الصحة النفسية … اضطراب الكذب المرضي ح57
بقلم دكتور/ هشام فخر الدين
يتجلى المرض النفسي في اضطرابات تؤثر على التفكير، المشاعر، أو السلوكيات، مما ينعكس سلباً على
حياة الشخص اليومية وعلاقاته الاجتماعية وأدائه المهني. ويُعد الكذب جزءً من السلوك الإنساني الطبيعي،
حيث يلجأ الأفراد إليه أحياناً لأسباب متعددة مثل تجنب العقاب أو تحسين صورتهم أمام الآخرين. إلا أن
الكذب يصبح اضطراباً نفسياً، عندما يتحول إلى سلوك متكرر ومستمر دون وجود دافع واضح أو مكاسب
واضحة.
ويُعرف هذا الاضطراب بـ"اضطراب الكذب المرضي" (Pathological Lying)، وهو حالة نفسية
معقدة تنطوي على اختلاق الأكاذيب بشكل مزمن، مما يُؤثر على الفرد وعلاقاته الاجتماعية والمهنية.
واضطراب الكذب المرضي الذي أطلق عليه الباحثون أيضًا "متلازمة بينوكيو"، هو حالة نفسية تتميز
بالكذب المتكرر الذي يرتبط بمصلحة شخصية مباشرة أو ضرورية أو غير ضرورية وإنما الكذب لإيقاع
الضرر بمن حوله. ويتميز المصابون بهذا الاضطراب بقدرتهم العالية على التلاعب بالحقائق وتقديم
روايات خيالية بإتقان يُظهرها وكأنها حقيقية.
ويمكن تمييز اضطراب الكذب المرضي من خلال سماته فهناك الكذب المتكرر والذى يعمد إليه المريض
بشكل مستمر حتى عندما لا توجد حاجة واضحة لذلك. وهناك الافتقار إلى الدافع حيث تكون الأكاذيب غير
مدفوعة بمصلحة مادية أو اجتماعية واضحة، وغالبًا ما تكون غير منطقية. وهناك البناء الخيالي والذى
تُظهر فيه الأكاذيب طبيعة خيالية ومعقدة، حيث يختلق المريض قصصًا تنطوي على تفاصيل دقيقة.
ويؤدي الكذب المرضي إلى صعوبات في العلاقات الاجتماعية والمهنية، كما يمكن أن يُعرض المريض
لمشاكل قانونية أو أخلاقية.
رغم أن الأسباب الدقيقة للكذب المرضي لا تزال غير مفهومة تماماً، إلا أن الدراسات تشير إلى وجود
عوامل نفسية وبيولوجية محتملة فالأسباب النفسية مثل اضطرابات الشخصية حيث يرتبط الكذب المرضي
باضطرابات مثل اضطراب الشخصية النرجسية واضطراب الشخصية الحدية. وآليات الدفاع النفسي حيث
قد يلجأ الفرد للكذب كوسيلة للتعامل مع التوتر أو الهروب من الواقع.
وهناك الأسباب البيولوجية كاختلال في الوظائف الدماغية حيث تشير بعض الدراسات إلى أن الكذب
المرضي قد يكون مرتبطًا بعدم توازن في وظائف الفص الجبهي للدماغ، المسؤول عن اتخاذ القرارات
وضبط السلوك. أيضاً الهرمونات والنواقل العصبية حيث يُعتقد أن اختلال مستويات الدوبامين قد يلعب دورًا
في تعزيز السلوك الكاذب. ويتطلب تشخيص اضطراب الكذب المرضي تقييمًا دقيقًا يعتمد على المقابلة
الإكلينيكية والاختبارات النفسية والملاحظة السلوكية:
ويُؤثر الكذب المرضي سلباً على المصابين به وعلى المحيطين بهم فعلى المستوى الشخصي يعاني
المريض من تدهور في تقدير الذات والشعور بالذنب. أما على المستوى الاجتماعي فيؤدي الكذب المزمن
إلى فقدان الثقة من الآخرين، مما يؤدي إلى العزلة الاجتماعية.
وعلى المستوى المهني يمكن أن يُسبب فقدان الوظائف أو الإضرار بالسمعة المهنية. ورغم صعوبة علاج
اضطراب الكذب المرضي، إلا أن هناك استراتيجيات يمكن أن تُسهم في تحسين الحالة العلاج النفسي منه
العلاج المعرفي السلوكي، حيث يساعد المريض على التعرف على أنماط التفكير السلبية وتطوير
استراتيجيات بديلة للتعامل مع الضغوط.
والعلاج النفسي الديناميكي والذى يهدف إلى استكشاف الصراعات الداخلية والجذور العاطفية للسلوك. مع
الدعم الاجتماعي، فضلاً عن التدخل الطبي حيث إنه في بعض الحالات يمكن استخدام الأدوية لعلاج
الاضطرابات المصاحبة مثل القلق أو الاكتئاب.
فاضطراب الكذب المرضي هو حالة نفسية معقدة تتطلب تفهماً عميقاً وعلاجًا دقيقاً. حيث يشكل هذا
الاضطراب تحدياً كبيراً للفرد وللبيئة المحيطة به، ولكنه ليس غير قابل للتغيير. ومن خلال الجمع بين
العلاجات النفسية والدعم الاجتماعي، يمكن للمصابين استعادة السيطرة على حياتهم وبناء علاقات قائمة
على الصدق والثقة.
التعليقات مغلقة.