مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

الشريف خالد الأبلج: الرقمنة ضرورة وطنية لحفظ وصون التراث وبناء اقتصاد المعرفة  

أحمد الشرقاوي

  1. أصبحت الرقمنة في عصرنا الحديث أكثر من مجرد توجه تقني، بل مشروع حضاري متكامل يسهم في صون التراث الثقافي الإنساني من الاندثار، وتحويله إلى موردٍ معرفي واقتصادي حي. ويؤكد المؤرخ الشريف خالد الأبلج، الخبير في التراث العربي والإسلامي وعضو الرابطة العلمية العالمية للأنساب الهاشمية، أن الرقمنة لم تعد خيارًا ثقافيًا محدودًا، وإنما هي رؤية شاملة تُعيد للإنسان وعيه بماضيه، وتمنحه أفقًا مفتوحًا نحو مستقبلٍ قائم على الإبداع والمعرفة.

ويرى الأبلج أن الرقمنة تمثل ثورة فكرية بقدر ما هي ثورة تقنية، لأنها تُعيد للتراث نبضه، وتنقله من الأرفف المغلقة إلى فضاءات رقمية متاحة أمام الجميع. فهي لا تقتصر على حفظ المخطوطات والوثائق فحسب، بل تُعيد إحياء روح التاريخ، وتمنحه الاستمرارية في مواجهة تسارع الزمن وتحولات المعرفة. وحين يتحول النص التراثي إلى كيان رقمي قابل للبحث والتحليل، فإنه يغدو حيًّا يتفاعل مع الحاضر ويعبُر إلى المستقبل.

ويشير الشريف الأبلج إلى أن الرقمنة اليوم باتت درعًا للهوية الثقافية أمام مخاطر التزييف والنسيان، خاصة في زمنٍ تتكاثر فيه مصادر المعرفة وتتسارع فيه دورة المعلومات. ويؤكد أن العالم العربي يمتلك إرثًا حضاريًا هائلًا من المخطوطات والأنساب والمرويات، ما يتطلب استراتيجية عربية موحدة توظف التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في توثيقه وتحويله إلى قاعدة معرفية مفتوحة تخدم الباحثين وصناع القرار.

وفي هذا السياق، يرى  الأبلج أن المملكة العربية السعودية قدّمت نموذجًا ملهمًا في التحول الرقمي الثقافي، بفضل الرؤية الحكيمة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، الذي أدرك مبكرًا أن الحفاظ على التراث مسؤولية وطنية ورسالة إنسانية. فقد دعم المؤسسات العلمية والثقافية الكبرى مثل دارة الملك عبدالعزيز وهيئة التراث والمكتبة الرقمية السعودية، لتكون مناراتٍ تحفظ الذاكرة الوطنية وتقدّمها بصورة علمية راقية للأجيال القادمة.

قد يهمك ايضاً:

عبد الغفار يبحث مع وزير الصحة السعودي تعزيز التعاون المشترك

د. منال عوض تتوجه لمدينة أسطنبول للمشاركة فى فعاليات منتدى…

ويضيف الشريف خالد الأبلج أن رؤية المملكة 2030 أرست دعائم نقلة نوعية في المفهوم الثقافي للتراث، إذ حولته من مجرد موروث رمزي إلى رافد اقتصادي ومعرفي يسهم بفاعلية في تحقيق التنمية المستدامة. وأوضح أن المشروعات الوطنية، مثل مبادرات هيئة البيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا)، وبرامج التحول الرقمي بوزارة الثقافة، والمكتبات الافتراضية للمخطوطات الإسلامية، قد وضعت أسس اقتصاد معرفي سعودي متكامل يجمع بين الأصالة والحداثة في آن واحد.

ويؤكد الأبلج أن هذه النهضة الثقافية الرقمية تجسّد فكرًا قياديًا مستنيرًا يرى في الرقمنة وسيلة لتفعيل التراث في الحياة اليومية، وجعل الثقافة جزءًا من الاقتصاد الجديد القائم على التعليم الإلكتروني والسياحة الثقافية والصناعات الإبداعية. فالتراث حين يُعرض بتقنيات الواقع الافتراضي والعرض التفاعلي لا يخاطب الذاكرة فحسب، بل يصنع تجربة معرفية واقتصادية غنية تفتح آفاق العمل في مجالات البرمجيات والتحليل الذكي والنمذجة التاريخية.

ويشير الأبلج إلى أن الرقمنة تُحوِّل التراث من ماضيٍ ساكن إلى قوة ناعمة مؤثرة تعيد للأمة حضورها الثقافي وتُسهم في إنتاج المعرفة وتصديرها للعالم. وهو ما يتناغم مع الرؤية العالمية الجديدة التي تعتبر الثقافة موردًا اقتصاديًا أساسيًا في دعم النمو المستدام وتعزيز التنمية القائمة على الإبداع.

وفي ختام حديثه، يؤكد الشريف خالد الأبلج أن التجربة السعودية باتت نموذجًا يُحتذى عربيًا وإسلاميًا، داعيًا إلى إنشاء تحالف عربي للذاكرة الرقمية يربط بين المكتبات الوطنية والمراكز البحثية ودور الوثائق عبر منصة موحدة تُقدّم التراث بلغة التقنية الحديثة. ويقول: “نحن بحاجة إلى مشروع عربي رقمي متكامل، يوثق الموروث الثقافي والإسلامي ويقدمه للعالم بروح الابتكار.”

ويختتم الأبلج تصريحه بالتأكيد أن الرقمنة ليست أداة للحفظ فحسب، بل هي بوابة لبناء حضارة جديدة تستمد قوتها من جذورها، وتتحرك بثقة نحو المستقبل. فالنموذج السعودي، الذي يقوده الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، يشكل منارة لعصرٍ عربي رقمي قادم، تتوحد فيه الأصالة مع التقنية تحت راية الوعي والمعرفة.