أحمد الشرقاوى:
شارك المؤرخ الشريف محمد بن على الحسني، رئيس الإتحاد العربى للملكية الفكرية، بمجلس الوحدة الاقتصادية العربية، ورئيس الرابطة العلمية العالمية للأنساب الهاشمية، فى ندوة وقراءة لكتاب “محمد علي باشا وولاية مصر” الذى ترجمه وعلق عليه الدكتور محمد عبد العاطي الذي استضافته دار إشراقة، بدعوه من الدكتور محمد عبد العال استاذ التاريخ الحديث بجامعة الوادي الجديد ولفيف من أساتذة التاريخ الحديث.
وخلال حضوره علق على المحاضرة وكتب هذا المقال المهم وهو ” اعادة اختراع تاريخ الجزيرة العربية على يد الباشا”.
حيث قال الحسني: أن محمد علي باشا، وصل وكيلا للفرقة التي جمعها حاكم قولة «الشربجي»و عددها ٣٠٠ من الجنود المتطوعين عرفت ب —الباش بُزُق — بقيادة ابنه «علي أغا»، ، فتوجهت بطريق البحر إلى الدردنيل، ومن ثَمَّةَ انضمت إلى عامة الجيش في جزيرة رودس.
ثم وصلت إلى ميناء أبوقير من الديار المصرية بأمر من السلطان العثماني، حيث التحم بالجيش الفرنسي، فكانت الدائرة على الترك، واضطرهم الفرنسيون إلى الالتجاء لسفنهم وسفن الإنجليز المرافقة لها بعد مذبحة شنيعة.
وأوضح الحسني أن محمد علي كان قد أشرف على الغرق لولا أن قيض الله له «السير سِدْني سِمث» فانتشله من الماء بيده وأنزله في سفينته.
وكانت هذه بداية قصة الباشا بين فرنسا وإنجلترا واضاف الحسني أن محمد على رجع بعد الهزيمة مرة ثانية سنة (١٢١٥ﻫ/١٨٠١م) مع جيش «القبطان حسين باشا» الذي جاء ليساعد القائد الإنجليزي «أبِرْكُرومبي» على إجلاء الفرنسيين، ومن هذا الوقت بقي في مصر حتى صار واليًا عليها.
وأوضح الحسني، أن محمد على قد نال إعجاب قائده والقوَّاد الإنجليز بما كان يأتيه من ضروب الشجاعة وشدة البأس عند هجومه على حصن الرحمانية، إذ دخله عنوة بعد أن اضطر القائد الفرنسي إلى إخلائه، وكان هذا سببًا في رقيه إلى رتبة قائد في الجيش.
وأضاف المؤرخ الشريف محمد الحسني بعد هذه الأحداث حظي محمد على باشا بثقة الإنجليز رغم حدوث معارك ظاهرها غزو مصر وباطنها ترسيخ زعامة الباشا وتقويته ومن ذلك حوادث غزو رشيد والإسكندرية و بعد انتصاره اكتمل التناغم مع الإنجليز في مجموعة أطوار وادوار من مصر إلى السودان إلى بلاد الشام والوصول الى أسوار إسطنبول!!
وأشار الحسني إلى أن بوصول محمد على الى أسوار إسطنبول بدعم فرنسي إنجليزي في مواجهة تركيا وروسيا استطاع الباشا أن يمهد الطريق باتفاقية كوتاهيا ولأول وهلة اقتطاع اجزاء من الإمبراطورية العثمانية في الظاهر لصالح الباشا وابنه إبراهيم والحصول على ملك مصر والشام ووراثة العرش في مصر في نسله وفي الباطن تسليم الشام لفرنسا ومصر والسودان للإنجليز وهكذا كانت اتفاقية كوتاهيا هي سايس بيكو الأصلية.
