كتب – أحمد الشرقاوى
تُعد الهوية الوطنية السعودية إحدى الركائز الجوهرية التي صنعت الشخصية الجامعة للمملكة العربية السعودية، فهي ليست مجرد إطار رمزي أو شعارات تُرفع في المناسبات الوطنية، وإنما منظومة متكاملة من القيم والمبادئ الممتدة عبر الزمن، والمتجذرة في أعماق جزيرة العرب، حيث وُلدت الرسالة الإسلامية، وتأسس الوعي الجمعي للأمة. هذه الهوية، بما تحمله من أصالة وعراقة، استطاعت أن تتطور مع كل مرحلة تاريخية، محافظة على جذورها التراثية، ومرتكزة إلى تاريخ عظيم، ومنفتحة في الوقت نفسه على معطيات الحضارة الحديثة التي جعلت المملكة في موقع ريادي عالمي.
وفي هذا السياق، صرّح المؤرخ الشريف خالد الإبلج، الخبير والباحث فى التراث العربى والإسلامي، وعضو الرابطة العلمية العالمية للأنساب الهاشمية أن الهوية الوطنية السعودية تمثل تجسيدًا حقيقيًا لمعنى الأصالة والاستمرارية، فهي نتاج تفاعل حي بين الماضي والحاضر والمستقبل. وأوضح أن التراث السعودي ليس مجرد صور قديمة أو عادات اندثرت، بل هو ذاكرة وطنية متجددة ما زالت تؤثر في حياة السعوديين اليومية، من خلال الفنون الشعبية والأهازيج والملابس التقليدية والعمارة المحلية التي تكشف عن عبقرية التكيف مع البيئة وظروف المكان.
وأشار إلى أن فعاليات كبرى مثل مهرجان “الجنادرية” أو المواسم الثقافية في “العلا” أثبتت أن التراث السعودي قابل للتطوير، وأنه جزء من القوة الناعمة التي تعزز صورة المملكة عالميًا.
كما أكد الشريف الإبلج أن التاريخ السعودي يمثل البعد الثاني للهوية الوطنية، موضحًا أن الدولة السعودية منذ تأسيسها وحتى توحيدها على يد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود – طيب الله ثراه – قد رسّخت معاني الولاء والانتماء والوحدة.
وأشار إلى أن ملحمة التوحيد لم تكن مجرد إنجاز سياسي بل كانت إعادة صياغة لهوية جزيرة العرب التي ظلت قرونًا تعيش التشرذم والفرقة، فجاء التوحيد ليمنحها الوعي الوطني الجامع، وليؤسس لدولة حديثة قادرة على قيادة شعبها نحو الاستقرار والتنمية.
وأضاف أن المواقع التاريخية مثل الدرعية، التي أصبحت اليوم معلمًا عالميًا مُدرجًا على قائمة التراث الإنساني، هي نموذج حي على كيفية توظيف التاريخ في خدمة الحاضر وصناعة المستقبل.
وفي جانب آخر، أوضح المؤرخ الأبلج أن الحضارة السعودية الحديثة هي الامتداد الطبيعي للهوية الوطنية، مشيدًا بجهود خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود في الحفاظ على ثوابت الهوية وتعزيز قيم الانتماء، وبالرؤية الطموحة لولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، التي جعلت من “رؤية السعودية 2030” مشروعًا حضاريًا غير مسبوق.
وأكد أن هذه الرؤية استطاعت أن تحقق معادلة دقيقة: فهي من جهة تُرسخ الأصالة والاعتزاز بالتراث والتاريخ، ومن جهة أخرى تفتح آفاقًا واسعة للحداثة والابتكار، ليصبح المواطن السعودي جزءًا من العالم الحديث دون أن يفقد خصوصيته.
وأشار الإبلج إلى أن الرياض باتت اليوم رمزًا للحضارة السعودية الحديثة، حيث لم تعد مجرد عاصمة سياسية، بل تحولت إلى نموذج حضاري متكامل يجمع بين التطور العمراني والحداثة الثقافية. فمن ناطحات السحاب مثل “برج المملكة” و”برج الفيصلية”، إلى مشروع “الرياض الخضراء” والمشروعات الثقافية الكبرى مثل “متحف الملك عبدالعزيز التاريخي” و”مكتبة الملك فهد الوطنية”، أصبحت الرياض تعكس روح الهوية الوطنية التي تجمع بين العراقة والتجديد. وأوضح أن ما تشهده العاصمة من نقلة نوعية في قطاعات الاقتصاد، والثقافة، والفنون، والرياضة، يعكس كيف يمكن للهوية الوطنية أن تُترجم إلى إنجازات حضارية تُنافس بها السعودية على مستوى العالم.
وضرب الإبلج مثالًا أيضًا بمشروع “نيوم”، الذي يجسد الهوية السعودية المعاصرة، فهو مشروع مستقبلي عملاق يقوم على أرض جزيرة العرب، يدمج بين التكنولوجيا الحديثة وروح الأصالة، ويعكس كيف يمكن للهوية الوطنية أن تكون محركًا للابتكار لا عائقًا أمامه. وكذلك مشروع “العلا” الذي حوّل موقعًا أثريًا إلى وجهة سياحية عالمية، يعرض للعالم ثراء التراث السعودي وعراقته، ويُظهر كيف يمكن للتاريخ أن يتحول إلى مصدر إلهام اقتصادي وثقافي.
واختتم الشريف خالد الإبلج تصريحاته بالتأكيد على أن الهوية الوطنية السعودية تمثل معادلة متوازنة بين التراث الذي يمنحها الجذور، والتاريخ الذي يمدها بالقوة، والحضارة التي تدفعها نحو المستقبل.
وأوضح أن المملكة اليوم تعيش مرحلة فريدة في تاريخها، حيث استطاعت أن تجعل من هويتها الوطنية مصدرًا للفخر والاعتزاز الداخلي، وأداة للقوة الناعمة على المستوى الدولي، مضيفًا أن هذا كله ما كان ليتحقق لولا القيادة الحكيمة لخادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، اللذين قدما نموذجًا متفردًا في الجمع بين الأصالة والحداثة، وبين العراقة والطموح، لتظل الهوية السعودية راسخة في أرضها العريقة، وحاضرة بقوة في وجدان أبنائها، ومضيئة للعالم كنموذج حضاري متفرد.