بقلم – الدكتور عادل عامر:
تقدم أن العدالة الدولية في الإسلام مظاهرها كثيرة وأحوالها عديدة. وتتمثل، أولا وأخيرا، في عدم الافتئات على حقوق الآخرين، والمحافظة على الحقوق واجبة الحماية، عن طريق إرجاعها الى أصحابها، وردها الى صوابها، بل وانتزاعها من أيدى غصابها.
فالعدالة بصفة عامة، وفى اطار العلاقات الدولية بصفة خاصة، هي قيمة اسلامية كبرى، لا يجوز الخروج عليها أبدا أو التغاضي عنها مطلقا. والغرض من العدالة الدولية في الاسلام يتمثل في:
– العمل على استتباب السلم والأمن الدولي. – منع التوترات وأحوال الفوضى في العلاقات الدولية.
– اقامة علاقات هادئة ومستقرة بين الدول.
الأزمة العربية أخلاقية بامتياز، فالقوي فيها لا يرى معاناة الضعيف، وصاحب الامتيازات لا يعترف بمطالب الإصلاح، والتراتبية والفوقية بل والأسلوب المستمد من الزمن القديم في التعامل مع الرعية لا يزال يعشش في عقول النخبة العربية. في النظام العربي لا مكان إلا للأقوياء والذين يفرضون رأيهم وأسلوبهم حتى لو سقط البناء بمن فيه، ولهذا لا مكان في معظم الحالات العربية إلا لمعارضات عنيفة لا ترى هي الأخرى مكاناً لغيرها. إن هذا الوضع العربي يعيد إنتاج الحروب والنزاعات.
كان السكوت في السابق من عادة المجتمعات العربية التي وثقت بقدرة النخب على القيادة، لكن تكلس النظام العربي وعدم تجديده في ظل عدم التعامل مع نقص العدالة رفع من نسب الأزمات. في السابق كان المجتمع يعتبر أن بالإمكان تحقيق العدالة من خلال الالتماس والثقة بالوعود، إلا أن الأجيال الجديدة تتوقع علاقات مختلفة مع قادتها الحاليين والمستقبليين. فبسبب أحداث السنوات القليلة الماضية هناك عربي مختلف يريد المساواة مع الآخرين ويسعى للعدالة بصفتها حقاً مكتسباً مع الولادة. المواطن الجديد يبحث عن حلول لأزمة العدالة والتعبير والحريات والكرامة العربية في الثقافة والسياسة والاقتصاد وفي سلوك النخب والقادة.
وتستمر حالة اللاعدالة العربية في الكثير من الأوضاع ضمن غطاء بل وتوافق دولي وإقليمي، وهذا يعني أن معظم الدول العربية ضعيفة ومهزوزة أمام الخارج، فهناك من اللاعدالة ونقص الحريات وضعف المساءلة والعقد الاجتماعي في الأوضاع العربية الذاتية ما يجعل من تفجير الأوضاع العربية عملية لا تتطلب سوى رفع الغطاء الدولي الضامن. المشهد السوري كما العراقي كلاهما نموذج لما نقصد. الوضع العربي ضعيف في مناعته الذاتية أمام إسرائيل وأمام الغرب وأمام القوى الخارجية، كما أنه لا يمتلك مناعة ذاتية داخلية.
فكرة العدل في القانون هي العنصر المثالي أو المَثَل الأعلى. وإذا كانت خصائص الحياة الاجتماعية هي الأساس الذي تُبنى عليه القواعد القانونية، فإن هذا لا يكفي وحده لتكوين القاعدة القانونية، لأنه لا بدَّ لحقائق الحياة الاجتماعية من الاهتداء بمَثَل أعلى يفرضه العقل. ولهذا فإن إخضاع الواقع إلى المَثَل الأعلى – وهو العدل – وموافقته عليه هو الذي يعطيه صفة الواجب، أي يجعله قانونًا. لكن ما هو المثل الأعلى للعدل، أو ما هي فكرة العدل في ذاته؟ هنا تتشعب المسألة وتختلف الآراء. وفي هذا غاص فلاسفة اليونان وفقهاء الرومان، وتناولها الفقهاء المسلمون، وخاصة جماعة المعتزلة. وقد تباين النظرُ فيها بين المذاهب وأدى الخلاف أحيانًا إلى مذابح وأحداث يضحك العدل عليها أو يبكي منها!
