الكتلة الحيوية والطاقة الحيوية
بقلم – الدكتور على عبد النبى:
منذ عصور ما قبل التاريخ، كان أجدادنا من أوائل الشعوب التي عرفت استخدام النار فى معيشتها اليومية، فكانوا يقومون بحرق الطفلة لصنع الخزف، ويخبزون الخبز، ويطهون في مواقدهم، مستخدمين المواد المتاحة من الطبيعة، والتى تعتبر أحد أنواع “الكتلة الحيوية”، مثل جذوع الأشجار ومخلفات النباتات والعشب وروث الحيوانات، وما إلى ذلك. وما زالت الكتلة الحيوية التقليدية توفر مصادر هامة للطاقة في كثير من أنحاء العالم، وخاصة فى المناطق الريفية وفى الدول النامية.
فالكتلة الحيوية هي مواد عضوية نباتية وحيوانية غير أحفورية ومتضمنة أيضاً النفايات القابلة للتحلل الطبيعى، فهي مادة منتجة بيولوجياً تعتمد على الكربون والهيدروجين والأكسجين. وهناك أمثلة من الكتلة الحيوية منها: الأشجار والأعشاب ومحاصيل الطاقة، والمحاصيل قصيرة الدورة الزراعية، والفحم النباتي، والطحالب، وكذا المخلفات الزراعية، ومخلفات الغابات، ومخلفات الصناعات الغذائية والألياف، ومخلفات تصنيع الأخشاب، والمخلفات العضوية للمنازل والمدن ، والنفايات الحيوية والمواد البيولوجية الأخرى.
الكتلة الحيوية تحتوي على طاقة مخزنة من الشمس، فالنباتات تمتص ثاني أكسيد الكربون أثناء نموها، خلال عملية التمثيل الضوئى – حيث تقوم الأوراق عبر مسامها بامتصاص ثاني اكسيد الكربون، ومع وجود الماء والأملاح والطاقة الشمسية يتحول ثانى أكسيد الكربون إلى أحد المنتجات النباتية (جذور، ساق، أوراق، ثمار) – وعند حرق الكتلة الحيوية، تنطلق الطاقة الحيوية فى شكل حرارة، وينطلق معها كمية مماثلة من الكربون في الغلاف الجوي. فهى تلعب دوراً رئيسياً في الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
الكتلة الحيوية هي مصدر من مصادر الطاقة المتجددة، حيث يمكن تحويلها إلى “طاقة حيوية” من خلال حرقها، إما مباشرة ، حيث يمكن حرق الكتلة الحيوية الصلبة، مثل الخشب ونفايات الأخشاب والقمامة لإنتاج الحرارة للتسخين فى المباني والمنشآت والمصانع أو فى توليد الكهرباء، فقد زادت مشاركة حرق الكتلة الحيوية في محطات توليد الطاقة التي تعمل بالفحم، لأنها تجعل من الممكن إطلاق كميات أقل من ثاني أكسيد الكربون دون التكلفة المرتبطة ببناء بنية تحتية جديدة. أو عن طريق تحويل بعض أنواع الكتلة الحيوية إلى “وقود حيوي” سائل أو غاز. استخدام الكتلة الحيوية في إنتاج الطاقة الحيوية، يؤدي إلى انخفاض حقيقي لثاني أكسيد الكربون في الجو، فهى طاقة صديقة للبيئة. وكذا فإن الاحتراق المشترك cofiring للكتلة الحيوية والوقود الأحفوري (الفحم)، يحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وملوثات الهواء. ويتميز وقود الكتلة الحيوية بكثافة منخفضة مقارنة بالوقود الأحفوري. بمعنى آخر، يلزم زيادة حجم وقود الكتلة الحيوية بشكل كبير لتوليد نفس الطاقة من حجم أصغر من الوقود الأحفوري. كما أن وقود الكتلة الحيوية يحتوى على نسبة رطوبة عالية، مما يضيف وزناً ويزيد من تكلفة النقل، وكذا فإن محتوى الرطوبة يقلل أيضا من أداء الاحتراق.
يتم تحويل بعض من أنواع الكتلة الحيوية إلى أشكال أخرى من مصادر الطاقة القابلة للاستخدام، مثل “الوقود الحيوي”، وهو وقود سائل أو غاز، وهو من أصل بيولوجي غير أحفوري، فيتم تحويل عدد من المحاصيل الزراعية والطحالب والبكتيريا إلى “وقود حيوي”، مثل الإيثانول الحيوى، والبيوتانول الحيوى، والديزل الحيوى، والغاز “الميثان” الحيوى، والهيدروجين الحيوي.
