الطريق إلى سلاح ليزر مدمر
بقلم – الدكتور على عبد النبى:
شهدت نظم التسليح الهجومية والدفاعية مراحل من التطور الغير مسبوق، مما يتطلب احتياجاً على نحو متزايد لتحقيق استجابة سريعة وفعالة للتصدي لتهديدات هذه الأسلحة، والتى أصبحت تضم طوائف واسعة من الأسلحة، فمنها الصواريخ بمختلف أنواعها ومن ضمنها الصواريخ الباليستية والقذائف الصاروخية قصيرة المدى، والطائرات بمختلف أنواعها ومن ضمنها الطائرات بدون طيار، وقذائف الهاون والمدفعية، وما إلى ذلك من أسلحة متطورة.
في عام 1960 وللمرة الأولى تم رفع السرية عن أشعة الليزر، والتى تم إنتاجها من جهاز ليزر الياقوت ruby laser. وكانت هذه الأشعة توصف فى ذلك الوقت بـ “أشعة الموت”. ومنذ ذلك الحين، والعمل متواصل على تطوير أسلحة ليزر فى أمريكا وروسيا والصين وإسرائيل والهند وألمانيا وبريطانيا واليابان. فهذه الدول تنظر إلى سلاح الليزر على أنه سيتسبب فى قفزة نوعية في المجال العسكري. ويحلم العسكريون بسلاح ليزر صغير، لكنه شديد المفعول، يمكنه تدمير أسلحة العدو الهجومية والدفاعية، ومن مختلف المسافات.
هناك أنواع عديدة من الليزر والتى تغطى نطاقاً طيفياً واسعاً، يبدأ من الأشعة فوق البنفسجية ويمتد حتى الأشعة تحت الحمراء، إلا أن المستخدم منها فى نظم التسليح محدود ولأسباب تتعلق بمصدر الطاقة والحجم والوزن، بالإضافة إلى كيفية التحكم فى شعاع الليزر.
إن إطلاق شعاع ليزر طويل المدى بما يكفي لتدمير أو لتعطيل العديد من الأهداف فى نفس الوقت، هو أرخص بكثير من استخدام الصواريخ التقليدية، حيث يتكلف إطلاق شعاع الليزر عشرات الدولارات في المرة الواحدة، كما أن إطلاق شعاع الليزر يمكن تكراره، وأن زمن تحضيره للاشتباك صغير طالما كانت أجهزة منظومة الليزر سليمة. بينما يقدَّر أقل ثمن لصاروخ تقليدى بمئات الآلاف من الدولارات، إضافةً إلى أن الصاروخ يُطلَق لمرة واحدة فقط، كما وأن قوة منظومة الصواريخ تعتمد على عدد الصواريخ المتاحة وزمن تحضيرها للاشتباك. إلا أن هناك عيب خطير فى سلاح الليزر، وهو عدم القدرة على الإطلاق وإصابة الهدف خلف الأفق، كما يحدث فى أنظمة الصواريخ التقليدية، إذ أن شعاع الليزر يسير فى خط مستقيم تماماً، ولا يمكن إطلاقه على هدف غير محدد فى هذا المسار. فهو يعتمد على خط البصر، فاسلحة الليزر تتطلب خط بصر مباشر للاشتباك بأهدافها. وعليه فإن استعمال هذه الاسلحة ليس مجدياً ضد الأهداف المختبئة أو المحصنة.
الليزرlaser هى اختصارlight amplification by stimulated emission of radiation وتعنى “تكبير الضوء بالانبعاث المستحث للإشعاع الكهرومغناطيسى “، فالليزر هو إشعاع كهرومغناطيسي (فوتونات) أحادي اللون ومتماسك monochromatic and coherent، حيث تكون حركة موجات فوتوناته متساوية في التردد ومتطابقة فى الطور الموجي، وحيث تتداخل تداخلاً بنّاءً بين موجاتها وتتحول إلى نبضة ضوئية ذات طاقة عالية وشديدة التماسك زمانياً ومكانياً، وبزاوية انفراج صغيرة جدا، وهو مالم يمكن تحقيقه باستخدام تقنيات أخرى غير تحفيز الإشعاع، وهى تنتشر فى الجو كحزمة beam. فالليزرعبارة عن حزم ضوئية متوازية، بقطر صغير قد يصل إلى قطر أصغر من قطر رأس الدبوس، وذلك بدون الحاجة إلى تركيز باستخدام العدسات، وتنتشر جميعها في اتجاه واحد، والتشتت ضئيل جداً، وذلك فى المسافات القصيرة، ومع سيره لمسافات بعيدة يفقد مقداراً طفيفاً من طاقته.
