مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

الطاقة النووية واستكشاف الفضاء

بقلم – الدكتور على عبد النبي:

الله سبحانه وتعالى خلق هذا الكون بإتقان مطلق، فلو حدث خلل بسيط في خلق مرحلة من مراحل الخلق لما كان الكون بهذه العظمة، ولما كانت الأرض بالشكل والطبيعة التي هي عليها الآن. وإن كان هناك من  البشر من يعتقد أن هذا الكون قد خلق نفسه أو خلقته الطبيعة أو الصدفة، فهذا مستحيل لأن هناك ملايين من الصدف التى صادفت مراحل خلق الكون، وإذا طبقنا عليها القوانين التي تحكم الصدفة فلا يمكن أن تتوفر شروط ظهور السموات والأرض فى كمال الحسن والخلق البديع والنظام العجيب المحكم وهى على غير مثال سبق. والله سبحانه وتعالى بارك فى الأرض وجعلها دائمة الخير لأهلها، وقدَّر فيها أرزاق أهلها من الغذاء، وما يصلحهم من المعاش. وطلب من البشر التفكير فى كيفية خلق الكون.

رزق الله البشر بالعناصر الكيميائية، والعناصر التى تعرّف عليها الإنسان حتى الآن عددها 118 عنصر، منها 98 عنصراً توجد فى الطبيعة، وباقى العناصر يتم تركيبها فى المعامل أو فى المفاعلات النووية. هناك عناصر تستطيع ذراتها امتلاك أعداداً مختلفةً من النيوترونات، وتعطى أشكال أخرى للعنصر تسمى بـ “النظائر”. تحتوى كل نواة عنصر على نسبة مثالية من النيوترونات والبروتونات، وإذا امتلكت ذرات العنصر الكثير جداً من النيوترونات أو القليل جداً منها، حتى وإن كان حجم النواة صغيراً، يحدث لهذه الذرات ما يسمى بـ “التفكك الإشعاعي” أو “التحلل الإشعاعى”، أي أنها تصدر جسيمات وطاقة.

والنظائر المشعة هي الشكل غير المستقر للعنصر الكيميائي، والتى تتفكك وينبعث منها الإشعاع لكى يتحول العنصر إلى عنصر آخر أكثر استقراراً. وأنوية النظائر المشعة تتفكك بإصدار إشعاع من جسيمات مثل جسيم “ألفا” وهو نواة ذرة الهيليوم أو جسيم بيتا “إلكترون”. كما أن هناك تفككاً ينتج عنه إصدار أشعة كهرومغناطيسية، وتكون إما أشعة سينية أو أشعة أشد منها وهى أشعة جاما. والنظائر المشعة يستخدمها الإنسان فى كثير من مناحى حياته.

لاستكشاف الفضاء الخارجى استخدم الإنسان “المسبار”، وهو مركبة فضائية آلية بدون طاقم وتستخدم لاستكشاف الأجرام السماوية من كواكب وأقمار الكواكب والمذنبات والكويكبات. والمسبار يحمل أجهزة حديثة مثل الكاميرات المتطورة، وأجهزة المطياف، وأجهزة لقياس الطاقة الإشعاعية وأجهزة لقياس المغناطيسية. والمسبار محتاج لنظام اتصالات قوى ودقيق.

حتى الآن يوجد أنواع كثيرة من مسبار الفضاء، وفى بداية استخدام مسبار الفضاء اقتصرت المهام على مهام بسيطة، فقد كانت الرحلات موجهة إلى أهداف قريبة من الكرة الأرضية، مثل القمر والزهرة. لكنها سرعان ما تطورت إلى مهام معقدة، شملت رحلات في اتجاهين بغرض دراسة أجسام سماوية بعيدة نسبياً عن الأرض والهبوط عليها وإجراء دراسات جوية وأرضية، ثم تسلك طريق العودة للأرض محملة ببيانات ومعلومات وبعينات من التربة والجو.

مشاريع استكشاف الفضاء تختلف عن المشاريع التى على الأرض، فهى تحتاج أجهزة خفيفة الوزن وحجمها صغير وذات جودة عالية فلا تحتاج صيانة، كما أن أجهزتها تحتاج بطاريات أو مولدات كهرباء تعمل لعدة سنوات.

