الطاقة فى جسم الإنسان
بقلم – الدكتور على عبد النبي:
الطاقة هى أساس حياة الإنسان، حيث تمكن جسمه من القيام بوظائفه المختلفة، والمحافظة على حياته الطبيعية. فبدون الطاقة يصاب الإنسان بالكسل والخمول والأمراض، وتباطؤ فى نمو جسمه وهزاله، بل ومن الممكن أن يصبح الإنسان طريح الفراش.
أهم أشكال الطاقة التى يعتمد عليها نشاط الإنسان هى : الطاقة الكيميائية والميكانيكية والحرارية. نجد أن الطاقة الكيميائية التى اكتسبها الجسم من “الهواء والماء والغذاء” تحولت داخل جسم الإنسان إلى طاقة ميكانيكية (حركية) من خلال انقباض وانبساط العضلات، وطاقة لنمو الجسم وبناء البروتين والمحافظة على وظائف وأنشطة خلايا الجسم، وطاقة حرارية وهى تمثل أكثر من 60% من طاقة الإنسان. وتظهر أهمية الطاقة أثناء أداء النشاط البدنى، فبدونها لا تستطيع أجهزة الجسم القيام بوظائفها الحيوية بكفاءة.
الهواء والماء والغذاء، يعتبرون أهم مدخلات جسم الإنسان لإنتاج الطاقة التى تقوم عليها حياته، فمصادر إنتاج الطاقة هى الكربوهيدرات والبروتين والدهون. ومن أهم مخرجات جسم الإنسان هى ثانى أوكسيد الكربون وبخار الماء والبول والبراز. عملية التمثيل الغذائى (الأيض) هى تفاعلات كيميائية حيوية، تحدث داخل جسم الإنسان على المواد الغذائية المختلفة بواسطة إنزيمات، للحصول على الطاقة و بناء الأنسجة، من خلال تحويل الغذاء إلى وحدات بناء للبروتينات، والدهون، والأحماض النووية، وبعض السكريات، وإزالة الفضلات الأيضية النيتروجينية.
الجسم يشتمل على نظم مختلفة لإنتاج الطاقة، منها نظم لإنتاج الطاقة السريعة ونظم لإنتاج الطاقة البطيئة، وذلك تبعا لاحتياجات العضلة وطبيعة النشاط. الانقباض العضلى السريع يحتاج الطاقة لحظياً وفى ثوان معدودة، ففترة الأداء مدتها قصيرة جداً. لكن الانقباض العضلى البطىء، يحتاج الطاقة موزعة على فترة أداء مدتها طويلة.
نظام التغذية الجيد والمتوازن يقوم على تناول مقادير محددة من الأنواع المختلفة من الأكل والشرب، وهى توصف حسب سن الشخص والمجهود الذى يبذله، سواء كان مجهودا يوميا عاديا أو مجهودا رياضيا. ونظام التغذية يشمل أغذية نموّ، وأغذية طاقة، وأغذية وقاية.
أغذية نمو وبناء جسم الإنسان، وهى المواد البروتينية والمواد الزلالية، وتعمل على تجديد الخلايا ونمو الجسم، ومنها على سبيل المثال، اللحوم، والبيض، والبقوليات، والأسماك وخاصة الدهنية منها، والتى تحتوى على أوميجا 3، والمحاريات.
أغذية إمداد جسم الإنسان بالطاقةّ، وهى الكربوهيدرات والدهون. الكربوهيدرات البسيطة، وهى سهلة الهضم والامتصاص، ومنها السكريات الأحادية مثل الجلوكوز، ومنتجات الألبان، والعسل، وبعض الخضروات، والحبوب، والفاكهة. الكربوهيدرات المعقدة، وهى النشويات وتأخذ وقتاً أطول فى عملية الهضم، مثل: الحبوب الكاملة، والخضروات النشوية وغير النشوية، والبقوليات.
أغذية لوقاية جسم الإنسان من الأمراض، وهى الأملاح المعدنية والفيتامينات، والتى تتوفر فى الخضروات والفاكهة. والجسم محتاج إلى أنواع مختلفة من الأملاح المعدنية وخاصة منها الكالسيوم والحديد واليود وملح الطعام (الصوديوم).
