الشمولية والبراجماتية …… حلقة (1)
بقلم دكتور – هشام فخر الدين:
برؤية سياسية تحليلية نجد بروز مسلمات النظرية البراجماتية السياسية، والتى أضحت من المفاهيم الشائعة بشكل كبير في المجال السياسى على المستوى العالمي، وأصبحت أغلب الأنظمة السياسية أنظمة براجماتية تبحث عن مصالحها ومنافعها في الميدان العالمي والإقليمي، وعادة ما تعكس تلك الأنظمة ثوابتها الوطنية في علاقاتها الخارجية.
فــــــــــــــ البراجماتية تعد من أبرز الأسس الفلسفية التي بنى عليها الفكر السياسي والإستراتيجي الأمريكي والسياسة الأمريكية اللاحقة والمعاصرة. بالإضافة إلى كونها اليوم المدرسة التي تحكم السياسة الأمريكية لكونها تتلائم بشكل كبير مع طبيعة المجتمع الأمريكي وتركيبه الديموجرافى.
فهى بشكل عام تحكمها معايير أخلاقية وقيم دينية بشرط أن تكون هذه المعايير والقيم لا تنفصل عن وسائل تحقيقها, فالأخلاق والقيم الأخلاقية حسب المفهوم البراجماتي تكون فارغة وعقيمة إذا إنفصلت عن وسائل تحقيقها. فكل فكرة لا بد أن يكون هناك مجالاً لتطبيقها على أرض الواقع .
فالبراجماتية عبارة عن سلوك أو سياسة تنظر إلى النتائج العملية المباشرة لممارسها, بدلاً من الاعتماد على مواثق نظرية. لذلك تأتي الكلمات والفكر كأدوات للتنبؤ وحل المشكلات والعمل. وبالتالي هي ترفض أن تكون وظيفة الفكرة أداة لوصف الواقع أو تمثيله أو عكسه, أي أداة فاعلة في خدمة الدولة والمجتمع وتنميتهما .
ومن هذا المنطلق النفعي المقتصر على المصالح الآنية والأنانية معا، التي تخدم فرداً أو كتلة اجتماعية محددة اقتصادية كانت أو سياسية في الغالب. ويؤكد البراجماتيون أن معظم الموضوعات الفلسفية – مثل طبيعة المعرفة، اللغة، المفاهيم، المعنى، المعتقد والعلوم- يُنظر إليها على أفضل وجه من حيث استخداماتها ونفعيتها العملية ونجاحاتها الضيقة.
أما الشمولية أو الكليانية فقد استعملت من قبل علماء السياسة وعلماء الاجتماع، لوصف الدولة التي تحاول فرض سلطتها على المجتمع بكل جوانب حياته, السياسية والاقتصاديّة والتعليمية والفنية والأخلاقية, والعمل على نمذجة المواطنين.
والأنظمة الشمولية هي أنظمة ديكتاتورية, يكون فيها الحكم الفعلي بيد حاكم مطلق الصلاحيات, سواء كان نظاماً ملكياً أو جمهورياً, مع وجود مجموعة من الأدوات حوله ينفذون ما يلقى عليهم من أوامر لقيادة الدولة والمجتمع, سواء كانوا رسميين يمثلون الحكومة ومؤسساتها, أو حزبيين يمثلون الحزب الحاكم ومنظماته ونقاباته.
وتختلف الشمولية عن السلطوية في أن الأولى تسعى للتحكم بكافة أوجه الحياة، بما في ذلك الاقتصاد والتعليم والفن وأخلاقيات المواطنين. حيث يقدم أسساً قانونية للدولة البالغة القوة. وقد أصبح المفهوم رائجاً في الأوساط الغربية المناهضة للشيوعية خلال حقبة الحرب الباردة، من باب إظهار التشابه بين ألمانيا النازية ودول فاشية يمينية أخرى من جهة، والحزب الشيوعي السوفييتي اليساري من جهة أخرى وحركات وحكومات أخرى وصفت بأنها شمولية مثل الاتحاد الإسباني لليمين المستقل الذي ظهر مابين 1933 و1937 في الجمهورية الإسبانية الثانية.
التعليقات مغلقة.