حوار – محمد حسن حمادة:
رغم مرور تسع وأربعين عاما على نصر أكتوبر العظيم مازال دفتر نصر أكتوبر 1973. يفتح لنا صدر صفحاته ليقص لنا ويروي القصص والبطولات والملاحم والحكايات على لسان أبطالها من قادة وجنود قواتنا المسلحة الباسلة، الذين قهروا المستحيل وعبروا خط بارليف وصنعوا المعجزة على أي مقياس عسكري، من هؤلاء الفرسان بطل من طراز فريد ذب عن الأرض والعرض وحمل رايات النصر يروي لنا كواليس حرب أكتوبر المجيدة 1973. سيادة اللواء أركان حرب طه محمد السيد، خريج الكلية الحربية مارس 1971. مدير أكاديمية ناصر العسكرية الأسبق والمستشار الحالي بالأكاديمية ومحافظ مرسى مطروح الأسبق، تدرج في الوظائف المختلفة كضابط مشاة، تولى الوظائف القيادية المناسبة للرتبة كما حصل على جميع الدورات الحتمية بالإضافة للدورات الخارجية من خارج جمهورية مصر العربية، كما حصل على الدكتوراه في فلسفة العلوم السياسية من جامعة السويس، شارك في حرب أكتوبر 1973. حيث كان قائدا لفصيلة مشاة بإحدى الوحدات فى نطاق الجيش الثالث الميداني، كان لنا شرف الحوار مع سيادته.
الزمان: في الأول من شهر أكتوبر 2022. المكان: الدور الأول [ بقيادة أكاديمية ناصر العسكرية ].
المناسبة: الاحتفال بمرور تسع وأربعين عاما على انتصارات أكتوبر.
كان اللقاء حماسيا غايتي استثمار كل ثانية منه تغاضيت عن المقدمات ولم أقم بأي تمهيد نيراني للحوار وبدون سابق إنذار طرحت سؤالي الأول على سيادته وعدت به بالزمن لما قبل أجواء حرب أكتوبر 1973. وباغته بسؤال عن نكسة 1967. هل هي نكسة أم هزيمة أم مؤامرة وتأثيرها على مصر والعالم العربي؟
(ج) نكسة أو هزيمة اختلف الخبراء في التسمية فبعضهم يسميها هزيمة والبعض الآخر يطلق عليها نكسة هي نكسة أشر وأقصى وأفدح من الهزيمة في رأيي الشخصي.
(س) ولمً لا تكون مؤامرة متكاملة الأركان حاكتها القوة العظمى لتركيع مصر وخاصة أن مصر بقيادة ناصر كانت تسير بخطى حثيثة في اتجاه الحداثة وحققت مصر في عهده طفرات وقفزات في الصناعة وفي كل القطاعات فهل كانت هذه الضربة موجهة لوقف هذا التقدم؟
(ج) لو نظرنا للتاريخ سنجد أن العدوان الثلاثي 1956 كان مؤامرة على مصر أتصور أنها في 1967 اتخذت بعض الذرائع ضد مصر للقيام بهجوم عسكري إسرائيلي يماثل ماحدث في 1956. بالتأكيد هناك جزء كبير من المؤامرة الدولية تشترك فيها إسرائيل بشكل رئيسي.