واوضح الحسني في الجزيرة العربية خلال المد المتواصل للحملات التي أرسلت من مصر مرة طوسون ابنه ومرة الباشا نفسه الذي تسلم من الشريف غالب مفاتيح الكعبة والحرمين الرمزية وتم خداع الشريف من قبل الباشا بواسطة البخاري احمد تركي الذي ترجم له قاضي الليث في “”الحديث ذو شجون “” الباشا اسند الأمر إلى طوسون بواسطة البخاري احمد تركي الذي تم زرعه مبكرا على الشريف غالب حتى اصبح من خواص رجاله وموضع سره فتم القبض على الشريف بخدعة من محمد علي كعادته في الغدر فهو متمرس في ذلك وارسله لإسطنبول وتم المنفى إلى سالونيك.
وكشف الحسني أن الباشا محمد كان مولع بالنموذج الفرنسي والإنجليزي وخلال حملته على الجزيرة العربية سمح أن يسبقه كتاب ومدونين ورسامين من الإنجليز ومن الفرنسيين أبرزهم ” جون لويس بوركهارت” وكانت كتاباته مثيرة للجدل، وعندما نُشرت للمرة الأولى في لندن عام 1829 أكدت ان الرجل كان يعمل في خدمة بريطانيا وكان الباشا يعلم ذلك جيدا ويعد كتابه ”رحلات الى شبه الجزيرة العربية” من المصادر المهمة لإعادة اختراع تاريخ العرب في مطلع القرن التاسع عشر·تنكر صاحبه باسم الحاج إبراهيم عندما تم كشف أمره ودارت حوله شكوك في الحجاز.
وذكر الحسني أن جون لويس بوركهارت قدم تفاصيل دقيقة عن أوضاع المدن الحجازية وفي مقدمتها ميناء جدة محطته الأولى بعد مقدمه من مصر، مضيفا ان سكان جدة مثلهم في ذلك مثل سكان مكة والمدينة هم في الأغلبية الساحقة من الغرباء وأكثرهم قدموا إليها من حضرموت واليمن ”وهم يحافظون على إبقاء تجارة ناشطة مع بلادهم الأصلية” بالأضافة إلى ما يزيد على مئة عائلة هندية ”خاصة من سورات وبومباي” وبعض الملاويين وكذلك سكان مسقط والذين استقروا في جدة وهناك من جاءوا من مصر وسوريا وشمال أفريقيا وتركيا الأوروبية وبلاد الأناضول· وكان هناك عدد من التجار المسيحيين اليونانيين يقيمون بجدة للتجارة وإذا توفي أحدهم يدفن في واحدة من الجزر الصغيرة في خليج جدة بعيدا عن الشاطئ الذي ينظر اليه باعتباره ضمن حرم مكة المكرمة·
ولفت الحسني أن بوركهارت كان يشير بطريقة مثيرة للارتياب إلى أعداد الحوانيت في كل تجارة بمدينة جدة فهو على سبيل المثال يتحدث عن وجود 27 مقهى بالمدينة تقدم مشروب البن ومشروب القشرة بالاضافة إلى تدخين مستحضر من زهرة القنب الممزوجة مع التبغ، كما كان يتحدث بوركهارت عن واحد وعشرين بائع زبدة يبيعون كذلك العسل والزيت والخل، وثماني عشرة منصة للخضر أو الفاكهة، وثمانية من بائعي التمور وأربعة من صانعي الفطائر المحلاة وخمسة بائعي فول مدمس وخمسة بائعي مربات وسكاكر ومتجرين للكباب وبائعين للحساء وهما يبيعان أيضا رؤوس الخرفان وأقدامها المغلية وبائع واحد للسمك المقلي بالزيت، وأحد عشر متجرا للحنطة والشعير والفول والعدس والذرة·
وقال الحسني أن بوركهارت أكد أنه كان هناك متجرين يديرهما أتراك يبيعون فيهما الجبن اليوناني واللحم المجفف والتفاح المجفف والتين والزبيب والمشمش المجفف ”قمر الدين” ويشير إلى أن الجنود الأتراك يقبلون على شراء ”البسطرمة” فيما ينظر أهل جدة إلى هذا اللحم البقري المقدد بوصفه لحم خنزير·
كما أكد الحسني خلال قراءته حرص بوركهارت عندما استدعاه محمد علي من جدة ليحل عليه ضيفا في الطائف على ان يسجل انبهاره بالحقول والحدائق المزروعة وروائح الفواكه المبهجة التي تحيط بالطائف معتبرا ذلك كله أبهج ما رآه من مناظر·
كانت ملاحظات الكتاب المرافقين الباشا ذات طابع استخباراتي وأيضا معلومات جغرافية وطبوغرافية دقيقة عن شبه الجزيرة العربية بما في ذلك اليمن وأيضا طرق الحج المختلفة إلى مكة وبه وصف نادر لمدينة الدرعية.
