الصحة النفسية والشيزوفرينيا… حلقة 5

بقلم دكتور –  هشام فخر الدين:

هناك اعتقاد سائد لدى الكثيرين بأن مرضى الشيزوفرينيا يعانون من عدة شخصيات مختلفة، إلا أنه اعتقاد غير صحيح. فتعدد الشخصيات هو اضطراب نفسي مختلف يطلق عليه اضطراب الهوية التفارقي. وينطوي على معاناة المريض من فقدان ترابط أفكاره، وذكرياته، ومشاعره، وتصرفاته، وإحساسه بهويته، وهو ما يؤدي إلى ظهور شخصيتين مختلفتين أو أكثر تتحكم في تفكير المصاب وسلوكياته لكل منها هوية، وعمر، وعرق، وجنس مختلف.
وتعد أسباب انفصام الشخصية غير معروفة بشكل دقيق حتى الآن، ولكن يرجح أن المرض يحدث بسبب عدة عوامل، منها الإستعداد الوراثي حيث يعتقد أن للعوامل الجينية دور في الإصابة بانفصام الشخصية، حيث تزداد إحتمالية إصابة الشخص بالشيزوفرينيا إذا كان أحد والديه مصاباً به.
بالإضافة إلى أن اختلال توازن النواقل العصبية قد يكون من أسباب الشيزوفرينيا، حيث إن حدوث اختلال في توازن بعض النواقل العصبية في المخ، مثل الدوبامين والسيروتونين تؤثر على طريقة التفكير والسلوك.
فضلاً عن تغيرات في تركيبة الدماغ، حيث وجد اختلاف في بنية المخ لدى بعض مرضى الشيزوفرينيا.
والشيزوفرينيا اضطراب نفسي يتسم بسلوك اجتماعي غير طبيعي وفشل في تمييز الواقع. وتشمل الأعراض الشائعة الوهام واضطراب الفكر والهلوسة السمعية، بالإضافة إلى انخفاض المشاركة الاجتماعية والتعبير العاطفي وإنعدام الإرادة. وغالباً ما يكون لدى المصابين به مشاكل نفسية أُخرى مثل اضطرابات القلق والاضطراب الإكتئابي واضطراب تعاطي المخدرات. وعادة ما تظهر الأعراض تدريجياً، حيث تبدأ في مرحلة البلوغ وتستمر لفترة طويلة.
وتتضمن مسببات الشيزوفرينيا عوامل بيئية وجينية، فالعوامل البيئية المحتملة تتضمن النشأة في المدن وتعاطي القنب وبعض الأمراض المعدية وعمر الوالدين وسوء التغذية خلال الحمل. في حين تتضمن العوامل الجينية مجموعة متنوعة من المتغيرات الجينية الشائعة والنادرة على حد سواء. ويعتمد التشخيص على ملاحظة سلوك المريض والتجارب التي أفاد بها خلال عملية التشخيص مع ضرورة أخذ ثقافة الفرد بعين الإعتبار.
وتكمن خطورة الشيزوفرينيا فى كونه مرضاً نفسياً خطيراً لا ينبغي تجاهله أو تركه دون علاج، حيث قد يؤدي إلى حدوث مضاعفات خطيرة منها القلق والإكتئاب والرهاب ومشاكل أسرية واجتماعية. مع عدم القدرة على العمل وإعالة النفس، الأمر الذي قد يؤدي إلى الفقر والتشرد. بالإضافة إلى إدمان الكحول أو تعاطي المخدرات، وإيذاء النفس أو الإنتحار.
ويؤثر مرض الشيزوفرينيا على 24 مليون شخص تقريبا،ً أو على شخص واحد من كل 300 شخص (0.32%) في جميع أنحاء العالم. ويمثل هذا المعدل شخصاً واحداً من كل 222 شخصاً (0.45%) فيما بين البالغين فهو أقل شيوعاً من العديد من الاضطرابات النفسية الأخرى. وغالباً ما يبدأ في الظهور بأواخر مرحلة المراهقة وسن العشرينات، ويميل إلى الظهور في وقت مبكر بين الرجال أكثر من النساء. وكثيراً ما يتسبب في قدرٍ كبير من الضيق والتعثر في المجالات الشخصية والأسرية والاجتماعية والتعليمية والمهنية، وغيرها من مجالات الحياة الهامة. ومن المرجح أن يموت المصابون بانفصام الشخصية في وقت مبكر بمعدل يتراوح بين مرتين وثلاث مرات أكثر من عامة السكان. وغالباً ما يعزى ذلك إلى الإصابة باعتلالات جسدية، من قبيل أمراض القلب والأوعية الدموية واضطرابات الفعاليات الأيضية والأمراض المعدية.
وكثيراً ما يتعرض المصابون بانفصام الشخصية لانتهاكات حقوق الإنسان، سواء داخل مؤسسات الصحة النفسية أم في الأوساط المجتمعية. وممارسات الوصم ضد المصابين بهذه الحالة المرضية شديدة وواسعة النطاق، مما يسبب إقصاءهم الاجتماعي، ويؤثر على علاقاتهم مع الآخرين، بمن في ذلك الأسرة والأصدقاء، ويسهم في ممارسة التمييز ضدهم، الذي يمكن أن يحد بدوره من حصولهم على الرعاية الصحية العامة وفرص التعليم والسكن والعمل.

وتمثل الأدوية المضادة للذهان الركيزة الأساسية في علاج الشيزوفرينيا، بالإضافة إلى العلاج النفسي وإعادة التأهيل المهني والاجتماعي. حيث إنه من غير الواضح إذا ما كانت مضادات النمطية أم غير النمطية أفضل في العلاج. فهناك بعض الحالات التي لا تتحسن باستخدام مضادات الذهان، وفى هذه الحالة يتم استخدام الكلوزابين في بعض الحالات الأكثر خطورة والتي تشكل خطراً على سلامة المريض أو الآخرين. وقد يلزم الإيداع الإجباري بالمستشفى بالرغم من أن مدة الإقامة بالمستشفى أقصر وأقل تكراراً مما كانت عليه سابقًا.
وهناك بعض الإرشادات التي تساعد في السيطرة والتعايش مع مرض الشيزوفرينيا وتقليل خطورته كالالتزام بالعلاجات الموصى بها. مع تعلم طرق الإسترخاء وتخفيف حدة التوتر، مثل التأمل واليوغا. فضلاً عن الإنضمام إلى مجموعات دعم الأشخاص المصابين، مع تجديد الأهداف والتركيز عليها للإنشغال بها وتقليل أعراض المرض.