مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

القصة القصيرة جدًّا العربية بين غاية القَصِّ و نخبويِّةِ القراءة ( مقال تفاعلي)

بقلم – عبد المجيد أحمد المحمود:

قد يهمك ايضاً:

درجَ كتَّاب و نقَّاد و منظِّري الققج و منذ نشأتها كجنس أدبي مستقل و معترف به و يشهد إقبالًا كبيرًا على وضع بعض الأسس الملزمة لهذا الجنس و من أهمِّها على الإطلاق ربما انفتاح التأويل للنص القصصي، و هنا يتبادر لدى المثقف العربي ممن يُقبِلُ على قراءة كافة أجناس الأدب و منها القققج عدَّة أسئلة:
1ـ ماذا نعني بهذا الكلام(انفتاح التأويل)؟
2ـ هل انقتاح التأويل حاجة أساسية في الققج أم يمكن أن نقبل قصصًا ذات مسار تأويلي وحيد تحت هذا الجنس؟
3ـ القصة ذات التأويل الوحيد الواضح هل هي ققج أم هي قصة قصيرة و لكن بكلمات قليلة؟
4ـ إذا اعتبرنا الأدب على الدوام بمثابة رسالة تقدم هواجس و أحوال المواطنين من كل الفئات فهل تستطيع الققج منفتحة التأويل على تقديم هذه الرسالة و هي عسيرة الفهم و تحتاج إلى فك طلاسمها في كثير من الأحيان؟ و عندما يكون التأويل منفتحًا بدون ضوابط ألا تضيع تلكم الرسالة التي أراد الكاتب إيصالها؟
5ـ بانفتاح تأويل النص القصصي ألا ترى أنَّ الققج هي أدب صالونات و ليس أدبًا شعبيًا يمكن للعامة تذوقه؟
6ـ ألا تجد تناقضًا بين تبريرات ظهور الققج في عصرنا هذا حيث أغلب المنظرين لهذا الفن يرون أنها نشأت من حاجة عصرية غايتها اختصار الوقت و قراءة قصَّة سريعة لا تستهلك و لا تضيع وقتي و تتماشى مع المشاغل الكثيرة لكل منا…ألا تجد تناقضًا كبيرًا بين هذا الكلام و بين موضوع انفتاح التأويل في النص القصصي الذي يحتاج من الخبراء حتى في هذا الفن أن يجلسوا لساعات طويلة لتقديم قراءة و تفسير و تأويل للقصة…ذلك الوقت الذي يمكن خلاله قراءة عدة قصص قصيرة مكونة من عدة صفحات، بل يمكن قراءة جزء من رواية أو فصل من مسرحية ربما، و بذلك تبطل إحدى الغايات الأساسية التي من أجلها برَّرَ الكثيرون ظهور و بروز هذا الفن…فماذا نحن فاعلون في هذه الإشكالية الكبيرة؟
7ـ ترى هل يمكننا أن نتساءل عن الغايات الأساسية من القص؟ و هل هي متوائمة مع ما يتطلبه عنصر انقتاح التأويل في الققج؟ و هذا هو مربط الفرس.
8ـ عندما نقارب بين الققج و قصيدة النثر يكمن هنا فارق واضح أن قصيدة النثر لا يمكن اتهامها بالنخبوية لأن المشاعر التي تحتويها و الصور الشعرية التي تكتنفها و ربما الموسيقا المرتشفة من عبق الكلمات تجعل الجميع يستطيع تذوق ذلك الفن و الانتشاء به حتى و لو يتم القبض على رهان ما يريده الكاتب…أما الققج فإنه لا يمكن للقارئ العادي أن يفهمها أو يشعر بأهميتها، و ربما يصفها بالساذجة و التافهة لأنها لم تقدم له جديدا و لم تضف له حديثا…و هنا نتساءل هل الفن النخبوي هو فن تراثي يمكن أن يعيش و يخلد في الذاكرة و تتذكره الأجيال أم هو فن مارق آني يتم التحول عنه لاحقا لأسباب كثيرة.