وعن أهم نتائج عدوان 1967 الغاشم على مصر يوضح سيادة اللواء طه محمد السيد فيقول: قبل أن أتحدث عن نتائج 1967 دعني أذكرك بنقطة جوهرية وهي أن أغلبية المقاتلين الذين حضروا انتصار أكتوبر 1973 هم الذين شاركوا في عام 1967 من أجل هذا لانستطيع أن نقول أن جيلا حل محل جيل ثان بل هو نفس الجيل الذي تطور في 1973 بإضافة مؤهلات عليا أضافت قوة وابتكار في استخدام المعدات الحديثة، نقطة أخرى في عام 1967 انتصرت إسرائيل من حدود اعتبرتها آمنة ونحن انتصرنا في عام 1973 من حدود اعتبرتها إسرائيل آمنة وهنا يجب أن أحيي الرئيس السادات صاحب قرار الحرب والسلام وشهداء مصر في حرب 1973 الذين ضحوا بأرواحهم حتى نعيش ومصابي العمليات الحربية الذين يعيشون بيننا حتى الآن ندعو لهم بموفور الصحة، أما أهم نتائج 1967 على مستوى مصر، احتلال إسرائيل لمجمل مساحة سيناء، نتج عن احتلال سيناء إيقاف الملاحة بالمجرى الملاحي بقناة السويس وهي أحد مصادر الدخل القومي لمصر وعلى المستوى العربي احتلت إسرائيل هضبة الجولان والضفة الغربية لنهر الأردن وبعد مرور تسع وأربعين عاما مازالت إسرائيل تفرض أمرا واقعا على هضبة الجولان والضفة الغربية لنهر الأردن، بنهاية نكسة 1967 فقدت القوات المسلحة نسبة من المعدات وصلت لحوالي 85% في القوات البرية وقوة الدفاع الجوي والطائرات وحوالي 17% من القوة البشرية البرية و4 % من الطيارين حجم الخسائر كان كبيرا وبعد انتهاء النكسة ظهر (موشيه ديان) وقال بغطرسة وتعالي: على العرب إذا أرادوا التفاوض فليأتوا إلى القدس حتى نتفاوض”. وهذا شكل من أشكال الثقة والغرور للسيد وزير الدفاع الإسرائيلي، انتهت نكسة 1967. وبدأنا مرحلة جديدة حتى عام 1973، قسم الخبراء العسكريين هذه الفترة إلى أربعة مراحل وبعضهم في أحد الكتب قسمها لثلاث مراحل مرحلة الصمود والدفاع النشط والاستنزاف وإيقاف النيران كل مرحلة كان لها سمة وهدف، المرحلة الأولى مرحلة الصمود واستمرت أربعة عشرة شهرا على الرغم من أن هدفها تجهيز الدفاع تحسبا إلى عمل عسكري مضاد إلا أنها شهدت ثلاثة أحداث عسكرية في منتهى العظمة لمصر، لن ننسى معركة رأس العش بعد النكسة بأيام حيث تمكنت فصيلة من الصاعقة الوقوف أمام سرية دبابات وسرية مشاة ميكانيكي لمدة يومين بل استمر هذا الموقع في مكانه ولم يستطع العدو الإسرائيلي أن يخترقه حتى 1973 ظل هذا الموقع تحت السيطرة المصرية كما لاننسى معركة القوات الجوية التي تمت في شهر يوليو 1967 وأيضا إغراق المدمرة إيلات شرق بورسعيد وإغراق حوالي واحد وأربعين بحارا إسرائيليا هذه هي أهم المعارك التي حدثت في هذه المرحلة ثم جاءت مرحلة أخرى مرحلة الدفاع النشط كان الهدف منها تنشيط الجبهة المصرية وبعد واحد وأربعين شهرا بدأت القوات المصرية تسترد ثقتها بنفسها وتنشط أعمال القتال استمرت هذه المرحلة حوالي ستة أشهر أما المرحلة الثالثة والتي أعتبرها من أهم المراحل التي مرت بالقوات المسلحة ألا وهي حرب الاستنزاف واستمرت حوالي ثمانية عشر شهرا حيث بدأت في التاسع من مارس 1969 باستشهاد الفريق عبد المنعم رياض رئيس أركان حرب القوات المسلحة بالإسماعيلية وانتهت في أغسطس 1970 ببناء حائط الصواريخ المصري الذي غطى سماء القناة بالكامل قبل وقف النيران بثمان وأربعين ساعة أؤكد أن هذه المرحلة تعتبر من أهم المراحل التي مرت بالقوات المسلحة لأنها اكتسبت الثقة في نفسها وفي سلاحها وأفرادها وقوتها وفي قيادتها، حدثت أعمال إغارة شرق القناة وأعمال كمائن وأعمال عسكرية نشطة جدا نتج عن ذلك أسقطت وأصيبت إحدى وعشرون طائرة قبل شهر أغسطس 1970 مما أجبر إسرائيل على وقف إطلاق النيران وقبول ( مبادرة روجرس ) في 8 أغسطس 1970، أما الفترة من 1970 إلى 1973 وماقبلها وخلال هذه الفترة حدثت أشياء كثيرة في القوات المسلحة، إعادة تنظيم صفوف القوات المسلحة حيث تغيرت القيادات بالكامل وأنشئت قيادات جديدة، على سبيل المثال لا الحصر ألغيت قيادة القوات البرية وأنشئت قوات الدفاع الجوي وانفصلت عن القوة الجوية.
ثانيا: الدعم الروسي خلال الفترة من 1970 إلى 1973 أضف إلى ذلك كان لدينا خبراء ومستشارون روس في كل الوحدات العسكرية وأنا واحد من الناس كان عندي مستشار عسكري روسي في الفصيلة يشرف على التدريب في كل الوحدات.