طبقاً لقدرة شعاع الليزر المتولدة، تتنوع التطبيقات، فهى تبدأ من التطبيقات الصغيرة والتى تحتاج لليزر ذو طاقة صغيرة، ومنها ليزر الميكرو دايود، وتنتهى بالتطبيقات الكبيرة والتى تحتاج إلى ليزر ذو طاقة كبيرة، ويستخدم فى الصناعة والأسلحة، ومنها الليزر الكيميائى والذى يستخدم مادة النيوديميوم Neodymium.
يتم قياس قدرة الليزر الذى يولد شعاعاً مستمراً أو يولد سلسلة من النبضات القصيرة، على أساس متوسط القدرة average power. أما الليزر الذى يولد نبضات ليست قصيرة، فتحسب قدرته على أساس قدرة الذروة الـ peak power لكل نبضة. وللإيضاح نذكر بعض الأمثلة، فمؤشرات الليزر laser pointers تتراوح قدراتها من 1-5 مللى وات، ومحرك الأقراص المدمجة قدرته 5 مللى وات، وليزر الحالة الصلبة Solid State Laser والمتاح فى السوق تتراوح قدرته من 1-20 وات، وليزر ثانى أكسيد الكربون CO2 والمستخدم فى الجراحات تتراوح قدرته من 30- 100 وات، ليزر ثانى أكسيد الكربون والمستخدم فى قطع المواد تتراوح قدرته من 100-3000 وات. أما الليزر المستخدم فى التطبيقات العسكرية، والتى تستخدم فى تدمير الصواريخ والقذائف الصاروخية والطائرات وخلافه من الأسلحة، فتستخدم ليزر بقدرات عالية، وتتراوح بين العشرات والمئات من الكيلووات.
الليزرعالي القدرة تختلف أنواعه طبقا لاختلاف وسط التكبير Gain medium، الذى يولد فوتونات مستحثة ويكبرها، ومنها، ليزر كيميائيChemical Laser والذى يولد فوتونات مستحثة من العناصر الكيميائية، وليزر المواد الصلبة Solid State Laser، وليزر الألياف Fiber Laser، وليزر الإلكترون الحر Free Electron Laser.
تتعدد الاستخدامات العسكرية لأسلحة الليزر ما بين العمليات الهجومية والعمليات الدفاعية. ففي إطار العمليات الهجومية، فهى تؤمن القدرات الهجومية على إحداث تأثيرات تدميرية وغير تدميرية ضد مجموعة من الأهداف المختارة. وفي ما يتعلق بالعمليات الدفاعية، فتؤمن أسلحة الليزر قدرة المواقع العسكرية للدفاع عن نفسها، وعن المناطق العسكرية الأخرى والمناطق الجغرافية الهامة. كما يستخدم الليزر في أجهزة الرادار وأنظمة الملاحة والتصويب الليلى وتحديد المواقع وقياس المسافات وتوجيه الأسلحة والمقذوفات، إضافة إلى الاتصالات.
انتشر استخدام الليزر فى نظم التسليح، وكان له أثر فعال فى زيادة فاعليتها، فأصبح أحد المعدات الهامة التى يستخدمها الجندى، وأصبح يستخدم فى المدرعات والدبابات والمقاتلات والقاذفات .. الخ، وكذا فى نظم الدفاع ضد الصواريخ الباليستية.
وتكمن قوة أي سلاح ليزر في تركيز طاقته في بقعة صغيرة على الهدف، بما يكفي لتسخينه وتدميره. هذا الكلام سهل من الناحية النظرية، لكن عند تنفيذه على هدف على مسافات بعيدة، فإن شعاع الليزر يواجه صعوبات كثيرة. ففى المسافات البعيدة يعاني سلاح الليزر من عدة عيوب، مثل التشتت، فبسبب الانكسار يتشتت شعاع الليزر في الغلاف الجوي ويفقد تركيزه. ويتراوح قطر شعاع الليزر بين 0.3-0.5 متر وذلك على مسافة 250 كم، ما يقلل من درجة حرارته ويجعله غير مؤثر على الهدف. كما أن كلاً من الدخان والمطر والضباب يؤثر سلباً على الشعاع، ففي حالة هطول أمطار أو وجود ضباب، فالليزر لن يصيب الهدف. لذلك فالجهود مركزة لتصنع ليزر طويل المدى يعمل فى حالة الطقس السيء، وخاصة فى مجال نظم الدفاع ضد الصواريخ الباليستية.
