بقلم – فتحى بدر:
في صباح اليوم التالي عاد حمدان الي روتين حياته اليومية، لكن بروح جديدة فصوت الطفل فريد شد من ازره وكأن الشباب في أوجه.
مبكرا خرج حمدان ممتطيا ظهر بغلته البيضاء وقد اسرجها كما تسرج الخيول عليها خُرج فيه أدوات صنعته، فلديه عمل مؤجل من قبيل ولادة ابنه فريد، بالقري القريبة عدد من السواقي التي تحتاج الي تعمير واصلاح.
وفي الدار العامرة كانت شقيقات فريد يتسابقن في حمله وهدهدته والنظر في وجهه، كدن ان يتشاجرن علي الاسبقية والوقت في حمله، خرجت الجدة “ست الدار” علي عكازها من باب غرفتها فوجمن يتصنعن الهدوء، بصوت شديد “ايه يا بنات من اولها كده هاتك يا خناق” غدا ستكبرن ويأتي الخاطبون وتتزوجن وتصبحن أمهات وتشبعن من العيال وضوضائهم، ابتسمت الجدة، ثم قالت الدور علي الكبيرة هي من ترعي اخيها وتساعد امها في شئونه حتي تتجهز لتصبح زوجة فضلي وأم رؤوم، اما الاثنتين الأصغر فيساعدن من بعدها، تنادي الجدة “بت يا (صُبح) …. شيلي اخوكي فريد، ربنا يبارك لكم في اخوكم ويجعله عزكم وسندكم”
وقبيل الظهيرة عاد حمدان أسعد مما بكر في الصباح، وبينما يعقل بغلته لمح علي طريق العزبة ركب عديد دقق النظر فتوسم أن يكونوا اهل زوجته قد علموا بقدوم فريد وأتوا ليحتفلوا، اقترب الركب فتهلل حمدان ومد الخطي ليستقبلهم، يا أهلا يا أهلا بأعز الحبايب وخير الاهل، تنطلق الزغاريد من الركب ومن دار حمدان، جاء الحاج أحمد البيلي يهنئ ابنته وزوجها علي المولود الذي طال انتظاره، مصطحبا معه زوجته “أنجة” هانم واولاده وزوجاتهم، وقفت “ست الدار” في وسط الدار ترحب بضيوفها بادية الصلابة والقوة، حتي تبدو ست الدار بمعني الكلمة وصاحبة الكلمة العليا، تصدر أوامرها بلهجة حازمة باعداد مخادع للضيوف وتجهيز الغذاء، وسار الوضع في انتظام وكأنها خلية نحل.
وبعد الغذاء هطلت الأمطار بغزارة، فرفع الجميع كف الدعاء اللهم بشري خير اللهم حوالينا لا علينا اللهم اسق الزرع واملأ الضرع، وذهبوا ليقيلوا بمخادعهم، وقد كان المطر قد اخذ في الانتهاء.
استيقظوا علي صوت المؤذن ينادي لصلاة العصر، خرج الرجال يؤدون الفرض، بينما اشار الحاج أحمد انه لا مبيت سوف يعودون للبندر اليوم تاركين “أنجة” هانم لترعي ابنتها فترة النفاس، ومع تمسك حمدان وزوجته جلثوم وكذا “ست الدار” لكن الحاج أحمد تعلل بتجارته ومخازنه التي قد يصيبها المطر، عقب الصلاة قبل الحاج احمد جبين جلثوم وقبل وليدها واعطاها خمسة جنيهات ذهبية ثم انطلق الركب نحو البندر مودعا “عزبة الفرماوي”.
بعد تناول العشاء وصلاة العشاء قال حمدان لينصرف الصغار الي مخادعهم ودعي اشقائه ووالدته وأنجة هانم علي حجرة المضيفة، اخذت الدهشة الجميع ماذا يريد أن يقول حمدان، أهناك سر.؟ لعله خير؟، قال حمدان صلوا علي نبينا المختار، صلي الجميع علي النبي وزادوا بالتسليم، ثم قال كنت في كفر المنشاوي أعمر ساقية للحاج عبد العزيز خلاف وهو من أعيانها والشوكة الوحيدة أمام عمدتها “إمام أبو نار” وبعد ان استلمت منه أجر إصلاح الساقية دون مساومة، طلب مني أن يشرب الشاي عندنا فقلت له بك نتشرف وتعجبت، وهو لمح في عيني التعجب، فقال يا سيد حمدان خير لنا ولك وطالبين القرب منكم.
يريد ان يزوج احد ابنائه من احدي بناتنا، فماذا رأيكم ؟، قالت ست الدار الرأي رأيك والشوري شورتك اللي تقول عليه، وبيت خلاف من خير بيوت الناحية أصل وفصل وأمارة.
قال حمدان علي بركة الله، ننتظر قدومهم يوم الخميس القادم كما اتفقت مع الحاج عبد العزيز
بعد يومين أتي الخميس وأتي الحاج عبد العزيز واخوته وابنه يوسف، كانت “صبح” هي اكبر بنات حمدان وبالتالي هي الموعودة بهذا الخاطب الذي اتي، تلك البنت ذات الاربعة عشر ربيعا التي كانت لتوها تلهو مع اطفالها، اخذ النساء يجدلن لها شعرها ويقرصن خدودها، ويداعبنها ضاحكات، دخلت صبح حجرة المضيفة حاملة صينية الشاي دون ان ترفع بصرها عن خطوتها وما ان وصلت الي الطقطوقة حتي وضعت الصينية من يدها وفرت كأنما تجري من أسد، ابتسم الرجال ووضع يوسف عينيه في الارض، فنكزه احد اعمامه “الرجالة ما بتتكسفش يا عريس” يوسف بالكاد يبلغ الثامنة عشر من العمر يرعي ارض والده ومواشيه مع اخوته، لكنه كان سمح الطباع حسن الوجه قليل الكلام.
قرأ الجميع الفاتحة ثم شرعوا في التفاصيل، فقال الحاج حمدان لا طلبات انتم زين الناس، واحنا علينا الجهاز من الالف الي الياء، قال الحاج عبد العزيز ونسبكم شرف واحنا بالغالي والعالي نلاقيكم، مهر بنتك يا حمدان عشرين جنيه غير شبكتها هدية ، ايه قولك، قال حمدان نقرا الفاتحة.
ثم اتفقوا علي تحديد موعد الزفاف بعد حصاد القمح، وشبكة العروس الاسبوع القادم، اشار حمدان من وراء باب المضيفة، فاندلعت الزغاريد تتباري النسوة في ترديدها، ودخلت صواني عليها اكواب شراب الفراولة، ثم استأذن آل خلاف بينما أهل العزبة يتسابقون يباركون لحمدان ولآل خلاف.
إيه يا جلثم…. ربك كريم وكافئنا علي الصبر ، يأتي فريد وتخطب صبح في اسبوع واحد ، اللهم اكفنا شر الحاسدين هذا ما قاله حمدان لجلثوم، تبتسم جلثوم تحمد الله وتشكره علي فضله، بينما حمدان يداعب صغيره فريد ويقبله … يا وش السعد يا اخو العروسة.