ثالثا: إعادة التسليح المصري مع الجانب الروسي والدعم التكنولوجي الروسي والتدريب المستمر”.
وعن عنصر مفاجأة الجيش المصري للعدو الصهيوني يؤكد سيادة اللواء طه محمد السيد: عنصر المفاجأة أنا أعتبره مفتاح نصر أكتوبر 1973 وخاصة خطة الخداع الاستراتيجي التي تنقسم لثلاثة محاور، محور يضم مصر وسوريا ومحور يضم مصر من الداخل، الوزارات المختلفة تجهز خطة خداع استراتيجي تتماشى مع خطة القوات المسلحة وخطة خداع عسكري، سأتكلم عن الخطة الأولى بين مصر وسوريا فقد كان هناك تنسيق مستمر في الفترة مابعد 1970 إلى 1973 مع الجانب السوري ووصل التنسيق لقمته في أغسطس 1973 في مؤتمر الإسكندرية الذي كان قبل حرب أكتوبر بشهر ونصف الشهر حيث اجتمع وزير الحربية المصري الفريق أحمد إسماعيل ورئيس الأركان وقادة الأفرع الرئيسية واللواء بدر نوفل المسئول عن تنظيم الاتصال بين مصر وسوريا واللواء مصطفى طلاس وزير الدفاع السوري هذا المؤتمر حدد النقاط الرئيسية للحرب ثم في الثالث من أكتوبر سافر الفريق أحمد إسماعيل ومعه اللواء بدر نوفل إلى سوريا للتنسيق الاستراتيجي النهائي بين مصر وسوريا وهناك خطة خداع أخرى داخلية تكفلت بها جميع الوزارات (طبعا كل الوزارات اشتغلت) ولكننا سنخص وزارتي الخارجية والإعلام فبالنسبة لوزارة الإعلام يوجد نقطتان:
الأولى كان عندي كتاب للدكتور عبد القادر حاتم يتحدث عن خطة الخداع الإعلامي ولكنني سأركز على نقطين الأولى تم الإعلان في شهر أغسطس عن فتح باب القبول للعمرة لضباط القوات المسلحة طبعا إسرائيل ستعرف من خلال الجرائد المصرية بإعلان العمرة كان غريبا فتح باب العمرة للضباط وعائلتهم أن يسافروا للعمرة كان هناك أحد اللواءات في الأمانة العامة على ما أذكر اسمه اللواء فهمي كان يريد السفر للعمرة كان المشير الجمسي يرفض التصديق على سفرة ولكنه شعر أنها نقطة إيجابية أن يسافر لواء ويعلن عن سفر اللواء فهمي للعمرة (عفوا لا يحضرني اسمه بالكامل).
ثانيا تم التنسيق لزيارة وزير دفاع رومانيا إلى القاهرة يوم الثامن من أكتوبر بالطبع ألغيت الزيارة فيما بعد لكن طيرت الصحف الخبر إذن الوزارات كلها تعمل في تنسيق مستمر (خطة الخداع العسكري فيها كلام كتير) كان يقودها ويديرها رحمه الله عليه المشير محمد عبد الغني الجمسي، أهم ملامحها، اختيار توقيت الهجوم، اختيار الشهر ( عاوزين شهر يكون فيه أعياد في إسرائيل) ظروف الجو المائية تكون مناسبة، ظروف جو مناسبة لمصر وسوريا، سوريا تتساقط فيها الثلوج في شهري 11, 12 فوجدوا أن أنسب شهر هو شهر أكتوبر، أكثر من عيد لإسرائيل، عيد الغفران أو يوم (كيبور) ومناسبات أخرى كانتخابات الكنيست فوجدوا أن أنسب توقيت لمصر وسوريا هو شهر أكتوبر وكان اختيار اليوم يعتمد على ليل طويل للاستفادة منه في بناء الكباري وظرف القناة يكون مناسبا (الفاصل ما بين المد والجزر) فعندما يزيد الفاصل بين المد والجزر في القناة لا يسمح بحركة القوارب، فالمد والجزر يتغير في القناة أربع مرات يوميا من الشمال للجنوب والعكس، في السادس من أكتوبر يكون الفرق بين المد والجزر أقل مايمكن فاختاروا يوم العاشر من رمضان لكن في أي توقيت؟ نحتاج لتوقيت تسمح فيه القوات المصرية والسورية بتنفيذ الضربة الجوية بحيث لا تكون الشمس في عيون القوات المصرية بل في الجانب الآخر.