المسبار يستعمل أجهزة علمية تمكنه من جمع أكبر قدر من البيانات والمعلومات خلال رحلته الطويلة. وإذا كانت رحلة المسبار إلى كواكب خارج المجموعة الشمسية، فهذا يتطلب سنوات للإبحار فى الفضاء، وأجهزتها سوف تعمل فى مناطق تضعف فيها الطاقة الشمسية، ولا يمكن استخدام ألواح طاقة شمسية، وبالتالى تتطلب مصدر طاقة عمره طويل. وكذا فإن درجات الحرارة ستكون منخفضة، وفى هذه الحالة مطلوب سخانات للتدفئة لكى تعمل الأجهزة بشكل طبيعى. ونظرا للقيود والشروط التى تحدد وزن وحجم المعدات، فى هذه الحالة يستخدم مصدر طاقة كهربائية وسخان تدفئة يعملان بالطاقة المتولدة من النشاط الإشعاعى لبعض النظائر المشعة.

أنظمة طاقة النظائر المشعة تحول الطاقة الحرارية الناتجة عن التحلل الطبيعي للبلوتونيوم – 238 – وهو نظير مشع – إلى طاقة كهربائية. هذه الأنظمة قامت بتشغيل عشرات من الرحلات الفضائية، فهى قادرة على إنتاج الحرارة والكهرباء في ظل الظروف القاسية في الفضاء السحيق لعقود من الزمن دون أي صيانة.

البلوتونيوم 238، هو نظير مشع لعنصر البلوتونيوم ويبلغ نصف العمر له 87.7 عاماً، وهو الزمن اللازم لتحلل نصف عدد أنوية العنصر المشع في أي عينة منه. البلوتونيوم 238 هو باعث قوي جدا لجسيمات “ألفا”. تتكون أشعة “ألفا”، والتي تسمى أيضاً جسيمات “ألفا” أو إشعاع “ألفا”، من 2 بروتون و 2 نيوترون مترابطين معاً في جسيم مماثل لنواة الهيليوم وهو ذو شحنة كهربائية موجبة.

قد يهمك ايضاً:

الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا عبر تركيا دروب الموت والابتزاز

الإتجاهات الحديثة فى مجال تنمية الموارد البشرية 

ونظراً لأنه يمكن حجب وايقاف جسيمات “ألفا” بسهولة، فيمكن إيقافها بقطعة من الورق المقوى، فإن هذا يجعل نظير البلوتونيوم 238 مناسباً للاستخدام في المولدات الكهروحرارية للنظائر المشعة ووحدات سخانات النظائر المشعة، حيث تمتاز جسيمات “ألفا” بقدرة كبيرة على تأيّن المواد.

وحدات سخانات النظائر المشعة هى أجهزة صغيرة الحجم وخفيفة الوزن ولا تعمل بالكهرباء ولا تحتاج صيانة، وهى توفر الطاقة الحرارية للتدفئة، للحفاظ على تشغيل أجهزة المركبة الفضائية الإلكترونية وأنظمتها الميكانيكية في درجات الحرارة الباردة لنظامنا الشمسي. والمولدات الكهروحرارية للنظائر المشعة تستخدم الطاقة الحرارية المتولدة من وحدات سخانات النظائر المشعة فى توليد طاقة كهربائية لتشغيل أجهزة المركبة الفضائية.

كل جرام من البلوتونيوم 238 يحدث له “تفكك” مقداره 634 مليار مرة فى الثانية، بمعنى خروج 634 من جسيمات “ألفا” فى الثانية. كل جسيم من جسيمات “ألفا” المنبعثة لديه طاقة حركة مقدارها 8.961 × 10−13  جول، والتي تتحول بسرعة إلى حرارة لو فقدت هذه الجسيمات طاقة حركتها داخل مادة. لذلك، كل جرام من البلوتونيوم 238  يولد تلقائياً 0.568 وات من الحرارة.

