مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

العباءة

بقلم – عبد الله بير:
– هذه العباءة نتوارثها أباً عن جد في عائلتنا يا ولدي ، إنها رمز الهيبة و العظمة و السلطة .
بدأ احسان يتحدث إلى ابنه تحسين وهو يقلب و يفتش في العباءة . كانت عباءة مهترئة ، مرقعة بأنواع مختلفة من الرقع ، مخيطة في أماكن معينة بخياطة رديئة ، و كانت بمجملها خرقة بالية لا تنفع لشيء بتاتاً . كان احسان مهتماً بها لأقصى حد و سعيداً جداً بها لدرجة أنه كان يضحك مع نفسه و يقبلها تارةً و يشمها تارة أخرى. حتى إنه كان يقلب بها و كأنه عثر على كنز ثمين جداً أو دخل كهف علي بابا . لما جرب العباءة في اول وهلة كانت ضيقة عليه بحيث لا يستطيع تحريك نفسه فيها، لا أن يجلس و إذا جلس لا يستطيع أن يقوم مرة أخرى ، لذا فكر في اجراء تغيرات فيها لتكون مناسبة له ، وقال محدثاً نفسه :
– الكمّان قصيران و ضيقان يجب اطالتهما و اضافة قطعة من القماش لكل كم كي يكون مناسباً ، في الظهر تحتاج إلى اضافة قطعة كي تكون أوسع قليلا و تكون أكثر راحة ، الياقة مرقعة بقماش رخيص استبدلها بأخرى راقية لأنها ستبقى عندي للأبد ، حالما البسها لن اخلعها ابداً مهما كان ، ستكون مناسبة لي و لن اعطيها لغيري .
من كثرة ما قلبّ فيها ، صدفةً دخل أحد اصابعه في الفتحة التي احدثها نصل السكين الذي أنهت حياة صاحب العباءة ، فنظر إليه من طرفي العباءة ، تغيّرت ملامح وجهه و احمرّ فجاءة ، لكنه لم يقل شيئاً إنما رُسمت ابتسامة غريبة على شفتيه ثم صفّرَ لتشتيت انتباه ابنه الذي يراقبه .
قال ابنه :
– هذا فتحة نصل السكين الذي قتلت بها جدي اليس كذلك؟
فأجاب احسان بهدوء :
– نعم ، نعم إنها هي .
فأضاف تحسين :
– هناك فتحات اخرى ، يبدو أنها بعضها قد خيطت.
فأجاب الأب :
– اجل ، اجل إنها فتحات أخرى ، نصال أخرى .
اضاف ذلك وهو يحاول خياطة الفتحة :
– إنها عباءة ملعونة ، شريرة ، غير آمنة أبداً ، إنها دائماً تقتل صاحبها كائناً من كان .
فقال الابن :
– إذن لماذا تلبسها أنت ؟ لا تلبسها يا أبي أنا لا اريد أن اراك تموت ، ارمها مادامت كذلك ، دعها لأحد غيرك ، لماذا انت ؟
فأخذ احسان نفساً عميقاً و اجاب :
– لكنها عباءة جميلة جداً ، ألا تراها كذلك ، إنها مريحة جداً ، يا ابني هذه العباءة مثل المصباح السحري ، ستلبي كل ما تطلب منها ، ستعيش معها حياة رغيدة ، ستحقق كل امنياتك و تقدم لك الرفاهية من النساء و المرح واللهو والغنى . سيكون كل شيء تحت أمرك ، الا يكفي هذا . ثم إن هذه العباءة تهب قوة و الكبرياء و العظمة ، ببساطة إنها تهب كل ما تمناه اي انسان .
فقال تحسين و هو يلاعب اصابعه الصغيرة و ببراءة الاطفال :
– ألكل هذا قتلت والدك ، أقتلته من أجل العباءة ، كان جدي رجلاً عظيماً ، و نبيلاً و عادلاً . كان جدي رحيماً مع الكل ، هكذا يقولون . هم يقولون إنه كان يحاول اسعاد كل أفراد عائلتنا ، وهو لم يتوقع بأن تقتله .