ثانيا الفترة تسمح بتنفيذ التمهيد النيراني والمراقبة ثم بعد تنفيذ هذه المهام إمكانية استغلال الفترة الأولى من الليل أو طول الليل في تنفيذ أعمال الكباري لعبور القوات فاختاروا الساعة الثانية ظهرا وهذه كانت نقطة جوهرية ليس هذا على لساني أنا، بل بشهادة الخبير الفرنسي ( أندرو بوفر ) الذي زار أكاديمية ناصر العسكرية عقب الحرب مباشرة وقال نصا أن: عنصر المفاجأة كان عاملا كبيرا في تحقيق النصر”.
وعن الفترة الأولى من حرب أكتوبر وتحديدا الفترة من السادس من أكتوبر وحتى الثالث عشر من نفس الشهر فيسهب سيادة اللواء ويؤكد: أنا أعتبر أن الفترة الأولى نصر من عند الله (ودي كانت قمة العمل العسكري المصري). من السادس من أكتوبر الساعة الثانية ظهرا إلى السابع من أكتوبر الساعة الثانية ظهرا ملحمة عسكرية مصرية بكل المقاييس فخلال ساعات يعبر شرق القناة من ثمانين إلى مائة ألف ضابط ومقاتل لشرق القناة بطول المواجهة 165 كم بواسطة 750 ألف إلى مائة ألف قارب بالإضافة للوسائل البرمائية هذا الحجم عندما ينقل للجانب الشرقي حجم مهول جدا هل تعرف أن أول نقطة حصينة سقطت للعدو كان في نطاق الفرقة 18 شرق القناة في القنطرة أي بعد نصف ساعة، رفع العلم المصري في نطاق الجيش الثالث الميداني بعد نصف ساعة أما تحرير أول نقطة قوية في نطاق الجيش الثالث الميداني للفرقة 18 بعد ساعة إلا ربع، أول أسير إسرائيلي كان بعد خمس ساعات!
التمهيد النيراني بالمدفعية تم، القوات الجوية نفذت مهامها، القوات البحرية كذلك نفذت مهامها في البحر الأحمر، وفي صباح يوم السابع من أكتوبر تمكنا من إنشاء ستين فتحة ممر في الساتر الترابي، ثمانية كباري ثقيلة، ثلاثين معدية، منتصف السابع من أكتوبر كانت خسائر الجانب الإسرائيلي مائة وعشرين دبابة في مقابل عشرين دبابة مصرية وخمس وعشرين طائرة في مقابل خمس طائرات مصرية، مئات القتلى الإسرائيليين مقابل 280 شهيدا، أما يوم الثامن من أكتوبر فقد سموه في إسرائيل باليوم الحزين أو اليوم الأسود لماذا؟ هذا اليوم دٌمرت فيه مجموعة كبيرة من الدبابات الإسرائيلية وتم فيه تدمير اللواء المدرع بقيادة العقيد (عساف ياجوري) وأسره، وفي عام 1975 كتب (عساف ياجوري) في صحيفة (معاريف الإسرائيلية) أن: الجيش الإسرائيلي ترك اللواء مدرع بصدور عارية أمام الجيش المصري وهذا كان يوم الثامن من أكتوبر 1973 هو اليوم الأسود في تاريخ إسرائيل”. إذن من السادس من أكتوبر وحتى الثالث عشر من نفس الشهر قمة العمل الملحمي العسكري للجيش المصري.
