كتب : محمد سمير
يشكل الاهتمام بالصناعات الحرفية بسلطنة عُمان، أحد الثوابت الاستراتيجية الهادفة إلى رفد الاقتصاد الوطني، وبات إدماجه في دعم الاقتصاد من مفردات العصر الحديث، ويمثل ذلك جوهر معنى النهضة التي تعني ارتباطا ما بين الأمس واليوم من أجل المستقبل، يقوم على الاستفادة من معطيات التاريخ وتراث الأجداد في سبيل صناعة الحياة المستقبلية المشرقة للجميع.
وانطلاقاً من ذلك لا تدخر الحكومة العُمانية جهداً من أجل الاهتمام بالصناعات الحرفية؛ من خلال الحفاظ عليها كتراث وجزء من الهُوية، وتشجيع القائمين عليها للاستمرار بها، وتطوير قدراتهم وإمكاناتهم؛ بما يتيح لهم إمكانية الخروج من نطاق الهواية إلى اعتبار هذه الصناعات مصدراً رئيسيا لدخل الاسرة، وثروة تراثية للوطن يجب الحفاظ عليها.
وقد أنشأت سلطنة عُمان الهيئة العامة للصناعات الحرفية لتقود هذا العمل الوطني والمبادرات التي تعمل على تطوير التراث الحرفي ونقله إلى مساحات أرحب في التلاقي مع الحياة الإنسانية، وفي الوقت نفسه فإن ثمة اهتماما متعاظما بتراث السلطنة في كافة القطاعات إيمانا بأن الحداثة تأتي من عمق الانتماء للتاريخ.
في هذا الإطار تأتي أهمية الكبيرة للمعارض الحرفية التي تنظمها الهيئة العامة للصناعات الحرفية مثل معرض سوق الحرف بالسيب، الذي يهدف إلى التعريف بالصناعات الحرفية المختلفة وتسويق منتجاتها، حيث إن مثل هذا المعرض وغيره، يعتبر مهما في رفد التجربة وتعزيز التواصل مع المواطنين والزوار والسياح في السلطنة.
تتيح مثل هذه المعارض العديد من الفرص للشباب الواعدين ورواد الأعمال، فهي مصدر للرزق قابل للتطوير والتحديث وليس من حد لذلك سواء الابتكار والعمل المستمر على الإضافة، وربما هذه هي روح الشباب المتطلع الذي يؤمن بالجديد ويستعين بالمثابرة في تقديم ما هو أفضل حتى يحقق ذاته ومن خلال تحقيق الذات يكون أيضا قد أفاد مجتمعه ووطنه.
ولعل صدور المرسوم السلطاني بإنشاء الهيئة العامة للصناعات الحرفية ترجمة لهذا الاهتمام؛ لتمارس الهيئة دورها المنشود في تدعيم وتطوير هذا القطاع الثقافي والتراثي والاقتصادي المهم، خاصة وأن سلطنة عُمان تتمتع بثراء جغرافي أَوجد ثراء حرفياً في كافة الولايات والمحافظات؛ لهذا فإن الهيئة شرعت منذ بدايتها في وضع أسس علمية مدروسة واستراتيجيات لتحقيق ما تصبو إليه، ومنها قيامها بحصر وتوثيق الحرف العمانية، وذلك بهدف حمايتها من الاندثار، ومنع أي تطور يؤثر بشكل سلبي عليها.
كذلك؛ فإن جهود الحكومة العُمانية تتواصل من أجل تدريب وتطوير قدرات ومهارات الحرفيين ومساعدتهم على تسويق منتجاتهم من خلال منافذ ومعارض ومهرجانات محلية ودولية متعددة؛ وذلك بهدف التعريف بهذا الثراء الثقافي المتمثل في الحرف العمانية للمجتمعات والشعوب الأخرى.
وتأتي البرامج والمبادرات المتوالية الرامية لدعم الصناعات الحرفية في سلطنة عُمان إيمانا منها بأهمية هذه الصناعات ودورها في رفد ودعم الاقتصاد الوطني علاوة على أنها تسهم في الحفاظ على الهوية والتراث العماني.
واستطاع القطاع الحرفي العماني تحقيق العديد من المكتسبات المتمثلة في إنشاء عدد من المشاريع الحرفية وتنفيذ برامج لرعاية ودعم الحرفيين بمختلف ولايات السلطنة مدعوما بمبادرات تطويرية لبرامج التدريب والإنتاج الحرفي مع العمل على فتح منافذ تسويقية حرفية مساندة وتهيئة مواقع بيئات الحرف لاستقطاب ممارسي الحرف بتقنيات مبتكرة إلى جانب تكثيف قنوات للتعاون المشترك مع عدد من الهيئات والمنظمات الدولية والإقليمية .
ويأتي اعتماد الهيئة العامة للصناعات الحرفية لمبادرات تقديم دعم نقدي ولوجستي لـ1521 حرفيا وحرفية من مختلف محافظات السلطنة إلى جانب دعم 10 مشاريع حرفية في إطار الدعم والجهد المتواصل للنهوض بهذا القطاع الحيوي.
ولعل اهتمام الحكومة بالبيوت الحرفية الموزعة على مختلف محافظات السلطنة، وحرصها على الاطلاع على حجم مبيعاتها؛ يؤكد أهمية هذا القطاع في رفد الاقتصاد الوطني، وذلك طبقاً لاستراتيجيات النمو المستدام.
ويمكن الإشارة إلى مشروع كلية الأجيال التي تصب بشكل ملموس في موضوعات التراث والموروثات والحرفيات عامة، وهي ذلك المشروع الذي جاء بتوجيه من القيادة السياسية في سيح الشامخات 2013، ويتوقع أن يكون له ثمرات طبية على مستويات عديدة في شأن النظر إلى الصناعات الحرفية وتطويرها وفق مناهج علمي وأسس حديثة، وكل ذلك يخدم في مشروع النهضة ومسيرة النماء المستدام معرفيا وإنسانيا.
ومما يُذكر أن سلسلة بيت الحرفي العُماني تعتبر من أهم المنافذ الحرفية المطورة التي يتم من خلالها تسويق وترويج الحرف العُمانية؛ وبالتالي تحقيق التنوع الاقتصادي، حيث يتمتع القطاع الحرفي في السلطنة بالعديد من المزايا الاستثمارية التي تمكنه من استقطاب الكفاءات الحرفية الوطنية، وقد بلغ عدد المنافذ الاستثمارية والتسويقية للصناعات الحرفية خلال عام 2017 نحو 24 منفذا حرفيا في مواقع ذات جذب سياحي بمختلف المحافظات العُمانية.