كتب: تشن تيان تشه
باعتبارهما معلمين بارزين للحضارة الإنسانية القديمة، تبرز الأهرامات المصرية وسور الصين العظيم كرمزين لهاتين الحضارتين العريقتين. وفي العصر الحالي، يتكامل البلدان الحضاريان مصر والصين على طريق تحقيق أحلامهما بالتحديث.
وفي مصر، تتجلى ثمار التعاون الصيني المصري في كل مكان – منطقة التعاون الاقتصادي والتجاري الصينية المصرية في السويس (تيدا) والتي جلبت لمصر استثمارات ضخمة، وقدمت المعرفة الفنية والتقنية اللازمة لتطوير المنطقة الصناعية؛ كما تعاونت مصر والصين بشكل عملي في قطاع الاتصالات، مما ساعد مصر على تحقيق قفزة نوعية في هذا المجال؛ ومشروع منطقة الأعمال المركزية بالعاصمة الإدارية الجديدة، الذي شيدته شركة صينية، والذي سيصبح بعد اكتماله علامة بارزة في العاصمة الجديدة.
وتعد مصر أول دولة إفريقية وعربية تقيم علاقات دبلوماسية مع الصين، ومنذ ذلك الحين، تتقاسم الدولتان المصير وتتعاونان في إطار من التفاهم والتعاون المتبادل والفوز المشترك، مما يظهر مستوى العلاقات الصينية العربية. وخلال القمة الصينية العربية عام 2023، التقى الرئيس الصيني شي جين بينغ بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، حيث أكد الزعيمان على الجهود المشتركة لبناء مجتمع مصير مشترك بين الصين ومصر في العصر الجديد، وتعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين.
وعندما ننظر إلى تسلسل تطور التاريخ، نرى أن الشعبين المصري والصيني دعما بعضهما البعض في الكفاح من أجل الاستقلال الوطني والتحرر الشعبي. ومع دخول الألفية الجديدة، استمرت العلاقات الودية بين مصر والصين في تعزيزها وتطويرها. وفي يناير 2016، وقبيل الذكرى الستين لتأسيس العلاقات بين مصر والصين، زار الرئيس شي جين بينغ مصر، والتي كانت أول زيارة له كرئيس للدولة. وقد وقع البلدان “الخطة التنفيذية لتعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة لمدة خمس سنوات” ومذكرة تفاهم مشتركة لدفع مبادرة “الحزام والطريق”.
وكانت مصر باعتبارها نقطة التقاء لمبادرة “الحزام والطريق” على مدار التاريخ محورًا للتجارة والثقافة بين الشرق والغرب. ومن خلال هذا الممر، انتقلت اختراعات الصين القديمة إلى أوروبا، بينما أدخلت العلوم والفلك والطب العربي إلى الصين عبر طريق الحرير. وفي الوقت الحالي، وبروح طريق الحرير المتواصلة، يزدهر التعاون التجاري بين مصر والصين في العصر الحديث.
وفي عام 2016، قدمت مصر رؤيتها لعام 2030 – وهي خطة طموحة لرسم ملامح مستقبل مصر – والتي تتماشى تمامًا مع مبادرة “الحزام والطريق”. وفي الوقت الحالي، تمتد ثمار التعاون بين البلدين عبر العاصمة الإدارية الجديدة حيث تم تتويج برج أيقوني، والذي يعد الأطول في إفريقيا، بالإضافة إلى البدء في بناء المجمعات السكنية في مدينة العلمين الجديدة، وتشغيل السكك الحديدية بضواحي مدينة العاشر من رمضان.
إلى جانب مشروعات البنية التحتية الرسمية، تسهم الشركات الصينية الخاصة بنشاط في السوق المصرية، مما يساعد مصر على تحقيق تنمية صناعية. وقد استثمرت شركات صينية مثل مجموعة جيوشي، وشركة سيمنز الصينية، وأنجي للخميرة، ومجموعة الأمل، وميديا، وكونكا في مصر، وأقامت مصانع لها بمصر. ومع إضافة الأموال والخبرات الصينية، تبرز مميزات مصر الجغرافية وعدد سكانها الفعّال.