وعن كيفية استعادة إسرائيل توازنها يجيب سيادة اللواء: ثابت بالوثائق الإسرائيلية أن (جولدا مائير) استغاثت بالولايات المتحدة الأمريكية الأمر الذي أدى إلى أنه في اليوم التاسع من أكتوبر صدق الرئيس الأميركي (نيكسون) بتخصيص 2, 2 مليار دولار مساعدات عسكرية لإسرائيل دون موافقة الكونجرس الأميركي أسلحة ومعدات وقطع غيار، وعلى الفور بدأ جسر جوي وأسطول بحري لنقل المعدات من الثالث عشر من أكتوبر واستمر لما يقرب من ثلاثة وعشرين يوما وصل لذروته يوم الرابع عشر إلى السابع عشر من أكتوبر وهي فترة إحداث الثغرة غرب القناة، ثلاثة وعشرون يوما تنقل واشنطن معدات لتل أبيب وهنا تحضرني مقولة (ديفيد إليعازر) رئيس الأركان الإسرائيلي الذي كتب في مذكراته: لولا وصول هذه الأسلحة والمعدات لفقدت إسرائيل مخزونها الاستراتيجي”. وبالتالي هذه المعدات كان لها دور في استعادة التوازن العسكري لإسرائيل مؤقتا في قتاله واستفاد منها الجانب الإسرائيلي في إحداث الثغرة أو العملية العسكرية غرب القناة أو ما أسميته (الشو الإعلامي العسكري) غرب القناة”. إذن كانت الثغرة عملا هوليوديا فقد ساعدت واشنطن تل أبيب في معرفة الفاصل بين الجيش الثاني والجيش الثالث الميدانيين عن طريق طائرات الاستطلاع، مكنت القوات الإسرائيلية من تنفيذ الثغرة والعبور غرب القناة والاتجاه جنوبا ومحاصرة السويس، الخلاصة أن الحرب عدة معارك ممكن أن نقول أن إسرائيل ربحت معركة من الحرب لكن لابد أن نضع (لكن) بين قوسين هل إسرائيل انسحبت من سيناء سياسيا بعد ست سنوات لا! فلماذا انسحبت إسرائيل بعد الحرب وتحديدا 18/ يناير 1974 من غرب القناة إلى شرق القناة بثلاثين كم؟ لماذا؟ لأنها تعلم أنها عملية إعلامية فقط وليست عملية عسكرية حاسمة وإلا لما انسحبت من غرب القناة أبدا.
وعن خلاف الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس الأركان مع الرئيس السادات بشأن إبادة الثغرة يؤكد سيادة اللواء: من المفترض أن يستمع الرئيس لمستشاريه العسكريين وينصت لمقترحاتهم لكن دعني ألفت نظرك إلى أن أي حرب تبدأ بقرار سياسي وتنتهي بقرار سياسي على سبيل المثال الحرب الروسية الأوكرانية بدأت سياسيا وستنتهي بنفس الشكل فالسادات رئيس الدولة رجل سياسة والفريق الشاذلي رجل عسكري محترف يقيم الموقف على الأرض برؤية عسكرية، الرئيس السادات يوقن تماما أن هذه الحرب ستنتهي سياسيا وفي حال تصفية الثغرة عسكريا وفي حال نجاحها ستعود بخسائر كبيرة على الجانبين ستعرقل أي تسوية سياسية قد تنتهي بها هذه الحرب وخصوصا أن الأحداث بعد ذلك أفضت إلى انسحاب كلي لإسرائيل كما أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن ستسمح بأي حال من الأحوال بتدمير كل هذه الأسلحة والمعدات الموجودة بالثغرة وبالتالي ستدخل بقوة أكبر ومجرد وجود بادرة لدى الجيش المصري أن يضحي بفرقتين ويدمر كل القوات الإسرائيلية الموجودة بالثغرة لن تسمح أميركا بهذا وكان السادات يعلم هذا وربما قيل للسادات أن واشنطن لن تسمح بهزيمة السلاح الأمريكي أمام السلاح الروسي إذن القرار من وجهة النظر السياسية وباعتبار أن أي حرب تبدأ سياسيا وتنتهي سياسيا، السادات كان الأكثر توفيقا في هذه الحرب والقرار العسكري بتصفية الثغرة نعم كان ذلك ممكنا لكن الخسائر التي ستكون على الجانبين خسائر ضخمة جدا في الوقت الذي لن تسمح فيه واشنطن بهذا الكم من الخسائر في صفوف الجيش الإسرائيلي لأن معنى ذلك أنه لن يكون هناك جيش إسرائيلي فأكثر من نصف الجيش الإسرائيلي ستة ألوية مغامرة كانت ذكية وبلا شك كانت ناجحة لا ننكر هذا لابد أن نعترف بهذا لكن من وجهة نظري الشخصية قرار الرئيس السادات كان هو الأوقع والأنسب وإلا كانت الخسائر ستكون فادحة ليس بين صفوف الجيش الإسرائيلي بل أيضا في الجيش المصري.
