بقلمي – رحو شرقي:
ذات مرة كان أبي يمارس لعبة النسيان ، في حقول التغافل …
سمعته يهمس في أذن صديقه قائلا :
” لم اعرف امرأة في حياتي سوى أم أولادي ” ..
حينها ، تعلمت أن الإخلاص طريق الخلاص …
وان الصدق سيد الفضائل..
وتعلمت أيضا أن أسجل اسمي مع الغائبين كي لا يفاجئني الزمن …
كلما تساقطت أوراق العمر أغـتـسل بالعطر لاستقبال الفراق ..
وأعلم أن الرحلة ستتوقف لكنها غير منتهية …
وفي طريقي إلى بيتي ………
شدني رجل ، تخبرك حالته قبل انفضاح اللسان …
سلمت عليه وطلبت الاستئذان ، وكأنه في انتظاري .
لذلك سأبقى صامتا ، ببساطة لا يؤمنون بالاختلاف …
وبدأ بالسؤال :
هلا أخبرتني عن مواعيد الغد ؟؟؟….
أجبته بروية :…..لا تحاول معرفة ظهور الأيام ، لم يخفها الله إلا لحكمة .
هي سعادتك !…
قال : ….أي سعادة أيها الشقي …
بعدها مسحت على كتفه داعيا له : …دعك من السيجارة ، أيها البائس .
فرد عليّ دعوتي وكأنه يملك معاجم الحياة ، كذلك الحياة مدرسة …
ثم قام ووجهه يكاد تحجبه ألسنة الدخان : ….دعني أتناول سيجارتي بشراهة ، كي أقسم أنفاسي بين النيكوتين والأكسجين …
وبدأ يضرب على يده حتى غص المكان بالصراخ مثل الفاقد للنفيس …
سأنتقم …والله سأنتقم …سأنتقم …
فهدأت من روعه : …….
أليس للبائسين جل الطيبة ؟؟؟…
أجابني بنظرته الشاخصة :….أبدا …
من بعض الذباب الذي يقاسمني فتات المتصدقين باحتقار … فأخذت نفسا عميقا : ….
….آه آه …حمدا لله لم يكن غير هذا …
وبعدها أضاف بأسف شديد:
ستمر …وتمر على أيامي …..على ربيع ليس زاهر………لن تجد القمح … وشتائي بارد ….. مزارعي تفتقد الثمار …البؤس يولد من الحرمان ، ليرعاه الشقاء .
فأجبته لأخفف عن حاله : ……كذلك أنا مثلك …
فرد عليّ : …….لا تقل لي أنت بائس ..
لم أتمالك نفسي حد القهقهة :
هاهاهاها هذه البسطة يغار منها الأمراء .
ثم غادرت الهزل بالجد مخاطبا إياه : …..حين يقدر الله لي بالرحيل ، لن يتذكرني أحد
لأني لا أملك سوى سيجارة وعلبة كبريت مكسورة العيدان …
في هذه الحياة ، المخلصون مدعوون على عزائم الافتراس …
سأعلن إفلاسي ، لأني لن أقدر على منحك السعادة ..
وحين تقع عيني على عينك بعد الآن ، أتذكر أني مجرد رقم في زمن الأزرار …
مغادرة رفوف الحياة ، راحة أبدية من هؤلاء الذين يتغنون بالإنسانية …
فقاطع الحديث بالسؤال : …..وهل ستغادر ؟؟..
فرددت عليه : ….تقصد الحياة ؟…
:……ليست بيد أحد …
:…..بل المكان …
وتركته يردد في ظهري : هذا هو مستقري الأخير، لتستمر الحياة …
ويستمر البؤس في مرافقة الشقاء .
” أيها البؤساء مثلي …ليس بيدي أن أمنحكم السعادة ، إلا هذه الحروف للاستئناس معكم ” .