بقلم – الدكتور على عبد النبى:
اللون الأخضر يدل على لون الزرع والطبيعة، وهذا ما يفسّر قدرته على بعث البهجة والسعادة والسرور والراحة والهدوء والأمان في نفس الإنسان. كما أن الإنسان يزرع المروج الخضراء لإضفاء الجمال على المنطقة التى يعيش فيها، وللوقاية من الأتربة والرمال وملوثات الهواء، وكذا لترطيب الهواء فى الأوقات الحارة، كما وأنها تقلل من التلوث السمعى فهى تمتص الأصوات وبذلك يقل الضجيج. وعندما تريد أن تعيش مع الطبيعة فى هدوء وأمان، فعليك استخدام مصادر الطاقة التى توفر لك الأمان ولا تزعجك ولا تؤرقك ولا تضر صحتك ولا تدمر البيئة التى تتمتع بجمالها، والتى تتريض فيها طاقتك الإنسانية لتواصل نشاطها.
الله سبحانه وتعالى أحسن العطاء للبشر، فقد وفر فى الطبيعة أنواعاً من مصادر الطاقة المستدامة والتى لا تنفد ولا تنضب فهى غير محدودة مهما أسرف الإنسان فى استخدامه لها، وهذا يعني أنها تتجدد بشكل طبيعي، فهى تلبى احتياجات البشر الحالية وتلبى احتياجات الأجيال القادمة، وهى تتمتع بخصائص عظيمة جعلتها تستحق أن يطلق عليها مسمى “الطاقة الخضراء”، فهى طاقة نظيفة لا تضيف مزيداً من التلوث لبيئتنا الطبيعية أو لصحة الإنسان أو تتسبب فى تغير المناخ.
ظهرت “الطاقة الخضراء” لتعطى بارقة أمل جديدة للمحافظة على كوكب الأرض من الانتهاكات التى تنتهك حق الإنسان من العيش فى بيئة طبيعية نظيفة وهادئة وأمنة.
مصادر “الطاقة الخضراء” تختلف عن مصادر الطاقة التقليدية المهددة بالنضوب مثل البترول والفحم والغاز الطبيعى، والتى ينطلق من استخدامها الغازات الدفيئة ومنها غازات سامة وخاصة غاز الكربون، كما أن هناك صعوبة فى الحصول على هذه المصادر، فهى تحتاج إلى تكنولوجيات متطورة فى عمليات التعدين أو الحفر فى أعماق باطن الأرض. أما الطاقة الخضراء فهى تستخدم بسهولة من مصادر الطاقة الطبيعية المتاحة مثل أشعة الشمس والرياح ومساقط المياه والأمطار والمد والجزر والنباتات والطحالب وحرارة باطن الأرض والكتلة الحيوية والوقود الحيوى.
تأخرت البشرية كثيراً فى الاعتماد على مصادر “الطاقة الخضراء” بشكل تجارى، واعتمدت فى المئة عام الأخيرة وبشكل تجارى مكثف على مصادر الطاقة التقليدية، مما أدى إلى مشاكل لا حصر لها فى المناخ والبيئة والصحة العامة.
وفي العقدين الماضين، نجد أن التركيز فى البحث والتطوير في مجال الطاقة الخضراء (الطاقة المتجددة) انتشر انتشاراً واسعاً، مما أسفر عن عشرات من التكنولوجيات الجديدة والواعدة والتي يمكن أن تقلل من اعتمادنا على مصادر الطاقة التقليدية. وأصبح الجميع الآن يبحثون عن مزيد من الفوائد لهذه المصادر المتجددة.
التنمية هي عنصر أساسي للاستقرار والتطور الإنساني والاجتماعي، وهي عملية تطور شاملة ومستمرة لنقل المجتمع نوعياً وتحسين أحواله الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وللرقي بالوضع الإنساني إلى مستوى عالٍ من الرفاهية والاستقرار والتطور، وذلك من خلال تنمية الموارد والإمكانيات المتاحة داخل المجتمع.
والتنمية المستدامة تعنى توفير حياة كريمة للأجيال الحالية، ودون إلحاق الضرر بالأجيال القادمة من خلال المحافظة على نفس الفرص والحق فى حياة كريمة. وتستند خطة التنمية المستدامة على ثلاثة عناصر وهى البعد الاقتصادى، وهو يهدف إلى تحسين مستوى الكفاءة والفاعلية للأفراد والمؤسسات التى تقوم بتنفيذ السياسات والبرامج التنموية. والبعد الاجتماعى (الإنسانى) ويهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية بين الجنسين، وتحقيق المساءلة والمشاركة فى صنع القرار. والبعد البيئى، ويهدف إلى ضرورة إحداث توازن بيئى فى الدولة، ومحاربة استنزاف الموارد الطبيعية.
إذاً فإن التنمية المستدامة تهدف إلى القضاء على الفقر والقضاء على الجوع، والصحة الجيدة، وإلى مستوى عالٍ من الرفاهية، والتعليم الجيد، وتكافؤ الفرص بين الجنسين، و توفير فرص للعمل الشريف ونمو الاقتصاد والصناعة والابتكارات، وكذا تهدف إلى توفير المياه النظيفة والنظافة الصحية والطاقة النظيفة وبأسعار معقولة. فالآن أصبحت “الطاقة الخضراء” من أهم دعائم التنمية المستدامة، فهى قادرة على أن تحل محل الوقود التقليدى في جميع مجالات الاستخدام الرئيسية، بما في ذلك توليد الكهرباء وتحلية المياه وتدفئة المنازل ووقود للسيارات و و و الخ.
تستخدم “الطاقة الخضراء” مصادر الطاقة المتاحة بسهولة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك المناطق الريفية والنائية والتي لا تستطيع الحصول على الكهرباء عن طريق شبكة الكهرباء الموحدة، وبذلك فهى طاقة مناسبة لتدعيم التنمية المستدامة فى الريف والمناطق النائية.
كما أدى التقدم في تكنولوجيات “الطاقة الخضراء” إلى خفض تكلفة الألواح الشمسية وتوربينات الرياح وغيرها من مصادر الطاقة الخضراء، مما وضع القدرة على إنتاج الكهرباء في أيدي الناس بدلاً من اعتمادهم على شركات البترول والغاز الطبيعى والفحم ومحطات توليد الكهرباء العامة.
ومن أهم فوائد الطاقة الخضراء المساعدة في الحد من الفقر للأشخاص الذين تنقصهم التنمية بسبب عدم حصولهم على الكهرباء والمياه النظيفة. لكننا نحن بحاجة إلى صناعات وأعمال تتفهم وتطور وتستثمر في مصادر “الطاقة الخضراء”, حيث أن التوسع فى الاستثمار فى مشروعات “الطاقة الخضراء” يحقق فوائد ضخمة في شكل خلق فرص عمل جديدة وتلوث أقل وصحة عامة أفضل وتحسين للأمن الغذائي.
فوق كل ذلك، هناك دور هام للأجهزة الرقابية فى تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وهذا الدور يؤدى إلى تحسين النتائج الحكومية المتعلقة بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة، من خلال استخدامها لصلاحياتها القانونية. وذلك للوقوف على مدى جاهزية الحكومة فى تنفيذ الأهداف ورقابة أدائها وبيان نواحى الضعف والقصور فيها ومساعدتها فى اتخاذ القرارات السليمة.
أشكركم وإلى أن نلتقى فى مقالة أخرى لكم منى أجمل وأرق التحيات.