الشورى العُمانية للفترة التاسعة لبنة جديدة في مسيرة الديمقراطية
كتب – سمير عبد الشكور:
تنتظر سلطنة عُمان في السابع والعشرين من أكتوبر المقبل الحدث المرتقب المتمثل في انتخابات أعضاء مجلس الشورى للفترة التاسعة، الذي تتجدد عبره الإرادة الشعبية وتتعزز مسارات الشورى في البلاد، التي تم الاشتغال عليها وفق نهج ممنهج وتدريجي منذ السبعينيات إلى أن وصلت ما هي عليه اليوم من حيز التطور.
وجمعت التجربة العُمانية للشورى بين الأصالة والمعاصرة، حيث استقت منابعها الأولى من مقتضيات البيئة المحلية والإرث الثقافي والسياسي، وفي الوقت نفسه فهي تتقاطع مع التجارب الإنسانية والعالمية، وهذا ما سارت عليه التجربة العمانية في تشكيل النظام التشريعي وصناعة القرار السياسي، عبر مراحل كان لابد منها مع تطور نسق المجتمع والاتجاه نحو البناء المعقد للدولة الحديثة.
إن الحاجة إلى نظام شورى قوي يراهن عليه الشعب، يشكل مرتكزا أساسياً ودعامة من دعامات صناعة المستقبل الذي تسنده العديد من الاعتبارات المركزية، التي تتقاطع فيها الأهداف السياسية مع الاقتصادية مع المجتمعية، بحيث تصب كلها في تحريك الأهداف والمصالح العليا للوطن في سبيل الارتقاء المستمر باتجاه المستقبل المشرق.
إذا كانت الانتخابات هي عمل يمتلك فيه المواطن حرية الاختيار، فإن هذه الحريات هي التي تقود إلى الالتزام من جهة ثانية عبر ممثلي المواطنين في المجلس، وهذا يعني أن ثمة عملية تبادلية مفترضة وتأسيسا منهجيا من المهم أن يبدأ بالتمحيص والتركيز على العناصر الإيجابية التي تخدم تجربة المستقبل قبل كل شيء آخر، بالبحث عن العقول التي تتقاطع مع المعرفة الإنسانية وتؤمن بدور الوعي الجديد في صناعة الغد الأفضل.
إذا كانت وزارة الداخلية تبذل الجهود الكافية والملموسة لتطوير التجربة في الإطار التقني والإلكتروني وتهيئة كافة المعينات بما يمكن من قيام انتخابات عصرية بمعنى الكلمة، فإنه على الطرف الآخر تظل المسؤولية الاجتماعية هي الإطار الأكبر الذي يجب الوفاء به في صياغة القرارات التي تقود بالفعل الفضاءات الوطنية إلى آفاق جديدة تساهم في بلورة الاستراتيجيات والرؤى والأفكار المستقبلية.
تبقى الإشارة إلى أن أي تجربة من تجارب الإنسانية والمجتمعات تخضع للتطوير والرقي عبر الزمن وعبر التجريب المستمر، وهذه هي سمة الحياة على الأرض، في أن الإنسان يبتكر الأنظمة والأفكار ويعمل على تطويرها ونقلها من أفق لآخر جديد، وهو يعمل على تلافي نقاط الضعف في حين يستفيد من تعظيم النقاط الإيجابية لتؤدي إلى ثمرة ناضجة ينعكس خيرها على الجميع.
وعلى أية حال يمكن القول أن الشورى العمانية تطورت على امتداد العقود الخمسة الماضية، ليس فقط على الصعيد المؤسسي والتنظيمي تشريعياً، ولكن ايضاَ على صعيد الممارسة والدور الذي تقوم به مؤسسات الشورى وتهيئة المناخ لمشاركة أوسع وأعمق من جانب المواطنين العمانيين في صياغة وتوجيه التنمية الوطنية.
ولعل ما أسهم في تحقيق ذلك أن التجربة العمانية في ميدان العمل الديمقراطي ارتكزت على تراث عماني خصب ومتواصل في هذا المجال من ناحية، وعلى رؤية واضحة ومبكرة للسلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان استطاعت ان تمزج بنجاح بين خبرة الماضي، ومعطيات الحاضر، ومتطلبات التطور الاجتماعي والسياسي والتفاعل الايجابي معه بخطى متدرجة ومستمرة.
إجمالاً يمكن القول أن انتخابات الشورى للفترة التاسعة، باتت تجسد مخزناً للقيم والخصوصية العُمانية في التشريع والممارسة وفي آليات العمل البرلماني من أجل توسيع عملية المشاركة السياسية لتحقيق قيم التحديث عبر مراحل متتالية، مع الحفاظ على الخصوصية التاريخية والاجتماعية للواقع العماني، والأخذ بأسلوب التطور التدريجي السلمي البعيد عن النظريات والأطروحات الخارجية التي لا تتفق مع الثقافة السياسية العمانية.