مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

القدرة التنافسية الاقتصادية لمحطات الطاقة النووية

بقلم – الدكتور على عبد النبى:

بناء محطة للطاقة النووية يعتبر نموذج من مشاريع البنية التحتية الضخمة فى جميع أنحاء العالم، وهناك تحديات تواجه تنفيذ هذا المشروع ، فالتكاليف يجب أن لا تزيد عن ما هو مقدر لها وكذا فإن مدة التنفيذ يجب أن لا تزيد عن ما هو مخطط لها ، فإذا لم نستطع النجاح فى تحقيق ذلك ، فهذا يقلل من شأن المحطات النووية ويحد من قدرتها التنافسية الاقتصادية فى مجال توليد الكهرباء.

تختلف تكاليف إنتاج الكهرباء بإختلاف مصدر الطاقة “فحم أو بترول أو غاز طبيعى أو طاقة نووية أو متجددة” ، وتختلف التكاليف باختلاف الدول باختلاف نوع المحطة وقدرتها وكذا معامل السعة Capacity factor. ومعامل السعة هو مقياس لمدى تشغيل محطة توليد الكهرباء لفترة محددة من الزمن، ويعبر عنه كنسبة مئوية ، ويحسب بقسمة الانتاج الفعلى من الكهرباء على أقصى انتاج مقدر من المحطة خلال فترة زمنية، وهذه النسبة مهمة لأنها تشير إلى كيفية استخدام سعة المحطة بشكل كامل، ويختلف معامل السعة بإختلاف نوع المحطة والوقود، ومن المعلوم أن متوسط معامل السعة لمحطات الطاقة النووية أعلى من 90%، وهذا يدل على أن المحطات النووية تظل تعمل فى توليد الكهرباء لأكثر من 90 فى المئة من الوقت، وفى المقابل فإننا نجد أن متوسط معامل السعة للمحطات الأخرى (التى تعمل فى أمريكا) هو كالتالى : محطة فحم (تربينة بخارية) 60% ، محطة غاز طبيعى (دورة مركبة) 56% ، محطة رياح 33% ، محطة طاقة شمسية 25% ، محطة بترول (تربينة بخارية) 15% ، محطة غاز طبيعى (تربينة بخارية) 12% .

وسيظل الفحم غالبا الأكثر جاذبية اقتصاديا فى الصين وأمريكا وأستراليا حيث تتوفر مصادر للفحم وطالما لا يتم فرض غرامات على انبعاثات الكربون. فإذا ما أخذت في الاعتبار التكاليف الاجتماعية والصحية والبيئية للوقود الأحفورى نتيجة انبعاثات الغازات الدفيئة ، تحسنت القدرة التنافسية للطاقة النووية. فالطاقة النووية تستطيع المنافسة فى سعر الكيلووات ساعة مع الوقود الأحفورى فى توليد الكهرباء، إلا إذا كان هناك إمكانية مباشرة للحصول على الوقود الأحفورى وبأسعار منخفضة. كما أن المحطات النووية تكون قادرة على المنافسة بشكل كبير فى المناطق التى لا تتوافر فيها موارد أخرى للوقود الأحفورى – ولا سيما فى فرنسا حيث لا يوجد تقريبا أى إمدادات محلية للوقود الأحفورى.

بصفة عامة، فإن إنشاء محطة للطاقة النووية يكون أكثر تكلفة بكثير من إنشاء محطة مكافئة تعمل بالوقود الأحفورى وعند تقييم اقتصاديات محطات الطاقة النووية لابد وأن تؤخذ فى الاعتبار تكاليف تكهين المحطة وكذا تكاليف التخلص من النفايات النووية. والشركات عموما يتضمن عرض أسعارها تكلفة المحطة وتكلفة أول شحنة من الوقود النووى، وهى ما تسمى تكاليف “بين عشية وضحاها” Overnight cost كما لو تم الانتهاء من المشروع “بين عشية وضحاها ” ، فهى لا تشمل الفائدة المترتبة على القروض خلال بناء المحطة ، والتى عادة ما تعرف باسم الفوائد أثناء التنفيذ interest during construction (IDC). وعلى الرغم من أن التكاليف “بين عشية وضحاها” تعتبر بارامتر تدور حوله معظم النقاشات وعلى نطاق واسع، لكن هناك بارامترات أخرى ذات أهمية مماثلة فى حساب التكلفة الإجمالية لكل كيلووات ساعة من الكهرباء ، ومنها على سبيل المثال التكاليف الرأسمالية Capital Costs وموثوقية المحطة Reliability. وتقاس موثوقية محطات توليد الكهرباء عن طريق حساب معامل السعة.

تتطلب عملية تقييم اقتصاديات محطات الطاقة النووية النظر فى عدة جوانب ، وهى التكاليف الرأسمالية  Capital Costs ، وتكاليف تشغيل المحطة Plant Operating Costs (التى تشمل تكاليف التشغيل والصيانة ، وتكاليف الوقود والتى تشمل تكلفة الوقود وتكلفة إدارة الوقود المستخدم وتكلفة إدارة النفايات والتخلص النهائى من النفايات.) ، وكذا التكاليف الخارجية External Costs.

التكاليف الرأسمالية Capital costs  ، هى التكاليف التى يتحملها المالك خلال فترة إنشاء المحطة وتشمل تكاليف المعدات والأعمال الهندسية والعمالة، وتكاليف التمويل. وتكاليف “بين عشية وضحاها ” Overnight costs  ، هى التكاليف الرأسمالية لكن لا تشمل تكاليف التمويل المستحقة خلال فترة الإنشاء (بدون فوائد أثناء التنفيذ أو تصاعد أسعار)، ونسبة 80% من هذه التكاليف عبارة عن تكاليف الأعمال الهندسية والمشتريات والبناء Engineering , Procurement and Construction-EPC ، والتى تتكون من تكاليف مباشرة وتكاليف غير مباشرة .