ومن أهم ما دونه بوركهارت محاوراته مع محمد علي باشا بالطائف وهي في مجملها تفصح عن الهدف من ذلك العمل الذي كان خريطة طريق للإنجليز والفرنسيين لوضع خطط الحرب العالمية الأولى.
واكمل الحسني أن موريس تاميزييه كان أول فرنسي يدخل مدينة جدة وكتاب(تاميزييه) “رحلة إلى الجزيرة العربية” يقع في جزئيين، سُجِّلتْ فيهما المشاهدات والانطباعات بأسلوب اليوميات”ويحوي الجزء الأول المتضمن لرحلة (تاميزييه) إلى (بلاد عسير) وصفاً شيقاً لما مر به من البلاد منذ مغادرته السويس، أما الجزء الثاني من هذا الكتاب والموسوم (رحلة في بلاد العرب، الحملة المصرية على عسير 1249هـ/1834م) والذي ترجمه وعلق عليه الدكتور محمد آل زلفه الذي يقول عن هذا الجزء الثاني:” إن ذلك الجزء يمثل مصدراً مهماً اعتمدت عليه في إعداد رسالتي للماجستير”.
وقال الحسني الدكتور آل زلفه استطرد قائلاً:” وتعود أهمية هذا الكتاب إلى أن المؤلف الرحالة موريس (تاميزييه)، كان أحد المرافقين لواحدة من أكبر الحملات المصرية على عسير في عام (1249هـ/1834م)، سجل وقائع تلك الحملة بدقة، ولهذا اعتبرته من أهم المصادر، ليس لتسجيل وقائع الحملة فقط، ولكن لما أشتمل عليه من معلومات سياسية وجغرافية واقتصادية واجتماعية قل العثور عليها في أي مصدر آخر عن تلك الفترة وغيرهم من الرحالة واصبحت كتاباتهم التاريخ الجديد الذي أراد الباشا به اعادة اختراع الجزيرة العربية ووضع خارطة طريق سهلة للإنجليز والفرنسيين لاحقا في الاستحواذ على البلاد العربية.
واوضح الحسني أن الباشا سهل لهولاء الكتاب وسمح لهم بالذهاب للحجاز وباقي مناطق الجزيرة العربية وشجعهم في نشر تقارير عن مغامراته وحروبه في الجزيرة العربية وأغدق عليهم بالحماية والأموال بل وصل به الحال ان أسند ولاية بلجيكي نصراني على مدينة سيدنا محمد رسول الله صلوات الله عليه وآله في تصرف انتهك فيه قدسية المكان وحرمة الرسول والإسلام! كما أن الباشا بجلبه لهولاء النصارى للحرمين حقق لهم لأول مرة الحماية والعون بصفتهم الأصلية نصارى في حماية الباشا لان عادة المغامرين من هولاء النصارى يتظاهرون بالإسلام ويتعلمون العربية والشعائر لهدف دخول اقدس الأمكان الكعبة المشرفة وحرمها وبيت النبي وحرمه ويتخذون أسماء عربية لمزيد من الخداع لكن الباشا حماهم ورعاهم وخاصة المرافقين له من خبراء حرب ومهندسين وأطباء وطباخين وغيرهم.. ، !!؟.
واستطرد الحسني قائلا: كانت تقارير الغربيين المرافقين ترسل للصحف الغربية في إنجلترا وفرنسا وبروكسل وسويسرا وغيرها من العواصم لقد شكلت هذه الحملة وهذه الكتابات مدونات اختراع تاريخ الجزيرة العربية في القرن الثامن عشر والتاسع عشر ومازالت هذه الكتب هي التاريخ الماثل في زماننا الحاضر.
التعليقات مغلقة.