مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

الصحة النفسية … متلازمة اليد الغريبة .. حلقة 60

الصحة النفسية … متلازمة اليد الغريبة .. حلقة 60
بقلم دكتور/ هشام فخر الدين
مما لاشك فيه أن الأمراض النفسية النادرة تعتبر من الموضوعات المثيرة للبحث والدراسة في مجال الطب
النفسي، حيث تثير تساؤلات عديدة حول أسبابها وآلية تأثيرها على النفس البشرية. حيث تتميز هذه
الأمراض بظهور أعراض غير تقليدية، قد تكون صعبة التشخيص أو غير مفهومة بالكامل في بعض
الأحيان. وغالباً ما تكون هذه الحالات ناتجة عن خلل في التوازن الكيميائي أو العضوي في الدماغ، مما
يسبب تغييرات غير معتادة في سلوك الفرد، مشاعره، أو تفكيره.
وبالرغم من ندرتها فإن هذه الأمراض تشكل تحدياً كبيراً في فهم العلاقة بين العقل والجسم، وتستدعي
البحث المتواصل لفهم أسبابها وطرق علاجها. ومن هنا فإن تسليط الضوء على هذه الأمراض يعزز من
فهمنا لحالة النفس البشرية ويحفز المزيد من التطور في الأبحاث الطبية والنفسية.
وما بين أيدينا اليوم أحد هذه الأمراض النفسية النادرة والمتمثل فى متلازمة اليد الغريبة، والتى تعد واحدة
من أكثر الاضطرابات العصبية غرابةً وإثارةً للفضول الطبي. حيث يعاني المصابون بهذه الحالة من فقدان
السيطرة الواعية على إحدى يديهم، حيث تظهر وكأنها تتصرف بشكل مستقل تماماً عن إرادتهم. ويتسبب
هذا الاضطراب في صراع داخلي، حيث يشعر المريض أن اليد التي تتحرك ليست جزءً منه، بل "يد
غريبة" تثير القلق والإزعاج.
وتتمثل متلازمة اليد الغريبة في شعور المريض بأن يده تتحرك دون إرادته، بل أحياناً تقوم بتصرفات غير
مرغوب فيها، مثل الإمساك بالأشياء أو تحريك الأبواب، بل وأحياناً قد تهاجم الشخص نفسه أو الآخرين.
حيث تصف هذه الحالة اليد المصابة بأنها لا تنتمي إلى جسده، مما يجعلها تختلف عن السلوكيات التي
تنطوي على اضطرابات حركية أخرى.
وتتعدد الأسباب العصبية التي قد تؤدي إلى ظهور هذه المتلازمة، وتعد المناطق الدماغية المتأثرة من أبرز
العوامل التى تسبب المتلازمة، . ويعد الجسم الثفني الذي يربط نصفي الدماغ الأيمن والأيسر، من أكثر
المناطق تضرراً في الحالات التي تُصاب بهذه المتلازمة. كما أن الفص الجبهي الذي يتحكم في الحركات
الإرادية، بالإضافة إلى الفص الجداري المسؤول عن الإدراك الحسي والحركي، يمكن أن يتعرض للتلف
ليؤدي إلى هذه الظاهرة النادرة.
بالإضافة إلى ذلك فمن الممكن أن تظهر متلازمة اليد الغريبة نتيجة عدة حالات مرضية وعصبية، مثل
الجراحة التي يتم إجراؤها لعلاج الصرع عبر قطع الجسم الثفني، مما يفصل نصفي الدماغ ويؤدي إلى
اضطرابات في التحكم الحركي.
أيضاً السكتة الدماغية و التي قد تسبب تلفاً في المناطق الدماغية المسؤولة عن التنسيق بين الحركات.
بالإضافة إلى أن الأورام الدماغية تؤثر على الفصوص الجبهية أو الجدارية قد تؤدي إلى الإصابة بهذا
الاضطراب. فضلاً عن أن الأمراض التنكسية العصبية مثل مرض باركنسون والخرف الجبهي الصدغي.
وتتمثل أعراض متلازمة اليد الغريبة في حركات غير إرادية لليد المصابة. حيث يصف المريض شعوره
بأن اليد تتصرف بشكل منفصل، ويصبح من الصعب عليه أداء المهام اليومية بسبب الحركات العشوائية
ليده. وفي بعض الحالات قد تتعارض اليد المصابة مع اليد السليمة، مما يزيد من الشعور بالعجز والإرتباك.

قد يهمك ايضاً:

من أسباب صلاح القلوب صلة الأرحام

المستشار وليد رضوان يكتب حول الأحكام الغيابية وإجراءات…

ويعد تشخيص هذه المتلازمة عملية معقدة تتطلب تقييماً دقيقاً من الأطباء المتخصصين. ويبدأ التشخيص
بالتحقق من التاريخ المرضي للمريض، ثم يتم إجراء الفحص العصبي لتقييم الوظائف الحركية والحسية
للمريض. كما يُستخدم التصوير العصبي مثل التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) أو التصوير المقطعي
(CT) لتحديد موقع التلف في الدماغ وتفسير الأعراض.
وبالرغم من ندرة المتلازمة إلا أنها يمكن أن تؤثر بشكل كبير على حياة المريض، ولا يوجد علاج نهائي
لها حتى الآن، لكن هناك استراتيجيات متعددة للتعامل مع تلك الأعراض منها العلاج السلوكي: حيث
يُساعد المريض على تحسين التحكم في اليد المصابة عبر تدريبات وتعليمات لزيادة الوعي الحركي.
أيضاً العلاج الطبيعي يستخدم لتحسين التنسيق الحركي والمساعدة في استعادة القدرة على أداء المهام
اليومية. بالإضافة إلى الأدوية التى يمكن أن تُستخدم الأدوية في بعض الحالات للتحكم في الأعراض
المرتبطة بالقلق أو التوتر. مع التكيف البيئي والذى يتضمن ذلك استخدام أدوات خاصة أو تقنيات لتقييد
حركة اليد المصابة في المواقف التي تتطلب ذلك.
فمتلازمة اليد الغريبة تفتح أبواباً واسعة للبحث العلمي، فهي لا تكشف فقط عن اضطراب عصبي نادر، بل
تسلط الضوء على كيفية تفاعل الدماغ مع الحركات الإرادية والإدراك الذاتي. وفهم الآليات العصبية التي
تقف وراء هذه المتلازمة قد يُساهم في تحسين العلاجات لاضطرابات أخرى تتعلق بالتحكم الحركي، ويُسهم
في تقديم حلول أفضل للمصابين بأمراض عصبية أخرى.
وعلى الرغم من أن متلازمة اليد الغريبة تعد حالة نادرة ومعقدة، إلا أن الدراسات المستمرة حول أسبابها
وطرق علاجها تعد خطوة هامة نحو تعزيز فهمنا للدماغ البشري وعلاقته بالتحكم الحركي. فالأبحاث
المستقبلية قد تساهم في تطوير طرق علاجية جديدة، وبالتالي تحسين جودة حياة المرضى الذين يعانون من
هذا الاضطراب الغريب.

التعليقات مغلقة.