بقلم – محمد حمدي عبد العظيم :
لقد جاءت الشريعة الاسلامية لتحقيق مصالح العباد، وقد ذكر ابن القيم في “المعاش والميعاد” أن كلها عدل ورحمة وحكمة ومصلحة، وأن كل مسألة خرجت من العدل الى الظلم، ومن الرحمة الى العنت والمشقة، ومن الحكمة الى العبث، ومن المصلحة الى المفسدة فليست من الشريعة في شيء، وان ظنها البعض منها.
وكل مسألة داخلة في هذه الأمور فهي من الشريعة، وإن لم ينكر نص خاص بتلك المسألة فان النصوص العامة حاكمة على المسائل التي ليس فيها نص خاص بها كقوله تعالى:”إن الله يأمر بالعدل”، وقوله عز وجل:”وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”، وقوله تعالى:”وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة”، وقوله:”ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها”، وقد ظن البعض بسبب سوء فهمهم للشريعة أنها مجرد ظاهر النصوص الخاصة، فلما رأوا أن مصالح الناس تحتاج الى شيء وراء ذلك من وجهه نظرهم واقروا بأن الشريعة قادرة على تحقيق المصالح، بحثوا عن تحقيق تلك المصالح من مصادر أخرى، ومن ثم أدى ذلك الى سوء ظن بالشريعة نفسها.
وحقيقة الشريعة أنها النصوص من الكتاب والسنة، وما تنطوي عليه من المعاني الصحيحة المستنبطة منهما، والمطلوب هو فهم النصوص وتنزيلها واسقاطها على الواقع، أو بعبارة أخرى الجمع بين فقه الدليل، وفقه الواقع والنصوص العامة، كالأمر بالعدل والشورى والرحمة، الى آخره، هي قواعد تحتاج في تنزيلها على الجزئيات الى الاجتهاد ونظر واعمال عقل، وهذا هو مجال الاجتهاد في الفقه الاسلامي
ولابد أن نوضح الفرق بين الشريعة والفقه، فالشريعة هي النصوص ومعانيها الصحيحة، أما الفقه فهو الفهم الانساني لتلك النصوص، وهذا الفهم قد يكون صحيحا، فهو جزء من الشريعة، وقد يكون خطأ، فليس حجة على الشريعة، والفقه يتطور مع تغير الظروف، أما الشريعة فهي ثابتة، فالشريعة وضع إلهي، والفقه اجتهاد.
وهكذا نرى أن فهم الشريعة على هذا النحو ينطلق مما أثبته الله عز وجل في القرآن بقوله تعالى: “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا”، فكل قول أو فعل ظاهره أو باطنه يقوم به الانسان، له حكم في الشريعة، علمه من علمه، وجهله من جهله، والمنهج الإلهي حاكم على النشاط الانساني، وقد أصاب الإمام ابن القيم حين قال: “إن من أعطى الكتاب والسنة حقهما من الفهم والتدبر، فقد حاز علم الأولين والآخرين”