ورود لفظ “الطائف المأنوس” في مخطوطة “مهجة المهج في تاريخ الطائف ووج” بتاريخ نسخها عام 1079هـ يُعدّ توثيقًا مهمًا للقب الذي اشتهرت به مدينة الطائف. استخدام هذا الوصف في المخطوطة يعكس الطابع الثقافي والاجتماعي والطبيعي الذي ميّز الطائف في تلك الفترة، ويعطي إشارات إلى مكانة المدينة بين مدن الحجاز من النواحي الدينية، والجغرافية، والترفيهية.
دلالات ورود “الطائف المأنوس” في المخطوطة:
1.التسمية وسببها:
•تعبير “المأنوس” يشير إلى كون الطائف مدينة مريحة ومحببة للنفوس بسبب طبيعتها الخلابة، وطقسها المعتدل، وجمالها الزراعي.
•اللفظ يعكس الإحساس بالسكينة والأنس الذي يجده السكان والزائرون فيها، ما يجعلها مكانًا مميزًا للعيش والسكن.
2.ارتباطه بالثقافة الأندلسية:
•المصطلح قد يكون تأثرًا بالثقافة الأندلسية التي وصلت إلى الطائف بعد سقوط الأندلس. الأندلسيون جلبوا معهم تقاليد الزراعة المتقدمة، والموسيقى، والفنون التي ساهمت في إضفاء طابع “الأنس” على الطائف.
3.الزراعة والجمال الطبيعي:
•الطائف اشتهرت منذ القدم بأنها واحة زراعية خصبة، تنتج الفواكه مثل العنب والرمان، بالإضافة إلى الورود العطرية التي أكسبتها شهرة خاصة.
•الطابع الزراعي كان من الأسباب التي جعلت الناس يصفونها بـ”المأنوسة”، إذ إن جمال الطبيعة فيها كان سببًا لجذب السكان،الأندلسيون جلبوا معهم تقنيات زراعية متقدمة عُرفت بـ”البستنة”، فساهموا في تحسين أساليب الري والزراعة في الطائف، أصبحت الطائف معروفة بإنتاجها الزراعي المتميز، مثل العنب والرمان والورود، وهو ما لا يزال شاهدًا على الإرث الزراعي الأندلسي
4.الدور الديني والثقافي:
الطائف كانت ولا تزال منطقة ذات أهمية دينية، فهي قريبة من مكة المكرمة، وشهدت أحداثًا تاريخية كبرى. هذا القرب أعطاها طابعًا مميزًا في قلوب المسلمين.
كما أن الطائف عرفت بجلسات السمر والموسيقى، مما يعكس اندماجها الثقافي بين التقاليد الحجازية والأندلسية.
المخطوطة وتوثيق اللقب:
- استخدام مصطلح “الطائف المأنوس” في مخطوطة نسخت عام 1079هـ يُبرز مكانة الطائف منذ العصور الإسلامية الوسطى.
- يؤكد أن هذا اللقب كان مستخدمًا على نطاق واسع لتوصيف الطائف، ما يعني أنه تعبير متجذر في التاريخ وليس وصفًا حديثًا.
- المخطوطة قدّمت مصدرًا مهمًا للباحثين الذين يدرسون تطور الهوية الثقافية والاجتماعية للطائف.
ورود “الطائف المأنوس” في مخطوطة “مهجة المهج” يعكس وصفًا دقيقًا وشاملاً لجمال الطائف، ويؤكد أن هذا اللقب متأصل في تاريخها الطويل. من خلال هذا اللفظ، تظهر الطائف كمدينة تجمع بين الراحة الروحية، والطبيعة الخلابة، والأنس الثقافي، مما يجعلها وجهة مميزة في تاريخ الحجاز.
هجرة الأندلسيين إلى الطائف بعد سقوط الأندلس كان لها أثر كبير في تاريخ المدينة، سواء من حيث تطور الزراعة، أو انتشار الموسيقى والفنون، أو تعزيز الحياة الاجتماعية والثقافية. في كتاب “بهجة المهج” للميورقي يُعد وثيقة هامة تُبرز اختيار الميورقي (ت: 678هـ) لطائف كمدينة للسكن مرغوبة لدى القادمين من الأندلس بسبب تماثل المناخ مما أسهم في جعل أهمية الطائف ليس فقط كمدينة دينية وتجارية، بل أيضًا كبيئة جذابة للسكن والاستقرار، وخاصة للأندلسيين بعد سقوط الأندلس، وتؤكد أن الطائف كانت وجهة مثالية للأندلسيين، الذين ساهموا في تسميتها بـ”المأنوسة”، بما أضافوه من لمسات حضارية وثقافيةالهجرة الأندلسية إلى الطائف:
بعد سقوط الأندلس في القرن السادس عشر الميلادي (9هـ)، لجأ العديد من الأندلسيين إلى الحجاز، والطائف كانت إحدى الوجهات التي احتضنتهم.الطائف، بمناخها المعتدل وتربتها الخصبة، كانت ملاذًا مثاليًا للمهاجرين الأندلسيين الذين اشتهروا ببراعتهم في الزراعة والبستنة•كتاب “بهجة المهج” يُبرز الطائف كبيئة ملائمة للسكن والاستقرار، وهو ما قد يكون انعكاسًا لترغيب الأندلسيين في الانتقال إليها.
الموقع الجغرافي للطائف وتاريخها الثقافي كانا عاملين محفزين للأسر الأندلسية التي سعت إلى حياة جديدة بعد سقوط ممالكها، مثلت دفعة مهمة لنشر المذهب المالكي وإحيائه في المنطقة.
لقد كانت هذه الوفود محملة بإرث علمي وثقافي غني، مما أسهم في تعزيز الحياة العلمية في الحجاز وترسيخ أسس المذهب المالكي فيه. ومن بين الأسر البارزة التي لعبت دورًا رياديًا في هذا السياق، تبرز أسرة ابن فرحون الجياني التي تنتمي الأسرة إلى مدينة جيان في الأندلس، وعُرفت بالعلم والتأليف الفقهي المالكي.أعادة إحياء المذهب المالكي في الحجاز، كانت الوفود الأندلسية المغربية حاملةً للمذهب المالكي وأصوله.عملوا على نشر الفقه المالكي بوسائل متعددة، منها التدريس، الفتاوى، وتأليف الكتب.
التعليقات مغلقة.