مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

العلاقات العربية الأمريكية تواجه “خطيئة” ترامب بشأن القدس

كتب – محمد صبحي:

المحصلة تشير إلى أن مساحة التحرك العربي ضد قرار “ترامب” تبدو – للأسف الشديد- محدودة، وأن الأمر ربما لا يتجاوز بكائيات عربية جديدة سواء في وسائل الإعلام أو حتى على المنابر الدولية، فيما لا تسمع الآذان الأمريكية سوى الصوت الصهيوني.

ربما كانت كل تقديرات المواقف العربية، تشير إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، سيسير على خطى سابقيه، فيما يتعلق بتأجيل تنفيذ قرار نقل سفارة بلاده إلى القدس، وربما راهنت تلك التقديرات على إدراك المؤسسات الأمريكية لخطورة مثل هذا القرار وتداعياته الكارثية على العلاقات العربية الأمريكية، وهو ما كان يكبح حكام البيت الأبيض السابقين عن ارتكاب تلك “الخطيئة” بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وإطلاق الرصاصة الأخيرة على عملية السلام العربية الإسرائيلية، حتى وإن كانت تلك العملية فارغة من المضمون لسنوات طويلة.

لكن ما لم تضعه تقديرات المواقف العربية في الاعتبار هو أنه لا يفكر بعقلية السياسي القادر على حساب تداعيات المواقف، وإنما يتعامل بعقلية التاجر الذي يبحث عن أعلى ربح، حتى ولو كان قصير المدى، لذلك قرر اتخاذ قراره “المتهور” بصورة وضعت حتى أقرب حلفائه بالمنطقة في حرج بالغ أمام الشعوب العربية الغاضبة، ولم تدع لهؤلاء الحلفاء أية فرصة لتبرير تلك الحماقة، أو حتى التخفيف من وطأتها، الأمر الذي يمثل إضرارا غير مسبوق بالمصالح الأمريكية وعلاقاتها العربية لسنوات طويلة مقبلة.

قد يهمك ايضاً:

«رائد» تستعرض جهود المجتمع المدني العربي لدعم مبادرة…

وزيرة البيئة تناقش مع وزير الدولة البريطاني لأمن الطاقة …

والحقيقة أن كثير مما كتب وتداولته التحليلات السياسية المنتشرة هذه الأيام عن خطورة القرار، ورمزية اتخاذه تزامنا مع مئوية وعد بلفور(1917)، واعتبار قرار ترامب جريمة تاريخية جديدة بحق الشعب والقضية الفلسطينية، صحيح، بل أكثر من ذلك فإن القرار الأمريكي إنما يصب بصورة تدعو للدهشة والاستغراب في خدمة قوى التطرف على الساحة العربية والإسلامية، بعدما أظهرت الأنظمة التي توصف بالاعتدال في الشرق العربي في مظهر العاجز عن التصدي لهذا القرار الأحمق، وأنها أضعف من أن تقوم بالضغط على “سيد البيت الأبيض” ليراعي علاقاته مع تلك الأنظمة، أو يتحسب لغضبتها، إن كانت قادرة على الغضب، أو حتى يضع في الاعتبار تأثير قراره على مستقبل استنزافه لثروات المنطقة، وأموال دولها الغنية، التي حصل على المئات من ملياراتها خلال زيارته الأخيرة بداعي دعم تلك الدول في مكافحة الإرهاب، فضلا عن أن ترامب بقراره المشئوم، منح تنظيمات التطرف والإرهاب فرصة نادرة لاستغلال الغضب العارم لشرعنة وجودها وتقديم نفسها على أنها القادرة على التصدي للهيمنة الغربية الأمريكية، أو على الأقل الإضرار بمصالحها في المنطقة، عبر النيل المباشر منها، أو غير المباشر من خلال استهداف حلفاء واشنطن بالمنطقة.

وإيزاء القرار الأمريكي، تبدو خيارات الدول العربية في مواجهته متنوعة، لكن مساحة اتخاذ القرار بشأن تنفيذ تلك الخيارات محدودة، فالعلاقات الرسمية العربية الأمريكية تبدو غير قابلة للتضحية بها في هذه المرحلة، فضلا عن أن خيارات التصعيد من جانب الحكومات بعيدة عن منطق الأحداث، في ظل ما تعانيه دول المنطقة من أزمات سياسية واقتصادية، فضلا عن انكشاف غير مسبوق للأمن الإقليمي العربي أمام قوى إقليمية غير عربية، وبالتالي لا يوجد من فائض القوة والاستقرار العربي، ما يدعم خيارات التصعيد، باستثناء زيادة حدة نبرة البيانات المنتقدة للقرار، أو السماح بمساحة أوسع للفعاليات الشعبية المناهضة للقرار.

وبموازاة الخيارات الرسمية المحدودة، تبدو أيضًا الخيارات الشعبية العربية في موقف لا تحسد عليه، فسلاح المقاطعة الذي كان فاعلا وقادرا على التأثير الحقيقي في المصالح الأمريكية والغربية بشكل عام، جرى إضعافه على مدى عقود حتى باتت إعادة إحيائه بحاجة إلى جهد كبير وعمل مضنٍ لا يبدو أن مؤسسات المجتمع المدني العربية ومنظماته السياسية قادرة على القيام به، فضلا عن صعوبة – إن لم يكن استحالة – الحديث عن سحب استثمارات عربية من الولايات المتحدة.

بل إن خيار دعم انتفاضة فلسطينية شاملة في مواجهة القرار، تبدو محفوفة بالكثير من العقبات في ضوء توافق فلسطيني هش بين الفصائل الرئيسية، وغياب حاضنة عربية إقليمية داعمة لمثل هذه الانتفاضة، نتيجة حالة الاهتراء والاحتراب التي تعيشها العديد من المجتمعات العربية التي كان يمكن أن تكون فاعلة في هذا المضمار، وانشغالها بهمومها الداخلية، بل إن قدرة جماعات المقاومة الفلسطينية المسلحة على تنفيذ عمليات نوعية ضد إسرائيل صارت أكثر تعقيدا لارتباطها بحسابات إقليمية متشابكة تختلف كليا عن زمن الانتفاضتين السابقتين.

 

اترك رد