغرق ثلاثمئة وتسع سنين دون أن تصيب أجسادهم تلف أو فساد كان في حد ذاته معجزة من معجزات الله، كما أن كشفهم للناس بعد هذه الفترة كان آية عظيمة تدل على أن الله إذا أراد شيئًا فإنما يقول له كن فيكون.

ج. إزالة الشكوك وبث اليقين في نفوس المؤمنين

أوضح الحسني أن أهل الكهف عندما استيقظوا لم يكونوا يعلمون كم لبثوا، فخرج أحدهم ليشتري طعامًا فاكتشف أن الزمن قد تغير، وأن الناس في المدينة باتوا مؤمنين بعد أن كانوا كفارًا، وعندما علم الناس بأمرهم ازداد يقينهم بأن الساعة حق، وأن ما وعدهم الله به من البعث والنشور آتٍ لا محالة.

محاكاة الواقع في قصة أهل الكهف

أكد الشريف محمد بن علي الحسني أن الناس كانوا يسمعون عن البعث يوم القيامة، ولكن الله شاء أن يجعل لهم مثالًا حيًا في الدنيا على إمكانية البعث من خلال قصة أهل الكهف، فبدلًا من أن يكون البعث مجرد فكرة غيبية يتلقونها بالإيمان، أصبح واقعًا ملموسًا أمامهم. وأضاف أن هذا النوع من البراهين أقوى تأثيرًا على العقول والقلوب لأنه يزيل الشك تمامًا، وفيه ترسيخ العقيدة بالتجربة الواقعية.

وأضاف أن قضية البعث تُعد من أهم القضايا التي تناولها القرآن وأكد عليها مرارًا، لأنها الأساس في الحساب والجزاء. حيث أن الكثير من الناس كانوا ينكرون البعث بحجة أن الأجساد بعد الموت تتحلل وتصبح ترابًا، فكيف تعود إلى الحياة؟ فجاءت هذه القصة لتثبت لهم أن الله، الذي أمات هؤلاء الفتية وأبقاهم على هيئتهم لقرون ثم أعادهم إلى الحياة، قادر على أن يحيي جميع البشر بعد موتهم. وهكذا كان ارتباط هذه الآية بالقضية الكبرى في القرآن وهي البعث بعد الممات.

وأكد الشريف المؤرخ محمد الحسني أن الإعثار على أهل الكهف كان آية عظيمة، غايتها الأساسية إثبات أن وعد الله حق، وأن البعث يوم القيامة أمر لا شك فيه، كما أنه كان بمثابة رد عملي على المشككين والمنكرين، وترسيخ للإيمان بالله وقدرته في قلوب المؤمنين. وأوضح أن هذا يظهر كيف أن القرآن يستخدم الأدلة الحسية والمعجزات الواقعية لدعم القضايا العقائدية الكبرى، وجعلها واضحة أمام الناس.

قد يهمك ايضاً:

الجامع الأزهر يعقد ملتقي “رمضانيات نسائية”…

وأوضح أن مشهد الإعثار على أهل الكهف يمكن اعتباره نموذجًا عمليًا للحياة بعد الموت، وهو أشبه بمحاكاة دنيوية لعملية البعث والنشور التي ستحدث يوم القيامة.

وذكر الشريف المؤرخ محمد الحسني أن الله سبحانه وتعالى لم يرد فقط أن يجعل قصة أهل الكهف مجرد حدث غريب، بل جعلها آيةً واضحةً وتجربةً حيةً تثبت للناس أن العودة إلى الحياة بعد فترة طويلة من الموت أو السبات أمر ممكن، وأن الله قادر على إحياء الموتى يوم القيامة بنفس الكيفية.

كما أكد أن مشهد الإعثار يجسد فكرة البعث من خلال عدة عناصر، أبرزها:

النوم الطويل كرمز للموت

أشار الحسني إلى أن النوم في كثير من المواضع في القرآن يُشبه الموت، كما في قوله تعالى: “اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا” (الزمر: 42)، موضحًا أن النوم الطويل لأهل الكهف يشبه حالة “الموت المؤقت”، حيث توقفت حياتهم عن التفاعل مع العالم الخارجي، ومع ذلك ظلت أجسادهم سليمة.

الاستيقاظ المفاجئ كرمز للبعث

أوضح المؤرخ الحسني، أن بعثهم بعد مرور 309 سنوات فجأة وكأنهم ناموا ليلة واحدة يشبه ما سيحدث في القيامة عندما يُبعث الناس من قبورهم فجأة، كما ورد في قوله تعالى: “وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ” (يس: 51).

دهشة أهل الكهف وعلامات التغير 

أكد المؤرخ أن دهشتهم بعد استيقاظهم وشعورهم بأنهم لبثوا يومًا أو بعض يوم يشبه دهشة الناس بعد البعث، كما ذكر القرآن عن الكفار حينما يُبعثون: “قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا” (يس: 52).

تغيير الزمن والمجتمع كرمز للآخرة

أوضح  الشريف الحسني أنه عندما خرج أحدهم لشراء الطعام، اكتشف أن العملة التي يحملها أصبحت قديمة، وأن المجتمع قد تغير، وهذا يعكس كيف أن الناس بعد البعث سيجدون أنفسهم في واقع مختلف تمامًا، كما في قوله تعالى: “وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا” (الكهف: 49).

إثبات القدرة الإلهية على حفظ الأجساد

أكد أنه رغم مرور أكثر من ثلاثة قرون، لم تتحلل أجسادهم ولم تصبهم عوامل الزمن، وهذا دليل على قدرة الله على حفظ الأجساد، وهو ما ينفي اعتراض المشككين الذين يتساءلون كيف يمكن للأجساد أن تعود بعد تحللها، كما في قوله تعالى: “قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ” (يس: 79).

وأوضح أن ما حدث لأهل الكهف ليس مجرد قصة، بل هو محاكاة دنيوية لفكرة البعث والحياة بعد الموت، مؤكدا أن تجربة أهل الكهف تكشف عن طبيعة الزمن من منظور إلهي، حيث يمكن للإنسان أن يكون غائبًا لفترة طويلة جدًا دون أن يشعر بذلك، ومع ذلك، يمكنه أن يعود ليستكمل حياته وكأن شيئًا لم يحدث. وأوضح أن هذا يشبه ما سيحدث يوم القيامة عندما يبعث الله الناس بعد آلاف السنين دون أن يشعروا بأي انقطاع حقيقي في وعيهم.

واختم الشريف المؤرخ محمد الحسني بالتأكيد على أن تجربة أهل الكهف تقدم برهانًا عمليًا على أن الزمن عند الله مختلف عن إدراك البشر، وأن مسألة البعث يوم القيامة ليست صعبة التصديق إذا كان هناك مثال عملي أمامنا في الدنيا مثلما حدث لأهل الكهف.