ذا كانت العدالة في يومِنا هذا عدالة انتقائية أو بطيئة فأفضل أن نكون في المرحلة التي لا تزال فيها مفاهيم العدالة آخذة في الترسّخ من أن نكون في المرحلة التي لم تكن فيها هذه العدالة موجودة أصلاً ، إلا أننا نأمل في أن يتطوّر مفهوم العدالة الجِنائية ليُصبح مطبَّقاً بصورة مُتساوية فيشمُل كل من يَرتكب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو جرائم إرهابية . وقد تصرّف مجلس الأمن في إنشاء محكمة يوغوسلافيا على سبيل المثال كما يتصرَّف المدعي العام إزاء الجريمة المشهودة فيما تصرَّف مجلس الأمن بالنسبة للمحكمة الخاصة بلبنان كمن تلقَّى إخباراً من الحكومة اللبنانية دون الوقوف على تصرفات البعض التي حالت دون موافقة السلطة التشريعية في لبنان بعد انتظارها ما يقارب السنتين علّها تغيّر من نمطِها المتمثل في منع قيام المحكمة في محاولة لقتلِها في مَهدها . وعلى ضوء كل التجارب التي أشرنا إليها يُمكن استخلاص النتائج والعِبر التالية : لا سلام في المجتمعات التي يُرتكب فيها جرائم إرهابية وجرائم ضِد الإنسانية إلا بالعدالة
العدالة قيمة أخلاقية من منظومة القيم العامة تحفظ حقوق المجتمع، لكنها تبقى مفهوماً نسبياً لا يمكن القطع بقيمتها المتوارثة والمكتسبة عبر الزمن لأنها عرضة للتغيير ولا يمكن عدّها قيمة تصلح لكل المجتمعات لتباين القيم الاجتماعية والدينية وبذلك فإنها قيمة ملتبسة. تختلف العدالة باختلاف طبيعة استخدامها في السياسة والمجتمع والدين فلكل منها مفهوم خاص لذلك لا يمكن تطبيقها من دون إدراك مفهومها العام في المجتمع، فمنظومة القيم العامة تعدّ نتاجاً لعقد اجتماعي بين مجموعة البشر تشترك بمصالح ولغة تتواصل من خلالها لخلق ثقافة مشتركة تحكمها عادات وتقاليد اجتماعية ودينية تشكل منظومة قيمهم الأخلاقية، ليكتسب مفهوم العدالة الصدقية من الجميع بعدّه غرساً تربوياً في اللاوعي الاجتماعي لا يحتاج إلى إعادة توضيح وشرح لارتباطه بقيمهم الأخلاقية العامة و يعتقد (( رولز )) ” أن اتفاق مجموعة من البشر على مفهوم مشترك للعدالة، يتطلب وجود مصالح ولغة وثقافة مشتركة وجملة قيم تعاونية وعادات تفرض التزاما أخلاقياً عليهم لقد انفردت الولايات المتحدة الأميركية بقيادة العالم منذ تفكك الاتحاد السوفياتي وضربت عرض الحائط بكلّ القوانين والمواثيق الدولية وأهانت الإنسان والإنسانية وسحقت مفهوم العدالة بكلّ المقاييس وركّبت أحداثاً كبيرة وخطيرة كي لا تتنازل عن سيادة القطبية الواحدة وأحداث 11 سبتمبر بشهادة كبار رجال «سي أي آي»
والمحللين السياسيين على مستوى العالم كانت صناعة أميركية لأنّ الولايات المتحدة بنت عليها الكثير من أجل تبرير حروبها وأعمالها فهل ستقبل بشريك لقيادة العالم وتخضع للقانون الدولي والعدالة الدولية وتتوقف عن منطق الحرية والعدالة السفسطائية التي ترمز بمفهومها الفلسفي إلى مصلحة الأقوى في سنّ القوانين وفرض سياسة الأمر الواقع ومبدأ الغاية تبرّر الوسيلة أم سيشهد العالم تحوّلاً دراماتيكياً لا تحمد عقباه. فالعدالة بطبيعتها هي من حقوق المجتمع وواجباته التي لا يجوز التخلي عنها للأفراد، ليقوم كل منهم بفرض عدالته الخاصة، مما يؤدى إلى نوع من الفوضى وعدم الأمان. وإذا كانت بعض الجماعات البدائية تترك العدل الخاص والقصاص للأفراد ليقتضي كل منهم حقه بنفسه، فإنه بمجرد أن تصل الجماعة إلى درجة معقولة من الرقى، فإنها تجعل من العدالة ومفهوم دولة القانون أحد حقوق المجتمع التي لا يمكن التفريط فيها وتركها لأهواء الأفراد.
فالعدالة» الوحيدة المعترف بها قانونا هي عدالة الدولة فيما تصدره من قوانين أو من قواعد العرف المعترف بها من جانب الدولة. وبغير ذلك يسقط مفهوم الدولة وينهار المجتمع ويسود قانون الغابة وتضيع الحقوق ويسقط الأمن والأمان.
لقد دفع الغرب ثمن تغذيته لهذا الإرهاب وسيدفع الكثير في المستقبل القريب والبعيد لأنّ هذا الفكر يُكنُّ العداء للغرب ولن تستطيع قياداته المرتبطة بالاستخبارات الغربية أن تسيطر على أفراده أو توقف مدّه وإجرامه مهما اتخذت من إجراءات وقائية، فقتل الميت لا يقدّم ولا يؤخر، وطبّاخ السمّ لا بدّ أن يتذوّقه، ومنطق الأشياء أن تنتصر العدالة مهما تعاظمت قوى الشرّ.