(س) بمناسبة الثغرة لماذا نتكلم دائما عن الثغرة ولا نتكلم عن (معركة المزرعة الصينية) وقد كانت ملحمة حربية كبرى خسرت فيها إسرائيل أكثر من ستين دبابة وصنفت هذه المعركة على أنها أضخم معركة دبابات في العالم بعد الحرب العالمية الثانية؟
(ج) حرب السادس من أكتوبر 1973 شهدت معارك عديدة جدا لذا لا أخص معركة بذاتها لتكون هي أم المعارك، حرب السادس من أكتوبر شهدت معارك متفرقة عديدة كان في مجملها نصر أكتوبر 1973. صحيح معركة (المزرعة الصينية) كانت ملحمة وإرييل شارون والفرقة 252 خسرا كمية دبابات كبير جدا لكن تبقى في النهاية معركة من معارك القوات المسلحة في حرب أكتوبر 1973.
(س) ماهو دور القوات العربية في حرب العاشر من رمضان؟
(ج) شاركت القوات المسلحة في حرب أكتوبر 1973. عدة دول عربية بمعدات أو أسلحة أو أفراد على الجبهتين المصرية والسورية سبع دول شاركت على الجبهة المصرية وأربع دول على الجبهة السورية العراق كان لها نصيب الأسد فقد شاركت على الحبهتين المصرية والسورية، الجزائر دفعت بلواء مدرع على الجنزير من الجزائر إلى مصر بالإضافة إلى ليبيا والكويت وفلسطين، إذن القوات العربية كان لها الشرف بالمشاركة في حرب أكتوبر 1973. حرب الانتصار ولاننسى السلاح الأهم سلاح البترول وتخفيض إنتاج البترول من خمسة لعشرة بالمائة اعتبارا من يناير 1974 بالمناسبة هناك بعض القوات العربية التي وصلت إلى مصر بعد انتهاء الحرب ولم تشارك ولكن هناك قوة شاركت مثل السرب الليبي القوات التي شاركتنا الحرب أولم تشارك كان هناك قرار عربي بالمشاركة في حرب أكتوبر 1973. لهم كل الشكر والتقدير والاحترام”.
(س) ماهي الدروس المستفادة من حرب أكتوبر 1973. وماهي توصياتكم للشباب الحالي؟
الدروس المستفادة على الجانب الإسرائيلي قبول إسرائيل وقف إطلاق النار وهذا يدل على أن إسرائيل منيت بخسائر فادحة، كما قضينا على أسطورة الجيش الذي لا يقهر كما قضينا على نظرية الأمن الإسرائيلي، أما على الجانب المصري فالمكاسب عديدة بداية من تطهير القناة وإعادة افتتاحها للملاحة من جديد بعد توقف دام لست سنوات من 1967 إلى 1975.
وعلى جانب القوات المسلحة بلا شك أعاد الانتصار الثقة في النفس والسلاح والقادة والضباط والجندي المصري والمعدات والأفراد وإعادة كرامة مصر، ووحدة عربية لم تشهدها الأمة العربية في العصر الحديث فشتان بين مؤتمر القمة في الخرطوم 1967. والتلاحم العربي له السبق في تحرير الأرض في حرب أكتوبر 1973.
(س) سيادتكم كنت (ملازم أول) وقائد فصيلة مشاة بأحد الوحدات بنطاق الجيش الثالث الميداني ماهو الدور الذي لعبته الفصيلة التي كنتم تقودونها في الحرب؟
(ج) فصيلتي كانت إحدى الوحدات الفرعية الصغرى من وحدة ميكانيكية من كتيبة ميكانيكي بنطاق الجيش الثالث وكنا في يوم الثالث عشر والرابع عشر في مرحلة تطوير الهجوم شرقا، شاركت فصيلتي ضمن الكتيبة في أعمال التطوير في نطاق الجيش الثالث في منطقة (جبل الراحة) شرق القناة لتطوير الهجوم.
وعن الروح الفدائية بين ضباط القوات المسلحة وتسابقهم لنيل الشهادة فيقول:
أذكر في هذا الشأن تسابق إثنين من الضباط الأصغر في رتبتي يتسابقان من يقود الفصيلة لمقدمة مفرزة الكتيبة [ مفرزة الكتيبة هي التي تتلقى الصدمة الأولى للعدو يحدث بها خسائر كبيرة جدا وهي التي تحمي القوة التي خلفها ] وكاد أن يحدث اشتباك بينهما بالأيدي كلاهما مصمم على قيادة الفصيلة لمواجهة العدو وتلقي الضربة أو الصدمة الأولى للعدو هذا هو المعدن المصري الأصيل حتى كان قرار قائد الكتيبة بأن الضابط حسين بديع هو الذي يقود، وبعد حوالي أقل من ساعة استشهد الضابط حسين بديع، شاهدت هذه اللقطة بعيني رأسي في مركز قيادة ومراقبة الكتيبة وهذا إن دل فيدل على مدى تسابق الضباط لنيل الشهادة”.