ويستخلص الوقود الحيوى السائل من البذور والحبوب مثل، الذرة، وفول الصويا، واللفت، والقمح، وبذور القطن، والسمسم، والشعير، أو من المخلفات مثل، مخلفات قصب السكر والقمح والذرة، وروث الماشية، ونشارة الخشب، وقشر الأرز، والخشب، والقش. كما تستخدم الطحالب لإنتاج الوقود الحيوي، لاحتوائها على نسبة مرتفعة من الزيوت والشحوم. وتمتاز الطحالب عن محاصيل الطاقة فى أنها تنمو فى المياه ولا تحتاج إلى أراضى زراعية.
هناك محاولات بحثية فى عديد من الدول المتقدمة، لإجراء تغيير فى الشريط الوراثى “الجينوم” للبكتريا الزرقاء أو الطحالب الخضراء، لكى تصبح قادرة على تحويل بعض من غاز ثانى أكسيد الكربون خلال عملية التمثيل الضوئى إلى وقود حيوى.
يستخدم الوقود الحيوى السائل “الإيثانول الحيوى والديزل الحيوي والبيوتانول الحيوى” فى قطاع المواصلات والنقل، حيث يضاف إلى/أو يكون بديلاً للوقود الأحفورى في آلات الاحتراق الداخلي، ويتميز استخدامه فى إطالة عمر المحرك، لاحتوائه على نسبة تشحيم أعلى من الوقود الأحفورى. كما أنه يمتاز بعدم وجود أى نسبة من الكبريت. وتعتبر البرازيل والولايات المتحدة على قمة الدول المنتجة لوقود الإيثانول الحيوى، ويعتبر الاتحاد الأوروبي أكبر منتج في العالم للديزل الحيوي.
الإيثانول الحيوى، هو أحد مصادر الطاقة الحديثة، والإيثانول من الكحوليات وهو صديق للبيئة، ويمكن إنتاجه من تخمر السكر المستخرج من النباتات مثل قصب السكر، أو من عملية التحليل المائى للنشا الموجود فى الحبوب مثل الذرة، والقمح، والشعير وغيرها. وهناك طريقة لإنتاج الإيثانول من الأعشاب وبقايا النباتات الزراعية، مثل أعواد الحبوب والقش ومخلفات الأخشاب بواسطة خمائر إنزيمات صناعية متطورة. ويستخدم الإيثانول فى إدارة المحركات التى صممت لكى تعمل على الإيثانول، حيث يمكن خلطه مع وقود السيارات “البنزين” بنسب مختلفة تتراوح ما بين 5% إلى 85%، أو في خلية وقود خاصة لإنتاج الكهرباء. وأصبح للإيثانول مكان الصدارة فى عالم الوقود البديل، فقد فرض نفسه على قطاع المواصلات، وأصبح يلبى احتياجات كبيرة تقترب من نصف استهلاك النفط فى كثير من الدول الصناعية. لكن، هل إنتاج الإيثانول من الحبوب يعتبر سطواً على المصادر الغذائية للبشرية ؟.
الهيدروجين الحيوى، الهيدروجين هو وقود المستقبل، ويعتبر الهيدروجين مصدراً هاماً من مصادر الطاقة المتجددة فهو أكثر العناصر الكيميائية وفرة فى الكون، وكذا لأن المحتوى الحرارى للهيدروجين أعلى من المحتوى الحرارى للبنزين (احتراق جرام من الهيدروجين يعطى 30000 كالورى، فى حين احتراق جرام من البنزين يعطى 11000 كالورى). هناك جهود مبذولة لإنتاج الهيدروجين الحيوى بطرق مختلفة. ومن بين هذه الطرق، طريقة إنتاجه من الطحالب الدقيقة، وخاصة الطحالب التى تنتج إنزيم “الهيدروجينيز”، وهو إنزيم يقوم بتحفيز تفاعل “الأكسدة العكسية” للهيدروجين الجزيئي، وبذلك يصبح الإنزيم المسئول عن إنتاج الهيدروجين. لكن هناك صعوبات تجعل إنتاجه غير اقتصادي، حيث كفاءة الإنتاج وصلت إلى 1%، لكن من الناحية الاقتصادية يجب أن تكون كفاءة الإنتاج أعلى من أو تساوى 10%، فى هذه الحالة يصبح سعره منافساً للبنزين.