9ـ هل ترى في انفتاح تأويل النص منفذًا و مدخلًا لدمغِ النصوص بالغموض؟ و هل هناك نص منفتح التأويلات دون إبهام أو غموض؟ و ما هي الشعرة الفاصلة بين الغموض و التلغيز؟ و هل يمكن أن نقبل بالقصة اللغز؟
10ـ انفتاح التأويل يفسح المجال لظهور قراءات متناقضة أحيانا فعلى سبيل المثال قد يقرأ البعض في النص حبًّا فيما يقرأ الآخر كرهًا…فكيف سيشعر الكاتب عندما تأتيه هذه التأويلات و كيف يتصرف؟ هل يجامل على رسالة نصه و يقول إنَّ التأويلين قد أصابا كبد النص؟ و هل أنا كمتلقٍّ سأكون مقتنعًا بهذا الكلام؟
11ـ استخدام الرمز في الققج هل تراه يساعد على انفتاح التأويل؟ و إذا كانت الإجابة (نعم) ألا يجوز لنا التساؤل عن غاية و مقصدية حضور الرمز في الققج…ألا يستعين الكاتب باستحضار الرمز ليخدم فكرته التي أراد تقديمها…أي إنه يقصد غاية و هدفًا محددَّا من استخدام هذا الرمز لإيصال فكرة معينة بذاتها…و بالتالي هذه الغاية المحددة هل تتوافق مع انفتاح التأويل؟
12ـ أخيرا هل يكون انفتاح التأويل هو غاية بحد ذاتها أم هو تأثير ناجم عن أسلوب كتابي معين؟ فإذا كان هذا الغرض يحضر في ذهن الكاتب لحظة كتابة النص فلا بدَّ أن يحضر معه في ذات الوقت عنصر الغموض الذي قد يستحيل بتمادي الكاتب مع ذلك الغموض إلى تلغيز فج.
كل سؤال و ملاحظة من الملاحظات السابقة تمثل قَدْحًا لمقالة كاملة و طويلة لذلك أنتظر أن تكون مقالتي هذه تفاعلية لا إملاء فيها و لا توجيه، بل أخذٌ و ردٌّ و تفاعلٌ إيجابيٌّ يكونُ مبنيًّا على ملاحظات جمعية، فالققج برغم كل شيء هي جنس حديث بالطريقة التي تكتب بها الآن و لن يؤسس له سوى التواصل و التفاعل بين من يكتبون هذا الفن، فلا أحد يمتلك حق أن يقول إننا اكتفينا و توقفنا، و هكذا سُنَّةُ كل فن حديث…يبدأ بالظهور ثم تتلوه الدراسات و الملاحظات التي تشذبه و تنمقه و تلمعه حتى يصل إلى أنصع و أبهى صورة، و هذا هو المطلوب منا جميعًا الآن…فهذا الفن يتطلب جهود الجميع و لا يعترف بوصاية أو احتكار.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إذا ما نلاحظه من خلال تلك التساؤلات أنَّ الققج العربية بالصورة التي تكتب بها الآن و كما نشاهده على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، نلاحظ أن أغلب النصوص تميل إلى الغموض و تعدد القراءات(انفتاح التأويل)، مما يوحي بأنَّ هذه النصوص تحتاج قارئًا من طراز خاص، قارئًا متفرغًا يخصص ساعاتٍ ربما من وقته ليهضم النص على مهل ثم ينطلق وراء قراءة دلالية مستوحاة من معطيات النص: الكلمات، الجمل، التقطيعات، العنوان، القفلة، علامات الترقيم، و بالتالي هو يحتاج نخبة القارئين المثقفين، بل و ربما نخبة النخبة، و هذا ما يدعونا للتساؤل أيضًا
هل هذا الفن النخبوي يحقق غايات القص المطلوب أن يحققها أي سرد أو حكي طويلًا كان أم قصيرًا، مُسهِبًا شارحًا كانَ أم مكثَّفًا مختزلًا؟
فما هي العلاقية الجدلية بين غاية القص و نخبوية القراءة في الققج؟
لا بدَّ لنا أن نستذكر هنا الغايات الأساسية من القصَّ(أيِّ قصّ)…فنحنُ عندما نكتب فإننا لا نكتب لأنفسنا بل نحن نكتب لنرى تأثير ما نكتبه لدى الآخرين و انعكاسه على حياتهم و تعاطيهم مع الواقع حسب الشفرات المرسلة لهم من خلال كتاباتنا…لذلك فإنَّ هناك غاياتٍ من القَصِّ نحاول جاهدين أن نحققها و هي تتمثل في أغلب الأحيان في العناصر التالية:
– الرسالة من القصة فقصة بدون رسالة تصبح مجرد حكي فارغ من أية قيمة…لأننا دومًا نبحث من خلال كتاباتنا عن تقديم هاجسٍ ما يعرضُ مشكلةً ما.
