بقلم – رحو شرقى:
وأنا في حضرة الجدة يمينة رحمة ربي عليها ، خيل لي ؛ ان الذي آراه من سماع الحكاية حقيقة من الماضي تجلى على حاضري !..
مازلت بين السكوت والسكون متأرجحا ، حتى أستويت على منظر وكأنه قصر الاميرة ، شدني اليه بذهول …
قد صدق من قال ” العلم يبني بيوتا لا عماد لها ” كذلك الاخلاق … .
غادر زوجها الدنيا وترك لها مآسي الطفولة وصغيرها الرضيع ، فحلت بها حياة الشقاء ، كغيمة حجبت نجوم السماء ؛ بليل يطارد فلول نهارها …
ظلت تلك المسكينة تكد وتجد بإراقة عرقها ، في خدمة عائلة ممتدة الثراء بين باحة القصر والدور .
لتقسو عليها صاحبته ، كما يفعل الجلاد بالضحية !..
من اجل رغيف صغارها وغرائر الدقيق الذي يسد رمقهم …
اذا تعجلت للرضيع ، اخرتها نكرا ومكرا وفي كل مرة تنظر اليها تلك المقهورة نظرة تواري الغبطة والسرور وهي تقول : ” الفلك يدور ، الفلك يدور ” …
لم يمض على صاحبة القصر بِضعة أعوام ، حتى نزل بها مالم يكن في الحسبان …
توفي سيد القصر وتلاطمت ايادي عزوته على الميراث ، حتى اصبح وجه السيدة صامتا متحجرا ، لا تلمع فيه بارقة ابتسامة ولا قطرة بشاشة …
ان العهد الذي بين الاقوياء والضعفاء كسيف قاطع وغل شائع ..
اما تلك المسكينة البائسة وكأنها برّت بيمينها برّ الوفي بعهده …
فأصبح الرضيع الجائع العاري سيدا مع اخوته ، فمنهم المتعلم والتاجر ؛ كلهم ميسورو الحال …
واما صاحبة القصر عادت تخلو بنفسها وأنفض من حولها حتى الخدم !..
أصبحت وحيدة منقطعة ، لا ترى من حولها الا الشقاء .
بيع القصر وذابت الجواهر والتيجان وبقيت على العراء ، تبحث عن ما يعيل بقاءها .
في ذلك اليوم طرقت بابا عله يوفي المقصود …
تقدمت لها صاحبة البيت مذهولة وامسكت بطرف ردائها ، تحدق إلى وجهها طويلا ….طويلا….
ثم سألتها مابك ياسيدتي ؟.
فقالت لها : أطلب عملا وهي تمشي معها وتقص عليها مصابها …
حينها ، تذكرت تلك السيدة التي كانت خادمة لها ما عانته …
إن الزمن ليس له صديق حميم .
فلا مراد لعادية القضاء .
و ثارت في نفسها بكاءا شديدا ، حتى نسيت طارقة الباب مآسيها …
فالقدر كفيل بترجيح الموازين لأصحابها …
أبقتها في بيتها اكراما لحالها وشكرا لمخائل النعمة .
إن العجز على أن تكون اقوى ، هو الانتظار لمنال الضعفاء