وبما أن أشعة الليزر عبارة عن أشعة ضوئية مركزة، فإنها تخضع لقوانين الضوء من حيث: الانعكاس، والانكسار، والانحراف. فهناك العديد من التأثيرات الضارة على شعاع الليزر عندما ينتشر فى الجو، والتى يجب فهمها ووضعها فى الحسبان. ومنها : أولاً، الحيود diffraction، وهو انحراف يحدث لضوء الليزر، وهو من طبيعة الضوء عندما يسير فى الجو، وحتى خلال سيره فى الفراغ التام. وهو يؤثر بالسلب على جودة شعاع الليزر، ولا نستطيع تجنبه. فهو يؤثر على خصائص وطبيعة ضوء الليزر ويؤدى إلى تشتت طاقة شعاع الليزر، والنتيجة أنه يحد من مساحة أصغر بقعة يمكن تركيز شعاع اليزر فيها. ثانياً، التشتت scattering، وهو يرجع إلى مكونات الغلاف الجوي، والتى لا تنقل الشعاع على نحوٍ كامل أو تام، ولكن تغير فى مساره. ثالثاً، الامتصاص absorption، يقلل من الطاقة التي تنتقل إلى الهدف عن طريق امتصاص جزء من طاقة الشعاع أثناء انتشاره فى الجو. رابعاً، الاضطرابات الجوية atmospheric turbulence، وهى تعتمد على الارتفاع وسرعة الرياح وبعض البرامترات الجوية الأخرى. وتؤدي إلى انتشار الحزمة بدلا من تركيزها، فهى تقلل من الطاقة المرسلة إلى الهدف.
وثمة مشكلة رئيسية أخرى تكمن في الغلاف الجوي. فلا يقتصر الأمر فقط على تشتت شعاع الليزر عن طريق الغبار والاضطرابات الطبيعية، ولكن مروره خلالهما يسبِّب «التوهج الحراري»، فعندما ينتشر شعاع بقدرة عالية جدًّا، فإن الغلاف الجوي يمتص ضوء الليزر، مسخِّنًا الهواء؛ مما يتسبب في تشتُّت شعاع الليزر، حيث يبدد هذا التشتت طاقة الليزر.
وعلى الرغم من كل الصعوبات المتعلقة بتطوير أسلحة الليزر، إلا أن العمل مستمر في هذا الاتجاه بنشاط كبير، ويتم إنفاق مليارات الدولارات عليها سنويا. فأسلحة الليزر التي طالما كانت جزءاً من أفلام الخيال العلمي، قد أصبحت الآن تقترب من ساحة المعارك الحقيقية، لكن هناك تحديات كبيرة تواجه ظهور أسلحة ليزر كما نشاهد فى أفلام الخيال العلمى، والتى يمكنها التجهيز للاشتباك بسرعة فائقة. فطبيعة الغلاف الجوى وخصائصه تعتبر من أهم العناصر الحاكمة التى تواجه تطوير سلاح ليزر كما يتمناه أصحاب الخيال.
وقد يصل التقدم التكنولوجي فى زمن ليس ببعيد إلى المستوى الذى يستطيع فيه الخبراء التغلب على المشاكل التى تؤثر على شعاع الليزر ومن أهمها طبيعة وخصائص الغلاف الجوى والطقس السيء، وحينئذ تصبح أنظمة الليزر أمراً واقعياً. وبذلك يكون فى متناول وحوزة الجيوش سلاح ليزر فعال يعمل فى جميع الأجواء وتحت مختلف ظروف الطقس. وتظهر إمكانياته التى يتميز بها الليزر من السرعة العالية والدقة الفائقة في تدمير الهدف، دون التأثير على الكائنات المحيطة بالهدف. وتحرك الشعاع بسرعة الضوء، يعطى القدرة على تدمير الهدف في ثوانٍ معدودات، كما وأنه يحتاج إلى القليل من الوقت للإطلاق على هدف آخر. وبسبب سرعته الكبيرة، يتمكن شعاع الليزر من اعتراض أهداف تملك قدرة عالية على المناورة، وهذا ما يميزه عن الصواريخ التقليدية، فاسلحة الليزر هي الأفضل ملاءمة للأهداف التي تتطلب سرعة ودقة كبيرتين في الاشتباك بها، مثل القذائف الصاروخية، والصواريخ وقذائف المدفعية أثناء طيرانها. كما يمكن استخدام الليزر فى اكتشاف وتعطيل رؤية الهدف. ومن مميزات الليزر إمكانية تعديل قوته واستخدامه إما فى تحذير الهدف أو تدميره بالكامل. وبسبب أن شعاع الليزر ليست له كتلة، فلا حاجة لإجراءات تصحيحية عند إطلاقه والتى تأخذ بعين الاعتبار اتجاه وقوة الرياح، كما يحدث عند إطلاق الصواريخ والقذائف التقليدية.
هناك محاولات كثيرة تمت لتصنيع سلاح ليزر مدمر، منها محاولات ناجحة، وأخرى فاشلة. وهذا ما سوف نلقى عليه الضوء فى مقالتنا القادمة.
أشكركم وإلى أن نلتقى فى مقالة أخرى لكم منى أجمل وأرق التحيات.