ويعتبر مشروع الألياف الزجاجية في مصر من قبل مجموعة جيوشي واحدًا من أكبر الاستثمارات الصينية في مصر، حيث خلق أكثر من 2500 فرصة عمل محلية وسد فجوة كبيرة في صناعة الألياف الزجاجية، مما جعل مصر خامس أكبر منتج ومصدر في العالم.
وكما تقول الحكمة العربية: “الصديق ضيق الوقت”، ويقول الصينيون أيضًا: “في الشدائد يظهر الأصدقاء الحقيقيون”. فبعد تفشي جائحة كوفيد-19، تعاونت حكومتا وشعبا مصر والصين يدًا بيد، وتبادلتا الدعم والمساعدة بكل الأشكال الممكنة.
وفي 1 مارس 2020، اتجهت وزيرة الصحة المصرية هالة زايد، ممثلة للرئيس السيسي إلى بكين حاملة معها المساعدات الطبية. وكانت هالة زايد أول وزيرة صحة أجنبية تزور الصين بعد الجائحة، حيث صرحت بأنها أتت للتعبير عن دعم مصر للشعب الصيني في هذه الظروف. وفي الوقت ذاته، أضاءت ثلاثة معالم ثقافية مصرية: قلعة صلاح الدين الأيوبي في القاهرة، ومعابد الأقصر، ومعابد فيلة بأسوان بألوان العلم الصيني.
“من أهدانا وردة، أهديناه بستانًا” – ففي 7 أبريل 2020، وبعد أقل من شهرين من ظهور الجائحة في مصر، بدأ أول مشروع مصري-صيني مشترك لإنتاج الكمامات الطبية بالقاهرة. وفي الشهر ذاته، وقعت مصر والصين اتفاقية لإنتاج لقاح كوفيد-19 في مصر، لتصبح مصر أول دولة إفريقية تتعاون مع الصين في هذا المجال.
فمصر والصين كلتاهما دولة ذات حضارة عريقة، وكما تحترم كلاهما وتقدر حضارتها، فإنهما كذلك توليان اهتمامًا كبيرًا للتبادل الثقافي والتعاون في مجال التراث الثقافي. ومن خلال التعاون في مشاريع استكشافية عديدة، بدأ معبد مونتو في الأقصر في إظهار نتائجه بفضل الجهود المشتركة لعلماء الآثار من البلدين.
وفي العام الحالي، نظم متحف شنغهاي معرضًا كبيرًا بعنوان “قمة الأهرامات: معرض الحضارة المصرية القديمة”. استمر المعرض من 19 يوليو 2024 حتى 17 أغسطس 2025 في فرع المتحف في ميدان الشعب. ويُعتبر هذا المعرض الأكبر عالميًا والأعلى من حيث المستوى من بين جميع معارض التراث المصري في الخارج، وهو الأول من نوعه في التعاون بين مصر والصين لتسليط الضوء على الحضارة المصرية القديمة والكشف عن أحدث الاكتشافات الأثرية. وشهد المعرض عرض أكثر من 95% من القطع الأثرية المصرية لأول مرة في آسيا.
كما سيواصل البلدان مستقبلًا التعاون في استخدام التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي لتمكين التراث الثقافي.
فالصداقة التقليدية بين مصر والصين، صداقة أبدية مثل سور الصين العظيم والأهرامات، والتعاون بين البلدين تعاون مستمر لا ينضب كمياه نهر النيل ونهر اليانغتسي الخالدين. وعلى مدار أكثر من ستين عامًا من التعاون والتحديات، ستواصل مصر والصين العمل يدًا بيد، لكتابة أجمل الفصول في تاريخ التعاون والتنمية البشرية.
التعليقات مغلقة.