قد يهمك ايضاً:

في النهاية، نحن بشر

أنور ابو الخير يكتب : مدرسة جبر الخواطر

التكاليف الخارجية External costs لا تدخل فى بناء وتشغيل أى محطة توليد كهرباء ، ولا يدفعها مستهلك الكهرباء، ولكن المجتمع عموما هو الذى يتحمل هذه التكاليف نتيجة الأضرار الواقعة على البيئة وعلى صحة الانسان من تشغيل محطات توليد الكهرباء ، والتى فى حالة الطاقة النووية عادة ما يفترض أن تكون صفرا. أما بالنسبة لمحطات الطاقة الحرارية والتى تعمل بالوقود الأحفورى فحينما تضاف تكاليف انبعاثات الغازات الدفيئة أو الغازات الأخرى والجسيمات التى تنطلق فى الغلاف الجوى نتيجة التشغيل ، فإن هذا من شأنه أن يحسن القدرة التنافسية الاقتصادية للمحطات النووية.

من الأخطاء الشائعة التى يقع فيها غير المتخصصين فى اقتصاديات الطاقة عند تحديد القدرة التنافسية الاقتصادية للمحطات النووية هو الاعتماد على سعر التعاقد وإجمالى قدرة المحطة ، وفى هذه الحالة تصبح المحطات النووية خارج حلبة المنافسة الاقتصادية. ومثال على ذلك ، فمحطة غاز دورة مركبة تتكون من 3 وحدات وبإجمالى قدرة كهربائية 14400 ميجاوات وبتكاليف مقدارها 7.33 مليار دولار تصبح أرخص من محطة نووية تتكون من 4 مفاعلات وبقدرة إجمالية 4800 ميجاوات وبتكاليف مقدارها 21 مليار دولار. والسبب لأن سعر الكيلووات من محطة الغاز هو 509 دولار ، وسيكون سعر الكيلووات من المحطة النووية هو 4375 دولار. فمن خلال هذه الحسبة البسيطة يعتقد البعض أن محطة الغاز أرخص من المحطة النووية وأن المحطة النووية غير ذى جدوى اقتصادية.

المقارنة الاقتصادية لمختلف الأنواع من محطات توليد الكهرباء تتم على أساس سعر الكيلووات ساعة ، فلابد وأن ننظر الى جميع التكاليف التى تم صرفها على المحطة طوال عمرها التشغيلى وهى تتضمن التكاليف الرأسمالية الاستثمارية Capital Investment Cost ، وتكاليف التشغيل والصيانة ، وتكاليف الوقود ، وتكاليف التخلص من النفايات وتكهين المحطة والتكاليف التمويلية والتى تتمثل فى تكاليف تصاعد الأسعار ورسوم الفائدة المطبقة على الدين ومضاف إليها قيمة الرسوم. ثم من حساب كمية الطاقة الكهربائية التى انتجتها المحطة بالكيلووات ساعة على مدى عمرها التشغيلى ، نستطيع معرفة تكاليف الكيلووات ساعة وهو “دولار / كيلووات ساعة” ، وطريقة الحساب هذه تسمى التكاليف المساواة Levelized cost .

يختلف سعر الكيلووات ساعة الناتج من محطة نووية من بلد الى بلد ومن موقع الى موقع ومن محطة الى محطة ومن نوع محطة الى نوع آخر. وقد نشرت دراسة من منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية OECD عن سعر الكيلووات ساعة لبعض الدول لعام 2015 وعلى أساس  5٪ معدل خصم وهى غير متضمنة التكاليف الخارجية ، كالآتى :

بلجيكا “نووى 6.6 سنت/كيلووات ساعة – غاز دورة مركبة 10.4 سنت/كيلووات ساعة” ، فرنسا “نووى 6.5 سنت/كيلووات ساعة – غاز دورة مركبة 9.5 سنت/كيلووات ساعة” ، المجر “نووى 7.0 سنت/كيلووات ساعة – غاز دورة مركبة 9.9 سنت/كيلووات ساعة” ، اليابان “نووى 7.4 سنت/كيلووات ساعة – غاز دورة مركبة 13.6 سنت/كيلووات ساعة” ، كوريا الجنوبية “نووى 3.4 سنت/كيلووات ساعة – غاز دورة مركبة 12.0 سنت/كيلووات ساعة” ، الصين “نووى 3.5 سنت/كيلووات ساعة – غاز دورة مركبة 9.1 سنت/كيلووات ساعة” ، الولايات المتحدة الأمريكية “نووى 6.5 سنت/كيلووات ساعة – غاز دورة مركبة 6.3 سنت/كيلووات ساعة” .

مما سبق يتضح أنه عند معدل خصم 5٪ كما هو مبين أعلاه أن النووى هو الأرخص من الغاز فى جميع البلدان باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية. وبذلك تتنافس الطاقة النووية فى سعر الكيلووات ساعة مع المصادر الأخرى (الوقود الأحفورى) فى توليد الكهرباء، إلا إذا كان هناك إمكانية مباشرة للحصول على الوقود الأحفورى وبأسعار منخفضة جدا.

وفقنا الله الى ما فيه الخير لشعب مصر ، والله الموفق.

 

اترك رد