فرد الأب بعصبية و اصابه ذعر كبير :
– بل كان جدك مجرماً و متعجرفاً و متسلطاً ، سأقول لك سر مهم عن جدك بأنه كان يأخذ صغار العائلة ويذبحهم ليشرب من دمهم ليبقي على شبابه ، هل تعرف ايضاً إنه كان سبب كل بلايانا ، أنا لم اقتله لأسلب منه عباءته بل قتلته لأنهي ظلمه ، كان ظالماً ، هل تعرف كم من أفراد عائلتينا قتلهم بيديه ، هل تعلم كم من شباب هذه العائلة العظيمة اختفوا دون أن يعرف أحدٌ عنهم شيءً؟، أنت صغير و لا تعرف شيئاً . أما أنا فسأجعل كل فرد من العائلة يعيش سعيداً بحرية ، سارد لكل واحد منهم حقوقه المسلوبة ، ستراني كيف أحقق العدل بين كل أفراد العائلة ، كيف أن رخاءً عظيماً سيجري بنا إلى فضاءات السعادة المختلفة ، كل واحد سيحصل على حقه كاملاً ، في عهدي لن يُظلم أحد ، سأكون عادل هذا الزمان ، ولى زمن الطغيان و الاستغلال و الظلم ، اشرقت شمس الحرية ، يا بني إن أنا قتلته فكان ذلك رغماً عني و لأجلكم و من أجل سعادتكم .
فقال تحسين :
– قيل لي ان جدي قال كلاماً قريباً من هذا الذي تقوله حين قتل والده ، كان رحيماً في البداية ، ولكنه تجبر في النهاية ، كان قاسياً معنا في الأيام الاخيرة من حياته ، و اخشى ان تصبح مثله في يوم من الأيام ، خوفي أن مَن يلبس هذه العباءة يصبح مثل جدي .
فرد الوالد :
– يا ولد ، أنت صغير على هذا الكلام ، ثم أن هذا الكلام الذي تقوله لن أقبل به بعد الآن ، أنا الحق ، الذي اقوله هو الحقيقة ولا حقيقة بعده . إن ترويج افكارٍ هدامة من شأن أناسٍ لهم أغراض دنيئة ، كلامهم كله محض افتراءات علىّ ، يجب اسكات تلك الاصوات ، لا تسمع كلامهم لان هذا سيضرك في نهاية و لن تكون سعيداً في حياتك .
بعد إجراء التعديلات اللازمة للعباءة كي تكون مناسبه له ، اقام احسان حفلاً كبيراً و دعا إليه كل أفراد العائلة ، و القى فيهم خطاباً طناناً و رناناً ، خطاب مليء بالوعود، في البداية عرض الاسباب التي دفعته إلى قتل والده ، و كيف أن ضميره الانساني فجاءة افاق من سباته و لم يقبل بالظلم بعد ، ثم اتى إلى جرائم التي ارتكبها والده بحق العائلة و كيف أنها جرائم بندى لها جبين الإنسانية ، ثم انتقل إلى برنامجه ، و كيف وضع خطط مستقبلية لإسعاد العائلة ، و سيصحح ما دمره والده و يرفع الظلم بين الناس و سينشر العدل بينهم ، و شعاره في الحياة هو العدل بين الناس و إعطائهم الحرية الكاملة ، و وعد بتحقيق كل الأهداف التي وضعها في برنامجه . دام الحفل إلى ساعات متأخرة في الليل ، وقُدم فيها ما لذ و طاب ، وفي النهاية عُزفت موسيقى العهد الجديد .
بعد سنوات من لبس العباءة ، في احدى ليالي احس احسان بوخز مع الم شديد في جنبه الايسر ، لما فتح عينيه رأى ابنه تحسين و قد غرز سكيناً كبيراً في جنبه و قال له :
– مت ، مت ايها الظالم ، لم تعد الأرض تتحمل ظلمك ، اذهب إلى الجحيم ايها المجرم ، ملأت الارض جوراً و ظلماً و فساداً .
لم تمر دقائق حتى اغمض احسان عينيه و إلى الأبد .