العهدة المحمدية
بقلم – القس بولا فؤاد
فى ذكرى المولد النبوى الشريف أتقدم بخالص التهنئة إلى إخوتى المسلمين الأعزاء شركائى فى الوطن العزيز مصر الغالية.
فكل عام ورئيسنا المحبوب وكل الشعب المصرى بخير ومحبة وسلام ووئام.
فى هذه الذكرى نتذكر العهدة المحمدية التى ارسلت إلى رهبان دير سانت كاترين وكانت محفوظة فى الدير حتى سرقها المحتل العثمانى ووضعها فى متحف قصر توب كابى ( الباب العالى) فى إسطنبول وموجود منها نسخه فى دير سانت كاترين بسيناء. وهى وثيقة المفروض أن يتم تدريسها من الصف الاول الابتدائى فى كل الدول ذات الأغلبية المسلمة وان تعلق منها نسخه فى كل جامع خاصة فى هذه الأيام، وأن تذاع فى الاذاعة ووسائل الإعلام.
أرست هذه الوثيقة مبادئ احترام الأديان وحماية المقدسات وأماكن العبادة ودعت المسلمين للمحافظه عليها والمساهمة فى ترميمها وصيانتها.، حيث حددت الوثيقة أنواع دور العبادة المسيحية في مصر ( لا يغير أسقف من أسقفيته، ولا راهب من رهبانيته، ولا حبيس من صومعته) ويقصد بالأسقفية أو الكاتدرائية الكنيسه الكبرى التى تشرف على مجموعه كنائس والمطرانية الخاصة هى الأديرة والصومعة هى القلاية التى ينقطع فيها الراهب وحيدا للعبادة.
وقد وضعت الوثيقة أسس الحماية للمقدسات المسيحية والمساعدة فى ترميمها بمنع التعدى عليها أو هدمها أو الأقتراب من سلامتها بأى شكل من الأشكال بأن يحظر على المسلمين إستخدام احجارها فى بناء مساجد أو بيوت ولا يهدم بيت من بيوت كنائسهم وبيعهم ولا يدخل شئ من بناء كنائسهم فى مسجد ولا فى منازل المسلمين، وقد أشارت العهدة لسبب ذلك فى جملة أخرى ( ويعاونوا على مرمة بيعهم وصوامعهم ويكون ذلك معونة لهم على دينهم).
وقد كتبت بخط على بن ابى طالب فى مسجد النبى وشهد بهذا العهد صحابة الرسول ومنهم ( أبو بكر بن ابى قحافة، عمر بن الخطاب، عثمان بن عفان، على بن ابى طالب، عبدالله بن مسعود، العباس بن عبد المطلب، الزبير بن العوام).
أظن أن هذه الوثيقة واضحة وضوح الشمس ولا تحمل أي تأويل أو فتوى،.
هذه العهدة ليست فقط لرهبان دير سانت كاترين ولكن أيضا إلى المسيحيين فى كل مكان وزمان، وهى أمر واضح وصريح لكل المسلمين فى كل مكان وزمان باحترام المسيحيين وعدم ايذائهم بأى شكل ومساعدتهم على الحفاظ على كنائسهم وأيضا ترميمها وإصلاحها.
ولابد أن نعرف أن كل من يقول بغير هذا فهو غير مسلم أصلا حتى ولو كام مسلما اسما.
نقول لكل جاهل وتاجر دين ومتعصب إرجع إلى الوثيقة المحمدية، وإرجع إلى كيفية التعامل مع أهل الكتاب.
فمن هم أهل الكتاب؟
هم اليهود والمسيحيين أصحاب التوراة والأنجيل لهم أحكام تخصهم مختلفة عن أحكام المشركين، فيجوز الأكل من ذبائحهم، فنجد تعامل النبى مع اليهود فكان لا يظلمهم ولا يسلب حقوقهم، ونظم علاقة المسلمين باليهود عند هجرته من مكة إلي المدينه ووضع لهم وثيقة من أهم بنودها :
١،- الحق فى الحياه. ٢- الحق في إختيار الدين. ٣- الحق فى التملك. ٤- الحق فى الحماية والدفاع. ٥- حق العدل فى المعاملة ورفع الظلم.
تعامل النبى مع اليهود فكان يزور مريضهم وكان يقبل الهدية منهم ولا يردهم، كان يصفح ويعفو عنهم مثال ذلك.. عندما قدمت المرأه اليهوديه الشاه المسمومة لم يأمر بقتلها ولم ينتقم منها، وكان يتعامل معهم فى الأمور الماليه وكان لا يرفض أن يشترى منهم.
هذا كان تعامل الرسول مع اليهود الذين قيل عنهم ” لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا” ( سورة المائدة ٨٢).