(س) ظهر المعدن المصري الأصيل في حرب أكتوبر 1973 حيث كان التلاحم بين الجيش والشعب من ناحية والمسلمون والأقباط من ناحية أخرى فما صور هذا التلاحم؟
(ج) لحظة العبور كان الجميع يردد نداء [ الله أكبر ] باختلاف أديانهم لاتستطيع التمييز بين المسلم والقبطي وسأزيدك من الشعر بيتا هل تعلم أن العميد (شفيق متري) أول قائد استشهد في حرب أكتوبر 1973. ثم توجه لي بالسؤال متى تم القتال؟ فأجبته في السادس من أكتوبر الموافق العاشر من رمضان، يكمل سيادته نعم استمرت الحرب اثنين وعشرين يوما، الجنود صائمون، عاشرت فترة قبل الحرب حوالي سنتان ونصف السنة وحدة بها أقباط عشت معهم رمضانين قبل الحرب وكان عندي جنديان مسيحيان من الصعب التفرقة بينهما وبين المسلمين فقد كانا يتعففان حتى عن شرب شربة الماء في نهار رمضان بل كانا يصومان كالمسلمين كان قائد وحدتي (جورج غبريال إسكاروس) مسيحي ورئيس عملياته (عدلي رزق) وقائد اللواء (ليون مسعد تاضروس) مسيحي لم نكن نفرق بين المسلم والمسيحي فهذا قائد لابد أن ننفذ أوامره كانت هذه بعص صور التلاحم بين الجنود وبعضهم البعض بحيث لا نستطيع أن نفرق بين الهلال والصليب، والأروع على الجبهة الداخلية أن الأزهر والكنيسة جسدا الوحدة الوطنية في أبهى صورها فقد كانا في حالة تلاحم وتوافق واتساق والتعامل مع الأحداث التي تتم على الجبهة الخارجية، الجميع على قلب رجل واحد مما انعكس بالإيجاب على كل فئات الشعب مسلمين ومسيحيين.
(س) كيف تقيمون التنسيق المصري السوري في حرب أكتوبر 1973.
(ج) لا شك كان التنسيق على أعلى مستوى نتيجته انتصار عسكري أشاد به الغرب والخبراء العسكريون قبل العرب”.
(س) ماهو تقييم سيادتكم لاتفاقية كامب ديفيد؟
(ج) حرب أكتوبر كانت الملحمة العسكرية أو العمل العسكري الذي حرك باقي قضايا الشرق الأوسط، انتهت حرب أكتوبر في الثامن والعشرين من أكتوبر 1973. وكان هناك عمل سياسي آخر تم من 1973. وحتى 1982. وهو العمل السياسي الذي أدى لاتفاقية فض الاشتباك الأول والثاني ثم أعقبهما زيارة الرئيس السادات للكنيست الإسرائيلي انتهاء باتفاقية كامب ديفيد 1979. التي كان من آثارها انسحاب إسرائيل من سيناء عام 1982. إذن عمل آخر لجأ إليه الرئيس السادات حتى لا يخسر جنديا مصريا ويكسب أرضه كانت نظرة مستقبلية من الرئيس السادات حارب وانتصر، فض الاشتباك الأول أعاد إسرائيل من غرب القناة إلى شرق القناة لثلاثين كم (ليه أعمل حرب تاني)؟ فبدأ يفكر في إجراء فاجأ به العالم بدأ من زيارته للكنيست وانتهاء بتوقيع اتفاقية (كامب ديفيد) كسب السادات بالعمل السياسي بأن أعاد سيناء عدا طابا ذات الكيلو واحد المربع ولجأت مصر إلى التحكيم الدولي لمدة سبع سنوات من أجل عدم التفريط في هذا الكيلو متر مربع الواحد إذن تقييمي (لكامب ديفيد) عمل سياسي بارع أدى إلى استكمال تحرير كامل التراب الوطني ورفع العلم المصري في العريش ورأس محمد في عام 1982. على الجانب الآخر أين الجولان وأين الضفة الغربية؟
وجهة نظري ما أنجزه السادات عمل سياسي بارع ثم استكمل الرئيس الراحل محمد حسني مبارك أعمال التحكيم الدولي لاسترداد طابا، هنا نقطة ومن أول السطر ثم يسألني كم استغرق احتلال إسرائيل لسيناء؟
فأجبته من 1967 إلى 1989. أي لمدة اثنين وعشرين عاما، يردف سيادته، استمرت الحرب اثنين وعشرين يوما أي أن سيناء احتلت لمدة اثنين وعشرين عاما وتم استعادة الأرض بعد اثنين وعشرين يوما! وفي هذا الشأن أوصي بقراءة الكتب التي صدرت وترجمت على الجانب الإسرائيلي التي حللت نصر أكتوبر من وجهة نظر الطرف الآخر وخاصة تحقيقات لجنة (أجرانات) التي ظهرت تحقيقاتها الأولية في عام 1974 و 1975 وحتى نوقن من النصر العسكري أوصت لجنة (أجرانات) بعزل رئيس أركان الجيش الإسرائيلي (ديفيد إليعازر) لأنه تسبب في عدم القدرة على إدارة الحرب وعزل مدير الاستخبارات الإسرائيلي وعزل قائد المنطقة الجنوبية المواجهة لمصر وهذا مؤشرات تثبت النصر العظيم لمصر.