السعرات الحرارية، هى الطاقة الحرارية التى يحتاجها جسم الانسان من الغذاء للقيام بالأعمال اليومية. وعادة ما نقيس كمية الطاقة التى يحتويها غذاء ما باستخدام السعرات الحرارية، وبحسب الكيلوجرامات من جسم الإنسان. فمع زيادة الوزن تزيد كمية السعرات الحرارية المطلوبة، ومع زيادة عمر الإنسان تقل كمية السعرات الحرارية المطلوبة، وتختلف كمية السعرات الحرارية من الذكور إلى الإناث، وحسب البنية الجسمانية والمجهود.
وحدة البناء والحياة هى الخلية، وتحتوى كـل خليـة (ما عدا كريات الدم الحمراء والصفائح الدموية) على النواة والسيتوبلازم، الذى تسبح فيه كـل جزيئات الخلية الصغيرة والكبيرة، ومن ضمنها جزيئات تشـبه حبات القهوة فى الشـكل تسمى الميتـاكوندريا. الميتاكوندريا هى المكان الذى تتولد فيه طاقة الخلية، ولذا سـمـيت بيت الطاقة. الطفل يرث الميتاكوندريا من أمه فقط، لكن الأب، لا يستطيع توريثها أطفالـه.
فى حالة تخصيب بويضة الأم، نجد أن الأب يشارك بالكروموسومات الموجودة فى الحيوان المنوى فقط، ويبقى السيتوبلازم الذى يحوى الميتاكوندريا للأب خارج البيوضة، بينما تشارك الأم بالكروموسومات الموجودة فى البويضة، بالاضافة إلى محتويات البويضة كلـها التى تشمل الميتاكوندريا. فالبويضة المخصبة التى ستكوّن الجنين، سواء أكان ذكراً أم أنثى، تحتوى على ميتاكوندريا الأم فقط، وبمعنى آخر، إننا نحمل ميتاكوندريا الأم وليس الأب. وسوف يحمل أبناؤنا ميتاكوندريا أُمهاتهم فقط، وكذا أولادهم والأجيال اللاحقة.
تتضاعف جزيئات الميتاكوندريا، الصحيحة والمشـوهة (ضعيفة الطاقة)، أثناء انقسام الخلية، وتتوزع عشوائيا فى الخلايا الناتجة. فإذا كان فى البويضة نسبة عالية من الميتاكوندريا المشـوهة، تنـتقل هذه التشـوهات إلى الجنين، فيكون الطفل مريضا. وإذا كان فى البيوضة نسبة عالية من الميتاكوندريا الغير مشـوهة، فيكون الطفل صحيحا.
تتعرض الميتاكوندريا للتشوه نتيجة البيئة أو الخلل الجينى الداخلى أو التقدم فى العمر. والتشوه يعتمد على عمر الأم أثناء التخصيب، إذ يزداد بتقدم عمر الأم، فيـؤثر هذا بدوره على المولود، وقد يكون تراكم الميتاكوندريا المشـوهة (ضعيفة الطاقة)، أو إنتاجها، سبباً للشيخوخة.
الفوسفات الموجود فى نسيج العضلات، هو المصدر الرئيسى المباشر للطاقة. مصدر الطاقة الأول ينتج من تحلل مركب الـ ATP “ثلاثى فوسفات الأدينوسين”. يتألف الـ ATP من القاعدة النيتروجينية أدينين، وسكر الريبوز، وثلاث مجموعات فوسفات. تحتوى الروابط بين مجموعات الفوسفات على طاقة كيميائية مختزنة بكميات كبيرة، ويمكن لهذه الطاقة أن تنطلق عند تحطم إحدى روابط الفوسفات، وتتحول إلى حركة ميكانيكية.
إذاً، الـ ATP، هو أحد المركبات الغنية بالطاقة، والمخزنة فى معظم الخلايا، وخاصة الخلايا العضلية، كما يعد أحد أشكال الطاقة الكيميائية التى تستخلص من المواد الغذائية. فمن خلال مركب الـATP ، تقوم كل خلية من خلايا الجسم بتخزين الطاقة الكيمياوية الحيوية. وبالتالى نستطيع أن نقول أن مركب الـATP هو بطارية كيميائية حيوية مشحونة، تخزن الطاقة لحين احتياجها.
المصدر الأساسى لتكوين الـ ATP، هو سكر العنب (الكلوكوز)، الناتج من تناول الكاربوهيدرات مثل الخبز والسكر.
