العبد والعبيط والحكيم.. قصة قصيرة للكاتب خالد الحديدي
العبد والعبيط والحكيم
قصة بقلم الكاتب/ خالد الحديدي
هل يفعل العبد شيئا الا ان يشكو ؟ .. لقد ظل يبحث في الناس عمن يستدر منهم الرحمة على حاله ويواسونه في بلواه…
وفي يوم ما قابل العبد رجلا حكيما ، واخذ يحكي له ما يلاقيه ، والدموع على خديه تسيل ، وبكائه يكاد يفطر القلوب.
– سيدي .. هل تعرف اي حياة أعيش؟ .. اني أعامل كالكلاب .. اني أكل وجبة واحدة كل يوم .. وجبة من أعشاب الارض قد تأنف من اكلها الخنازير .
فقال الرجل الحكيم مواسيا :
– ان هذا أمر سيئ
فرد عليه العبد وقد انتعشت نفسه بالمواساة:
– الم اقل لك يا سيدي ان هذا أمر سيئ .. اذن فلتعلم يا سيدي ايضا اني اعمل كالثور جل الليل وطول النهار .
فقال الحكيم متنهدا في اشفاق ، والدموع تكاد تطفر من عينيه
– يا حرام .. يا حرام!
فقال العبد في نغمة من وجد اخيرا شخصا يواسيه:
– ارأيت يا سيدي ؟ .. اني لا استطيع ان احتمل اكثر من ذلك.. لابد ان تجد مخرجا .. ولكنى لا اعرف كيف؟!
فقال الحكيم مستلهما منابع الحكمة :
– لا شك ان الأمور ستتحسن..!
– هل تظن ذلك ياسيدي؟..
ليته يكون !.. ها أنذا قد حكيت لك حياتي ياسيدي ، فواسيتني وشملتني بعطفك ورحمتك .. اني أشعر الآن بالتحسن .. ان هذا يدل على ان العدل مازال يأخذ مجراه في هذا العالم.. !
ودارت الأيام …
وقابل العبد رجلا عبيطا .. واخذ يبثه شكواه .. ويسترحمه على بلواه .. وبين الدموع قال:
– هل تعرف .. اين أعيش ؟ .. عشة قذرة انتن من حظيرة الخنازير .. ان سيدي الكبير لا يعاملني كإنسان .. انه يعامل كلبه افضل مني عشرة آلاف مرة!
– يخرب بيته ! .. وكيف تسكت..؟
– اسمعني ان كوخي حقير .. حقير جدا وتحت الارض في بدروم .. بارد جدا ورطب للغاية.. أعيش فيه أنا واكثر من مائة ألف بقة .. ينهشون جسمي ويعضون لحمي كأن لم يكفهم الحيطان والخشب .. الجو في كوخي مكتوم لا هواء فيه ولا نافذة هناك تدخل نسمة واحدة ترد اليك الروح …
– يخرب بيتك .. لماذا تسكت ؟ لماذا لم تطلب من سيدك أن يفتح لك نافذة؟
– وكيف أجسر؟!
ولأن الرجل كان عبيط ، فقد جذب العبد من يديه وهو يصيح بأعلى صوت ممكن:
– لا .. فلترني القبر الذي تعيش فيه .. كيف يكون بلا نافذة؟
وعندما وصل الاثنين الى الكوخ ، تقدم العبيط وأخذ يحفر الحائط، فهب العبد مذعورا وصاح :
– ما هذا الذي تفعله؟
– افتح لك نافذة .. الا ترى؟!
– هذا مستحيل .. ان سيدي سوف يعاقبني!
– فلتدعه.. لابد أن تفتخ لك نافذة..
واستمر العبيط في الحفر .. ولم يجد العبد بدا من أن يصرخ عاليا ويبكي ويلطم خديه:
– ألحقوني .. ألحقوني .. لص يهدم البيت .. أسرعوا والا انهدم الحائط!
ثم أرتمى العبد على الارض وهو يبكي ويندب .. وجاء عبيد كثيرون وابعدوا العبيط .. ثم جاء أخيرا وئيد الخطى السيد الكبير ..
فقام العبد من الارض وانحنى .. وقال وشفتاه على وشك أن تذوبا من حرارة الاحترام:
– لقد جاء لص شرير اراد أن يهدم الدار ! فصحت عاليا وجمعت الرفاق .. ثم طردناه سويا..
فهز السيد الكبير رأسه وقال:
– لقد أحسنت!
وكان الناس قد تجمعوا ليروا ما يدور .. وكان بينهم الرجل الحكيم .. فتقدم اليه العبد مزهوا يقول:
– أرأيت يا سيدي ؟ .. لأني قد جعلت نفسي مفيدا فقد ظفرت بثناء سيدي الكبير .. عندما قلت لى في الماضي لا شك أن الأمور ستتحسن .. كنت تقول الحق وتنظر الى بعيد..
فهمهم الحكيم في سرور:
– هذا صحيح .. هذا صحيح!