وعن كيفية استعادة روح وأمجاد أكتوبر أكد سيادة اللواء طه محمد السيد: لننظر حولنا ونشاهد ماذا يحدث في اليمن وليبيا وسوريا والعراق! مصر تفتح ذراعيها وتحتضن جنسيات عربية أربعة ملايين لاجئ يعيشون بيننا السؤال ماذا لاقدر الله لو أصيبت مصر (إحنا حانروح فين؟ ياريت نخلي بالنا من مصر).
وكما يقولون ختامه مسك اختتم الحوار سيادة اللواء أركان حرب أحمد يوسف عبد النبى، مدير أكاديمية ناصر العسكرية العليا الأسبق ومستشار الأكاديمية الحالي حيث وجه تحية
خاصة للدبلوماسية المصرية التى أدارت التفاوض مع الجانب الإسرائيلى لاستعادة سيناء ونجحت بصورة أكثر من رائعة، واستخدمت الأسلوب القانوني فى المفاوضات، حتى تمكنت من استرداد كامل أرض سيناء، وتحريرها من قبضة المحتل الغاشم، كما أكد سيادته على أهمية سيناء الاستراتيجية ومقوماتها الطبيعية ومواردها الزراعية والصناعية والتعدينية والسياحية، فسيناء بمثابة ركن من أركان استراتيجية مصر الطموحة للخروج من الوادى الضيق، بالإضافة إلى أنها تمثل محورا أساسيا من محاور هذه الاستراتيجية التنموية طويلة الأمد، بالإضافة إلى كونها جزءا من مشروع تنمية قناة السويس الذى يحتضن أكبر عدد من مشروعات مصر العملاقة فى غرب خليج السويس والعين السخنة وفى شرق بورسعيد وفى القناة نفسها التى ستظل شريانا حيويا من شرايين الاقتصاد والتجارة الدوليين، كما أشار سيادة اللواء عبد النبى للمشاريع الكبرى التى تنفذ حاليا فى سيناء وربطها بالوادى كالأنفاق التى تشيد فى الإسماعيلية وبورسعيد، بالإضافة إلى شبكة الطرق التى تنفذ فى شمال ووسط سيناء، إلى جانب مطار [ المليز ] الذى سيستخدم كمطار مدني، بما يسهم فى عملية التنمية على أرض الفيروز.
وأشار عبد النبى الذى شارك فى صفوف الجيش المصري في حرب اكتوبر 1973. أن الدولة تهتم بإنشاء المدن السكنية الجديدة وتوفير فرص عمل بالإضافة إلى إنشاء مشاريع فى شمال ووسط وجنوب سيناء لخدمة أهالي سيناء، كما وجه سيادة اللواء عبد النبى رسالة تحذيرية للشعب المصري لافتا إلى أن هناك قوى دولية لا تريد الاستقرار لمصر ولا تريد التنمية الحقيقية لها، ويجب على الشعب المصرى أن يعلم حجم التحديات التى تواجه الأمن القومى فى الوقت الراهن، فى ظل أوضاع غير مستقرة فى الشرق الأوسط.
وفي نهاية الحوار وجه سيادة اللواء عبد النبى التحية لرجال القوات المسلحة والشرطة على ما يقدمونه من فداء لأرواحهم فى الدفاع عن أرضهم مؤكدا أن القوات المسلحة قادرة على حماية تراب مصر على كافة الاتجاهات الاستراتيجية، لإتمام عملية التشييد والبناء والتعمير والتنمية.
التعليقات مغلقة.