تهبط درجة الحرارة في الفضاء إلى درجات لا تستطيع الأجهزة العلمية للمسبار العمل فيها. وجاءت فكرة السخان الذى يعمل بالنظائر المشعة من أن تحلل البلوتونيوم – 238 ينتج عنه حرارة، والحرارة الناتجة يمكن استغلالها الحرارة للحفاظ على مكونات وأنظمة المركبات الفضائية دافئة، بحيث يمكن للمعدات البقاء على قيد الحياة لفترة كافية في بيئة الفضاء البارد لإكمال مهمتها. حجم السخان ووزنه جاءت موافقة للشروط المطلوبة للمسبار. هناك سخان يستخدم 2.7 جرام من ثانى أكسيد البلوتونيوم، محفوظة فى حافظة من البلاتين والروديوم، ثم ثلات طبقات عازلة من الجرافيت. هذا السخان على شكل اسطوانة طولها 3.3 سم وقطرها 2.54 سم، ووزنها 40 جرام، وتنتج حرارة مقدارها 1 وات. يمكن استخدامها بشكل فردي أو في مجموعات تصل إلى عشرات لتسخين المكونات. كما أن هناك سخان يستخدم كمية أكبر من ثانى أكسيد البلوتونيوم مقدارها 17 جرام، وينتج حرارة مقدارها 8.5 وات، ووزنها 180 جرام.

هذه السخانات تولد حرارة بدون طاقة كهربائية، فهى تمتاز عن استخدام السخانات الكهربائية فى أنها توفرالطاقة الكهربائية النادرة للمركبة الفضائية لتشغيل أنظمتها. وفائدة أخرى، فى عدم حدوث تداخل كهرومغناطيسي مع الأجهزة الإلكترونية للمركبة الفضائية، كما يحدث عند استخدام السخانات التى تعمل بالكهرباء.

هناك طرق عديدة لتحول الحرارة إلى كهرباء. من أهم هذه الطرق استخدام “المزدوج الحراري”، وهى تتكون من معدنين مختلفين متصلين ببعضهما البعض عند طرف المزدوجة، وعند حدوث اختلاف حراري في طرف المزدوجة الذي يحوي بدوره طرفي المعدنين المختلفين، يتكوّن تيار كهربائى تناسبي للحرارة المارّة في كل من الفلزين. فكلما زادت حرارة المعدن، تولّد تيار كهربائي أكبر.

بالطبع لن يستخدم المسبار مولد كهرباء يدار بمحرك، لكنه سوف يستخدم البطاريات لتوفير الطاقة الكهربائية لتشغيل أنظمته، وشرط أساسى أن تعمل البطارية لمدد طويلة، وقد تزيد عن عشر سنوات، وذلك طبقاً للمهمة المرسل إليها المسبار. طالما توصلوا إلى توليد حرارة من التحلل الإشعاعى للنظائر المشعة، فهى خطوة مهمة فى تصنيع بطارية تعتمد على هذه الحرارة. وبالتالى فيمكن تركيب السخان الذى يولد حرارة من التحلل الإشعاعى للنظائر المشعة مع وحدة محول كهروحرارى “المزدوج الحراري”، نحصل على بطارية كهربائية تستطيع العمل لمدد طويلة قد تصل إلى أكثر من عشر سنوات.

هناك بطارية تستخدم 4.8 كيلوجرام من ثانى أكسيد البلوتونيوم، تعطى قدرة كهربائية مقدارها 110 وات، والجهد 15 فولت، وهى عبارة عن وعاء اسطوانى قطره 64 سم وطوله 66 سم ووزنه 45 كيلوجرام.

الرحلات إلى زحل والمشترى زودت بثلاثة بطاريات نظائر مشعة مع مزدوجات حرارية من السيليسيوم والجرمانيوم، البطارية بها 4.5 كيلوجرام من البلوتونيوم-238، وهى عبارة عن وعاء إسطوانى طوله 50 سم وقطره 40 سم ووزنه 39 كيلوجرام، والبطاريات الثلاث تولد طاقة كهربائية قدرتها  470 وات، عند جهد 30 فولت.

الدفع النووى ومقصود به محركات دفع الصواريخ التى تعمل بالطاقة النووية، تضم طائفة كبيرة من الأساليب التى تعتمد أساساً على التفاعل النووى، وسوف نتطرق لهذا الموضوع فى مقالة قادمة.

أشكركم وإلى أن نلتقى فى مقالة أخرى لكم منى أجمل وأرق التحيات.

 

اترك رد