وأما عن تعامل الرسول مع المسيحيين الذين قيل عنهم ” لتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وإنهم لا يستكبرون” ( سورة المائدة ٨٢)
كان للمسيحيين الحق فى ممارسة شعائرهم الدينية وعدم إكراههم فى الدين (لا إكراه في الدين )
و من امثلة ذلك :
١- المعاهدات مع مسيحى نجران ومسيحى جرباء حيث يأمنون فيها على أنفسهم وأموالهم من الأعتداء.
٢- اعترافه بالصفات الحسنة عند المسيحيين مثل النجاشى ملك الحبشة فقد طلب من أصحابه طلب النصرة واللجوء إليه وهو مسيحى وأخبرهم بأنه ” ملك عادل”
٣- وفى عام الوفود قدم وفد من مسيحى نجران وأتاح لهم النبى إقامه شعائرهم الدينيه فى مسجد النبى.
٤- جاءت السنه النبويه بمنع هدم الكنائس والأعتداء عليها.
وأننى فى عجب من هؤلاء الذين قاموا بأعمال إرهابيه ضد الأقباط مثل حرق الكنائس وهدمها كما حدث عقب فض إعتصام رابعة وأحداث يناير.
إن اساس علاقة المسلمين مع غير المسلمين فى قوله تعالى ” لا ينهاكم الله عن اللذين لم يقاتلونكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين” ( الممتحنة ٨).
فالبر والقسط مطلوبان من كل مسلم تجاه كل الناس.
القرآن ينهى عن مجادلة أهل الكتاب إلا بالحسنى ” ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتى هى أحسن ” ( سورة العنكبوت ٤٦).
وصية الرسول عن الأقباط:
الأقباط لديهم شأن خاص ومنزله متميزة فقد أوصى الرسول وصية خاصه يعيها عقل كل مسلم ويضعها فى قلبه فهناك أحاديث عن الرسول لأقباط مصر منها. أنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط وأستوصوا بأهلها خيرا فإن لهم ذمة ورحما، وقوله ” فأستوصوا بهم خيرا فإنهم قوة لكم وبلاغ إلى عدوكم باذن الله”
يعنى قبط مصر ( رواه ابن حيان في صحيحه).
قال رسول الله،” من ظلم معاهدا أو أنتقصه حقا أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس منه فأنا حجيجه يوم القيامه” ( رواه ابو داود والبيهقى)
وقوله أيضا” من أذى ذميا فأنا خصمه ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامه ” ( رواه الخطيب باسناد حسن).
وقوله أيضا ” من أذى ذميا فقد أذانى ومن أذانى فقد أذى الله ” ( رواه التبرانى فى الاوسط باسناد حسن).
وقوله” من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وأن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما ” ( رواه أحمد والبخارى).
وحين رأى الرسول عمه حمزه وقد بقرت بطنه ومثل به أسوأ تمثيل هو وبعض الصحابة بكى وغضب وعزم على أن ينتقم ويمثل بسبعين منهم إن مكنه الله منهم فنزلت الآيه الكريمه ” إن عاقبتم فعاقبوا بمثل ماعوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ” ( النحل من الآيه ١٢٦).
وقوله ” المسلم من سلم الناس من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه،” ( رواه أحمد من حديث عبدالله بن عمرو).
وقوله أيضا ” المسلم من سلم الناس من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم،” ( رواه أحمد من حديث أبى هريره).
كلمه أخيره
ونحن نحتفل بالمولد النبوى هل الذين يقومون بأعمال إرهابيه وتفجيرات وسفك دماء فنج أشلاء ضحايا و موتى ودموع منهمرة وامهات وآباء حزانى و زوجات أرامل و أبناء يتامى… مشاهد أصبحت شبه متكررة ، هل مثل هذه الأعمال مقبولة من الله ورسوله ؟! الإجابه بالطبع لا، فالرسول قال فى حديثه ” لا يكون المؤمن لعانا” ( صحيح الترمزى).
هنا حث المؤمن على ألا يكون لعانا وهذا الفعل يكون باللسان فما بالك بسفك الدماء وأعمال العنف وقتل الأنفس… وغيرها. ” أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكانما احيا الناس جميعا “.
أوجه سؤالى إلى كل إرهابى وسافك دماء هل دينك يدعوك إلى هذا؟!
إعلم أنك مرآه لدينك ( في تصرفاتك وأخلاقك).
وتذكر أن الرسول وقف عندما مرت جنازه فقيل له : أنها جنازه يهودى فقال” اليست نفسا ” ( رواه البخارى)
بقلم القس بولا فؤاد راعى كنسية مار جرجس بالمطرية