– الهدف فلكل رسالة هدف و بدون وجود ملامح ذلك الهدف في النص يفقد جزءًا كبيرًا من قيمته.
– الإمتاع و التشويق و بدون هذا العنصر يفقد الحكي شغف المتابعة و اهتمام القارئ و بالتالي يصبح ما نكتب في عزلة عن الآخرين.
– البقاء و الخلود حيث أن كل فن يسعى أن يبقى في ذاكرة الناس و يرمي إلى أن يكون الشاغل الأكبر لهم.
– هناك هدف خاص بالققج و هو اختزال الوقت بالنسبة للقارئ، حيث أننا عندما نطالع أغلب ما قدمه المنظرون لهذا الفن نجد أنه كان بغاية تخفيف ضياع الوقت لدى المتلقي، فقراءة هذه الكبسولة الصغيرة لن يستغرق إلا ثوانٍ قليلة.
إذا وفقًا لهذه العناصر الخمسة الأساسية للقص علينا أن نبحث عن علاقة نص الققج كما يكتب حالياـ بالصيغة العربيةـ بهذه الغايات الأساسية مما يدعونا لنتساءل الأسئلة التالية:
ـ أين يقف نص الققج الذي تنفتح أبوابه على مصراعيها للتأويلات الكثيرة (خاصةً إذا ما اختلفت الرؤى حول ذلك النص بشكل كبير) أين يقف من غاية القص؟
ـ هل يحقق النص النخبوي غايات القص التي سبق ذكرها؟
ـ هل الفن النخبوي يمكن أن يتحول إلى فن شعبي يعيش في ذاكرة الناس العاديين كما الرواية أو القصة القصيرة؟
ـ إذا ما أجرينا مقارنة بين نصوص الققج الغربية و اللاتينية و النصوص العربية فأين سنجد الغموض أكثر؟ و هل تحتمل النصوص الغربية تأويلاتٍ عديدة قد تكون مغرقة في الغموض كما هي النصوص العربية.
إنَّه من الواضح أن كثرة القراءات للنص الواحد، مع تباين مغزى تلك القراءات و الاختلاف الجوهري الحاصل بين التأويلات المتعددة يفقد الققج شيئًا كبيرًا من غايات القص التي تم ذكرها سابقا، خاصةً أن بعض التأويلات تكون للأسف مجاملة للنص و تغرق في غموض و التباس أكثر مما يفعله النص الأصلي.
فهكذا نجد ضياع الرسالة فيضيع الهدف و يسقط الإمتاع و التشويق في بؤرة التلغيز المنهك للأعصاب و بالتالي تركن تلك النصوص على الرفوف ليعلوها الغبار فتغيب عن أعين الناظرين، و تسقط من الذاكرة سريعا و دون أن يطول عليها الأمد…اللهم إلا من محبي الشغب و التعب و لعلي هنا أستعين بنصين للكاتبة سعدية بلكارح و أترك مقاربة ارتباطهما بموضوع المقال لكم من خلال قراءاتكم لهذين النصين:
صورة مقلوبة:
جلس يسرد الحكاية والحضور سكوتٌ…
في غفلة، صار هو الحضورُ والحكايةُ تسرده…
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
غياب:
عاد مدججا بهدايا شتى..استقبلته لدى الباب تتعثر أحيانا وتجري أخرى…فتح ذراعيه..
مالت على الحقائب وتركت يديه معلقتين في الخواء…
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنطوان تشيخوف
روسيا
شاهدني رجل معمر جالسا قريباً من الحمامات المخصصة للسيدات على ضفة النهر فسألني عن السبب فأجبته: إنني هنا لأمنع الشباب من التطفل والتسكع..
قال في لاتو: – فلتكن هذه مهمتنا معا!
وجلس إلى جانبي وبدأنا نتحدث عن الفضيلة!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأمل
إيلين بلين
ماذا لو وجدت جرة مليئة بالليرات الذهبية يا أماه، وأنا أرعى الخراف عند ضفة النهر، وأنكش الأرض بعصاي؟
– إيه يا بني .. لقد مات والدك على هذا الأمل.