ثقافة المصريين.. كيف كانت وماذا أصبحت؟
بقلم/ سلطان الخطيب
من نافلة القول أن نذكر أن من ليس له ماض ليس له حاضر، ومن ليس له حاضر، فلا مستقبل له.. وإحقاقاً للحق في هذا الشأن، أعني مستقبل الثقافة في مصر – وهو استعارة نصية حرفياً لعنوان كتاب منشور لعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين – لا أحد ينكرأن مصر لها ماض وتاريخ عريق في الثقافة والحضارة معاً، وكان لها ماض وحضور طاغ في الثقافة بمفهومها الشامل جملة وتفصيلاً.
أما المستقبل، مستقبل الثقافة في مصر، فقد كان مثار تساؤل وتحليل وتوجس وتخوف من قبل الكثيرين من رموز الفكر والتنوير في مصر..
ولعل الدكتور طه حسين في موضوع بحثه قد تعرَّض لقضايا عصره وأيامه التي عاشها قبل وبعد تصدره للمعارف العمومية وللثقافة في مصر في النصف الأول من القرن العشرين.. ولعل البحث كان امتداداً لمعارك العميد الفكرية والثقافية آنذاك، وهي فترة كانت فاصلة ونوعية في تاريخ الثقافة في مصر.
وقد تنبأ العميد بما يمكن أن تصل إليه الثقافة في مصر وهذا الانحدار في المشهد الثقافي الراهن .. وفي اللغة والفن وسائر نظم الحياة.
رأينا أقواما ليسوا علي شئ يقولون ويتقولون في كل شئ .. وأمست وسائل الإعلام المختلفة صحافة وإذاعة وتليفزيون تسير وتنطلق في سباق محموم لتحقيق السبق والهيمنة .. والتميز الحصري للفضائيات في امتلاك وحيازة البرامج الحوارية والأعمال الدرامية..
ولا زالت الكلمة المنطوقة تمثل عنصراً هاماً يتفوق بشدة علي الكلمة المطبوعة في الدول النامية ومن بينها مصر بالطبع.
أضف إلى ذلك أن الكلمة باتت مصحوبة بالألوان والصور والمؤثرات الصوتية والموسيقية والإيحاءات والتلميحات والتصريحات الضمنية وغير الضمنية .. مما يجعل لها أثر السحر على المتلقي …. وهناك أعمال أثرت في الأجيال التي عاصرتها مثل مسلسلات ” المال والبنون .. ليالي الحلمية.. رأفت الهجان.. الشهد والدموع.. فوازير عمو فؤاد ..وغيرها
ومن الأفلام: عمر المختار.. فجر الاسلام .. الشيماء .. شئ من الخوف .. رد قلبي ، ومن البرامج: العلم والإيمان للدكتور مصطفي محمود رحمه الله .. وخواطر الإمام محمد متولي الشعرواي رحمه الله وبرنامج حديث الروح للدكتور عبد الله شحاته رحمه الله .. وبرنامج عالم الحيوان للأستاذ محمود سلطان .. وبرامج مواقف وطرائف .. وعالم البحار للدكتور حامد جوهر رحمه الله.
والحالة السائدة الآن في الدراما التليفزيونية إلا ما عصم الله يمكن وصفها بالهابطة والمدمرة التي تستهدف تنشئة أجيال ناكرة لثقافتها وعروبتها .. متمرد علي كل ما هو أصيل من تقاليد وقيم راسخة. وأترحم علي أجيال قرأت لطه حسين والعقاد وباكثير ومحمد الغزالي .. وسمعت لأم كلثوم وعبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب.. وسعاد محمد وعبد المطلب ومحمد رشدي.
وخشعت للقرآن وهو يتلي بأصوات ملائكية.. للشيخ عبد الباسط عبد الصمد والمنشاوي ومحمد رفعت .. وفي الإنشاد .. نصر الدين طوبار .. والنقشبندي .. كانت فعلا أيام زاهرة وزاخرة بالعلم والفن والإيمان.. وأرخت في الوقت نفسه لحالة ثقافية مشرفة لمصر العربية .. وعكست ألوانا من الرضا والسرور .. والانتماء للحضارة المصرية والعربية والاسلامية .. أما أعمال فن اليوم فهي تسهم بقوة في إشاعة الإنحطاط الفكري والأخلاقي، وأمثلة ذلك عدد لا حصر له من الأعمال الدرامية التلفزيونية والسينمائية تحرض على التزييف والإنحطاط والدمار والعنف والخداع والخيانة والمكر والكراهية.
أصبحت بطولات القتل والعنف والإغتصاب والسرقة والخيانة والفجور وأساليب النصب والإحتيال.. نماذج قدوة للصغار والكبار على السواء.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.