يأتى دور الميتاكوندريا الهام فى تكوين الـ ATP، حيث يفتح الإنسولين أبواب الخلية، فيدخل الكلوكوز الخلية، ويتجزأ بواسطة خمائر معينة، وفى وجود الأوكسجين تتم عملية الأكسدة للكلوكوز داخل الميتاكوندريا، وينتج الـ ATP. ومن هنا تأتى محنة المصاب بمرض السكر، فعدم وجود الإنسولين أو وجوده بكمية غير كافية، أو مقاومة الخلايا له، تسبب قلـة دخول الكلوكوز إلى الخلية، فلا تكون ثمة طاقة كافية، فيشعر المصاب بالإعياء، إضافة إلى عواقب وجود الكلوكوز بتركيز عالٍ فى دمه.
إذاً، الميتاكوندريا هى محطات طاقة الخلايا التى تزود جميع العمليات الجارية فى الجسم بالطاقة. وخلال عملية إنتاج الطاقة تتلف الميتاكوندريا تدريجياً، ويعاد إنتاجها من جديد. لكن عند كبار السن تتباطأ عملية تجدد الميتاكوندريا، ما يؤدى إلى تراكم التالف منها أو الغير فعالة، ما يؤدى إلى انخفاض قدراتهم الجسدية. هناك آلية يمكن بواسطتها أن تتخلص الخلايا من “الميتاكوندريا التالفة” وتدعم هذه الوظيفة بالأدوية، ما يسمح لكبار السن بالحفاظ على لياقتهم البدنية ومقاومة الشيخوخة.
الطاقة الكهربائية موجودة فى كل مكان، حتى فى جسم الإنسان. خلايانا متخصصة فى توصيل التيارات الكهربائية. الكهرباء مطلوبة للجهاز العصبى لتبادل إرسال واستقبال الإشارات بين الدماغ وجميع أنحاء الجسم، مما يجعل من الممكن لنا التحرك والتفكير والشعور.
العناصر الموجودة في أجسامنا، مثل الصوديوم والبوتاسيوم والكالسيوم والمغنيسيوم، لها شحنة كهربائية محددة. يمكن لجميع خلايانا تقريبا استخدام هذه العناصر المشحونة، والتى تسمى الأيونات، لتوليد الكهرباء.
غشاء الخلية يتكون من الدهون التى تخلق حاجزاً، لا يمكن إلا لمواد معينة عبوره للوصول إلى داخل الخلية. الخلية تكون مشحونة سلباً من الداخل، بينما تكون البيئة الخارجية أكثر إيجابية. وهذا ناتج بسبب عدم التوازن البسيط بين الأيونات الموجبة والسالبة داخل وخارج الخلية. غشاء الخلية يسمح للأيونات المشحونة بالتدفق والخروج من خلاله، ونتيجة تدفق الشحنات عبر غشاء الخلية يتولد تيارات كهربائية.
الجهد الكهربى على الخلية يتحدد من خلال تركيزات الأيونات فى السوائل على جانبى غشاء الخلية وبروتينات نقل الأيونات الموجودة فى غشاء الخلية. أمثلة على الجهد الكهربى لبعض الخلايا:: خلايا العضلات الهيكلية (- 95) مللى فولت، الخلايا العصبية من (- 60) إلى (- 70) مللى فولت، خلايا مستقبلات الضوء (- 40) مللى فولت، خلية الشعر من (- 15) إلى (- 40) مللى فولت، كريات الدم الحمراء (- 8.4) مللى فولت.
عندما يتم تحفيز الخلية، فإنها تسمح بدخول الشحنات الموجبة إلى الخلية من خلال القنوات الأيونية المفتوحة. ثم يصبح الجزء الداخلى للخلية مشحوناً بشكل إيجابى أكثر، مما يؤدى إلى مزيد من التيارات الكهربائية التى يمكن أن تتحول إلى نبضات كهربائية.
يمكن أن يؤدى انقطاع التيارات الكهربائية إلى المرض. على سبيل المثال، لكى يضخ القلب، يجب أن تولد الخلايا تيارات كهربائية تسمح لعضلة القلب بالانقباض فى الوقت المناسب. يمكن للأطباء حتى مراقبة هذه النبضات الكهربائية فى القلب باستخدام آلة تسمى مخطط كهربية القلب أو ECG. يمكن أن تمنع التيارات الكهربائية غير المنتظمة عضلات القلب من الانقباض بشكل صحيح، مما يؤدى إلى نوبة قلبية. هذا مجرد مثال واحد يوضح الدور المهم للكهرباء فى صحة الإنسان ومرضه.
أشكركم وإلى أن نلتقى فى مقالة أخرى لكم منى أجمل وأرق التحيات.
التعليقات مغلقة.