وقود الديزل الحيوي، يستخدم فى إدارة محركات الاحتراق الداخلى وكزيت للتدفئة. ويمكن إنتاجه من مخلفات المنتجات الغذائية مثل زيوت المحاصيل النباتية “زيت النخيل وزيت فول الصويا وزيت الشلجم وزيت الكاميلينا”، وكذا الزيوت والشحوم الحيوانية، كما يمكن تحويل زيوت النفايات العضوية إلى “وقود ديزل حيوي”. يتم مزج الديزل الحيوى بنسبة 20% مع الديزل الأحفورى بنسبة 80%، ولا يتم إدخال أي تعديلات أو إضافات على المحركات عند تشغيلها بهذا المزيج.
الغاز الحيوي، أو غاز مدافن القمامة، وهو الغاز الطبيعى. تهدف تكنولوجيا الغاز الحيوى على مستوى المجتمع الريفي، إلى إنتاج طاقة جديدة كبديل للطاقة التقليدية، وإنتاج سماد عضوي جيد مع حماية البيئة من التلوث. يتم إنتاج الغاز الحيوى عن طريق التخمّر أو الهضم اللاهوائي “التحلل البكتيري” لمواد قابلة للتحلل الحيوى مثل، الكتل الحيوية كبقايا الطعام أو ما شابه، وروث الماشية، وحمأة مياه الصرف الصحي البشرى، والنفايات العضوية الصلبة، والنفايات الخضراء، والنباتات ومحاصيل الطاقة، وهو ما يسمح بإعادة استخدام المخلفات العضوية بطريقة اقتصادية وآمنة صحياً. الغاز الحيوى هو عبارة عن خليط من غازي الميثان (50-70٪) وثاني أكسيد الكربون (20-25٪)، مع مجموعة غازات أخرى. وتتراوح القيمة الحرارية للغاز الحيوى ما بين 3170 إلى 6625 كيلو كالوري لكل متر مكعب، وذلك طبقاً لنسبة غاز الميثان فى الغاز الحيوى.
البيوتانول الحيوى، وهو مركب من فصيلة الكحوليات، يتم الحصول عليه من محاصيل الطاقة. كما يمكن الحصول عليه من الخامات السليولوزية باستخدام الخمائر المعدلة وراثياً، أو استخدام الفطريات لتحويل النفايات العضوية إلى بيوتانول. وهو أقرب إلى أن يكون بنزين أكثر من أن يكون إيثانول. والبيوتانول يستخدم في المركبات المصممة للعمل بالبنزين وبدون أي تعديل.
الميثانول الحيوى، أو الكحول الميثيلى، يتم تحضيره من التقطير الإتلافى للخشب بمعزل عن الهواء، ويسمى أيضا بالكحول الخشبي.
هناك بعض المحاصيل تستخدم لإنتاج الطاقة الحرارية عن طريق الحرق، مثل بقايا المحاصيل الزراعية والأخشاب، وكذا هناك أعشاب معمرة تنتمى إلى الفصيلة النجيلية، مثل الثمام العصوى Switchgrass، ولحية الرجل Andropogon gerardi، والحشيشة الفضية أو عشب الفيل Miscanthus .
تعتبر البرازيل أول دولة فى العالم يعتمد اقتصادها على الوقود الحيوى وصناعة الوقود الحيوى. بل وأصبحت ثانى دولة فى العالم إنتاجاً للإيثانول المستخرج من قصب السكر. وطورت البرازيل محركات وسائل النقل والمواصلات لكى تعمل بالوقود المختلط “إيثانول وبنزين”. فعلى مدى ثلاثين عاماً، أصبحت جميع وسائل النقل الخفيفة فى البرازيل تستخدم إما وقود مختلط “نسبة الإيثانول به من 20 الى 25 %”، أو إيثانول حيوى صافى.
مع الزيادة المطّردة فى استخدام الوقود الحيوى على مستوى دول العالم، فالتقارير الإحصائية تشير إلى أنه بحلول عام 2050، يمكن للوقود الحيوي أن يختزل انبعاثات الغازات الدفيئة، منها ما يقارب من 80% من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، وتقريباً 100% من انبعاثات ثاني أكسيد الكبريت، من كمية الانبعاثات الحالية الناجمة عن وسائل النقل.
الآن تسعى عديد من الدول إلى زراعة “محاصيل الطاقة” بغرض استخدامها في إنتاج الوقود الحيوي، ومن بينها الذرة وفول الصويا والقمح واللفت والشعير وقصب السكر، وغيرها. وأصبحت الأراضي الزراعية تستغل فى إنتاج محاصيل الطاقة بدلا من المحاصيل الغذائية المخصصة للاستهلاك البشري أو الحيواني، فأيهما أولى، غذاء البشر أم غذاء الآلة ؟
أشكركم، وإلى أن نلتقى فى مقالة أخرى لكم منى أجمل وأرق التحيات.