اللعبة السياسية وترتيب الأوراق
بقلم دكتور- هشام فخر الدين:
لا شك أن ما يحيط بنا من أحداث عالمية، وخاصة ما يحدث في الشرق من فوضى ثم إنهيار أنظمة كاملة دامت لعقود، وظهور حركات وجماعات متطرفة وإرهابية، وصعودها للحكم ثم سقوطها في بعض الدول ومناهضتها والقضاء عليها، واستمرار بعضها وذيولها في دول أخرى وإندثار حركات متطرفة وإختفائها ثم عودتها لتسلم السلطة بين يوم وليلة، لعل ذلك كله جزء من اللعبة السياسية لإعادة التوازنات وترتيب الأوراق وتبادل الأدوار، لصالح نفس القوى المحركة والمؤسسة والصانعة لتلك الجماعات وللدول التي تمولها وتدفع فواتير الإرهاب ونشره لضمان بقاءها واستمرار أشباه الحكام ليحكموها.
ففي ظل النظام العالمي الجديد والذي ظهر بتوازنات مرتبة وفاعلة غيرت مسار العلاقات الدولية، مشيراً إلى فترة تاريخية تتسم بتغير جذري في الفكر السياسي العالمي، وتوازن القوى على الساحة الدولية، حيث ظهر بوضوح أكثر عقب إنتهاء الحرب الباردة وتغير خريطة العالم من حيث توازنات القوة.
ومن هنا كانت قضية الإستقرار والأمن تمثل الشغل الشاغل لأي بلد على الإطلاق، لكونه جوهر مواجهة تفعيل سياسات النظام العالمي، حينما تختلف وتتعارض المصالح والرؤى والتوجهات.
ولعل ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط والتي تمثل المنطقة الوحيدة المشتعلة في العالم، والتي يعد بقائها مشتعلة أحد أهم التوازنات العالمية عبر ترتيب وإعادة ترتيب أوراق اللعبة، للجفاظ على قيادتها للعالم وعلى أمن إسرائيل، وللقيام دوماً بدور الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين. وأبرز مثال حى على ذلك ما يحدث في أفغانستان الآن، عبر الإنسحاب المفاجئ وإعادتها للجماعات الإرهابية وتوفير ملاذ آمن وتسليح لا حد له، ليكون أداة في يدها لإطلاق سهمه أينما أرادت دون تحملها أية خسائر لا بشرية ولا مادية، فهناك من يدفع فواتير الإرهاب من عملائها وأدواتها.
فمنذ فجر التاريخ وقيام الحضارات استشعرت الشعوب وقياداتها ضرورة وجود قوة عسكرية لبنائها والدفاع عنها والحفاظ على إستراتيجية أمنها داخليا وخارجيا، حيث أنه يكمن في حماية الحكومة والبرلمان للدولة والمواطنين عبر توجهات سياسية، اقتصادية، دبلوماسية وعسكرية.
فتحديات الحفاظ عليه ليست حكراً على خصوم تقليديين من دول قومية أخرى، بل من الجهات الفاعلة غير الحكومية مثل عصابات المخدرات، والشركات متعددة الجنسيات والمنظمات غير الحكومية؛ وتشمل بعض التحديات الكوارث والأحداث الطبيعية.
فقد شهدت العقود الأخيرة حدوث تغيرات جوهرية في طبيعة النظام الدولي وخصائصه، كان من نتائجها إعادة ترتيب التوازنات وعلاقات القوة والتفاعل فيه، ولعل بداية تلك التغيرات كانت مع انتهاء الوفاق الدولي، والتطور الهائل في صناعة الأسلحة وسباقات التسلح خاصة النووي منها.
أما نهايتها فكانت مع تفكك الاتحاد السوفيتي وانهيار المعسكر الاشتراكي، وما نجم عنه من انتشار قيم الليبرالية السياسية والاقتصادية، وانتقالها إلى أغلب المجتمعات حتى التي كانت ترفض هذه القيم وتسعى للقضاء عليها، مما أظهر انتصار وتفوق المعسكر الرأسمالي ونظامه السياسي – الاقتصادي ليصبح النظام الأول والوحيد في العالم.
وأكد على أحادية القطب في قيادة العالم ونظامه الجديد وإنفراد الولايات المتحدة بهذا الدور، ومن ثم جاء حرص الإدارات الأمريكية المتعاقبة على تحقيق أقصى استفادة من هذه الأحداث، والعمل على ترسيخ نتائجها وتحويلها إلى حقائق ثابتة لا تقبل التغيير.
فقد سعت إلى إيجاد نظامًا دولياً جديداً تنفرد فيه بقيادة العالم وتكون هي الفاعل الحقيقي، لخدمة مصالحها الخاصة وتحقيقا لأهدافها الذاتية، وفي مقدمتها هدف إبقاء الأوضاع الدولية على ما هي عليه، ولجوء المتضررين إلى شرعية دولية، أصبحت هي الأخرى محكومة بالإدارة الأمريكية وخاضعة لسلطتها التقديرية غير العادلة بما يتوافق مع ترسيخ سيادتها وقوتها العسكرية مدعومة من قوتها الاقتصادية.
ومما لا شك فيه أن استقرار أي دولة إنما يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالحفاظ على أمنها واستقرارها القومي، بل بمدى حرص كل فرد من أفرادها على مستوى هذا الأمن، وعدم المساس به، ولاسيما من كان في موضع اتخاذ القرار، وعلى وجه أخص القرارات التي تتصل بالتعامل مع العالم الخارجي.
باعتباره لأي دولة مستقلة ذات سيادة خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه أو التسامح تجاهه، ومن هنا يتطلب الحفاظ على عدم المساس بهذا الخط أو السماح بتجاوزه وعياً وثقافة وتثقيفاً مستمراً علمياً ومنهجياً بأهميته وخطورته.
مع الأخذ في الاعتبار ضرورة دعم عناصر القوة المتمثلة في الجيوبولتيكة والديموجرافية والسياسة والاقتصاد وخاصة الموارد الغذائية والمعدنية والصناعية، بالإضافة إلى القوة العسكرية التي تتضمن الاستخدام الهجومي للقوة العسكرية، والاستخدام الدفاعي للقوة العسكرية أو استخدام القوات العسكرية كأداة للردع.
التعليقات مغلقة.