الشريف محمد الحسني يتأمل في سرّ النبوة وكرامات آل البيت: كيف يُحتفى بدمٍ شُرب حبًا ويُنكَر دمٌ جرى نسبًا
أحمد الشرقاوى
أوضح المؤرخ الشريف محمد بن علي الحسني، رئيس الرابطة العلمية العالمية للأنساب الهاشمية، أن دم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس مجرد سائل فيزيولوجي يؤدي وظيفة بيولوجية، بل هو وعاء يحمل سر النبوة ونورها، مشيراً إلى أن الشريعة قد بيّنت أحكام الدم من حيث الطهارة والنجاسة، إلا أن دم النبي يتجاوز تلك الأحكام إلى رمزية روحية ترتبط بسرّ إلهي سُرّي في ذريته الطاهرة.
أضاف الحسني أن الرواية التي تتحدث عن شرب عبد الله بن الزبير لدم النبي قد رواها الطبراني والدارقطني وغيرهما، حيث جاء أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم احتجم، وأعطى دمه لعبد الله بن الزبير ليدفنه، فشربه حبًا وتعظيمًا، فخاطبه النبي قائلاً: “ويل لك من الناس، وويل للناس منك، لا تمسك النار إلا قسم اليمين”. وبيّن أن هذا الحديث، رغم وجود اختلاف في سنده، قد ورد في كتب السير، وتناولته مصادر متعددة، مؤكدًا أن هذه الرواية تعبّر عن غاية الحب والتفاني في الصحبة النبوية، مشددًا على أن كلمات النبي تدلّ على عصمة عبد الله من النار بسبب محبته الصادقة، إذ لم تكن النار لتمسه إلا من جهة ما كُتب عليه قضاءً وقدرًا.
ولفت الشريف الحسني إلى أن قبيلة البرزان العربية العريقة توارثت قصة مثيرة مفادها أن دمها لا يزال يُستخدم إلى يومنا هذا في علاج المصابين بالسعار الكلبي (داء الكلب)، منوهًا بأن هذه الخاصية الفريدة تعود إلى نسبهم لعبد الله بن الزبير الذي شرب دم النبي صلى الله عليه وآله. وأشار إلى أن قناة العربية قد عرضت تحقيقًا موثقًا بالصوت والصورة تضمن مشاهد وشهادات من أبناء هذه القبيلة تؤكد استمرار هذه الكرامة الطبية النادرة فيهم، مما يعزز من مصداقية هذا الموروث المتداول.
وأردف أن الشعر العربي أيضًا وثّق هذه الظاهرة، حيث أشار الشاعر والفارس راكان بن حثلين في أحد أبياته إلى هذه الكرامة بقوله:
يا ونّتي ونة قطيع النوازي
في لاهب الجوزاء وداجت على رماح
ونة غليثٍ ما لقى له برازي
زلّ أربعين وشاف له بارقٍ لاح
مبينًا أن استخدامه للفظ “برازي” في البيت الثاني إشارة إلى البرزان، وأنها تحمل دلالة على خاصية علاجية حقيقية عرفتها القبائل العربية وتوارثتها.
كما أكّد الحسني أن هذه الشواهد تدفعنا إلى إعادة التأمل في ذرية فاطمة الزهراء عليها السلام، متسائلًا: إذا كان الدم الذي خرج من جسد النبي قد شُرب حبًا وأعطى أثرًا باقيًا في نسل عبد الله بن الزبير، فكيف بالدم الذي جرى في رحم فاطمة الزهراء؟ مشددًا على أن هذا الدم لم يُشرب، بل سكن، وتناسل، وتجذر في نسل هو امتداد النبوة وروحها. وأضاف أن قول النبي “فاطمة بضعة مني” لا يعني مجرد اللحم والدم، بل النور، والسر، والمقام، وهو ما يستدعي منا تدبّر معنى حفظ الله لذرية فاطمة، وما لازمهم من هيبة، وبركة، وتعظيم في مشارق الأرض ومغاربها.
وتابع بأن دم النبي، سواء شُرب حبًا كما في قصة عبد الله بن الزبير، أو جرى نسبًا في ذرية الحسن والحسين، هو ليس مادة تُقاس بالمختبرات، بل هوية نبوية، ورسالة إلهية، وسرّ محفوظ في سلالة طاهرة، مشيرًا إلى أن النسب النبوي ليس امتيازًا اجتماعيًا كما يظنه البعض، بل هو وظيفة ربانية لحمل النور، ووسيلة للتعبير عن الحب الإلهي المتصل بالأرض والسماء.
وأشار بأسف إلى التناقض المؤلم في واقعنا اليوم، حيث يُقبل كثير من الناس على كرامة علاج السعار الكلبي بدم قبيلة البرزان دون تشكيك، رغم غرابة الفكرة في ظاهرها، بينما يُقابل الحديث عن كرامات آل البيت من ذرية فاطمة الزهراء عليهم السلام بالريبة أو السخرية أو الإنكار، مستنكرًا كيف يُسلَّم لأثر دم شُرب حبًا، ويُنكَر أثر دم جرى نسبًا، وكيف يُعترف بكرامة متوارثة في سلالة الزبير، بينما تُقصى كرامات السلالة الفاطمية التي تمثل بضعة النبوة وسرها ونورها.
واختتم المؤرخ الشريف محمد الحسني بالتأكيد على أن هذا التناقض لا يكشف عن إشكال في الروايات بقدر ما يُظهر خللاً في النوايا والهوى، وقراءة متحيّزة للكرامة حين توافق الأنساق السائدة وتُقصيها حين تقترب من جوهر أهل البيت ومكانتهم، داعيًا إلى إعادة النظر في العلاقة الروحية والعلمية بأبناء بيت النبوة، وإدراك أن اتصالهم ليس شكليًا بل جوهري، وأنهم سر متصل بين الأرض والسماء، وأمانة قائمة إلى يوم الدين.