الشخصية النرجسية.. بين وهم العظمة وهشاشة النفس

بقلم الأستاذ الدكتور- هشام فخر الدين :

 

لاشك أن الشخصية النرجسية تثير الكثير من الجدل في حياتنا اليومية، خصوصاً مع انتشار مظاهر الفردية والبحث المستمر عن الإعجاب. فالشخص النرجسي يبدو للوهلة الأولى واثقاً، قوياً، وربما مبهراً، لكنه يُخفي وراء هذه الصورة قلقاً داخلياً عميقاً وصراعاً نفسياً لا يُستهان به.

فاضطراب الشخصية النرجسية يعبر عن نمط دائم من الشعور بالعظمة، مع الحاجة المفرطة للإعجاب، ونقص واضح في التعاطف مع الآخرين. وبالرغم من أن بعض سمات النرجسية قد تظهر لدى الكثيرين بشكل طبيعي، فإن النرجسية المرضية تتسم بكونها نمطاً متصلباً يؤثر سلباً على العلاقات الشخصية والأسرية والمهنية.

ويعبر اضطراب الشخصية النرجسية عن حالة مرضية تؤثر على الصحة العقلية للمريض، الذي ينتابه حينها شعور مبالغ فيه بأهميته. ويحتاج إلى بشكل مستمر إلى الاهتمام والإطراء من الآخرين بشكل زائد ويسعى إلى ذلك. كما يفتقر المصابون بهذا الاضطراب إلى القدرة على فهم مشاعر الآخرين أو الاهتمام بها أو تقديرهم واحترامهم بالشكل اللازم. فضلاً عن كونهم ليسوا متأكدين من تقديرهم لذاتهم ويثوروا وينزعجوا من مجرد الانتقاد البسيط. مما يعكس صراع الذات بين السعي المفرط نحو الإعجاب والهروب من مشاعر النقص العميقة.

ويسبب اضطراب الشخصية النرجسية مشكلات في كثيرٍ من نواحي الحياة، مثل العلاقات الشخصية وخاصة الأسرية. ويشعر المرضى المصابون باضطراب الشخصية النرجسية بالتعاسة وخيبة الأمل بشكل عام، عندما لا يتم منحهم الامتيازات الخاصة أو الإعجاب الذي يعتقدون أنهم يستحقونه. وقد يجدون علاقاتهم مضطربة وغير مُرضية، مما يُفقد الآخرين الإستمتاع بالتواجد معهم.

وتتنوع أسباب النرجسية بين الوراثة، وأساليب التربية القائمة على الإفراط في التدليل أو الإهمال العاطفي. بالإضافة إلى تأثيرات الثقافة المادية الرأسمالية التي تحتفي بالمكانة والنجاح الفردي وتُعلى من الأنانية والفردية. وتؤكد الدراسات أن الشخص النرجسي قد يتوهم النجاح الظاهرى، إلا أنه يعاني داخلياً من مشاعر هشة وخوف دائم من فقدان التقدير.

ويتميز الشخص النرجسى من الناحية السلوكية بتضخيم إنجازاته، والحاجة المستمرة للثناء، وعدم تحمل النقد، إلى جانب صعوبة بناء علاقات عميقة قائمة على التعاطف المتبادل. كما أنه كثيراً ما يستغل من حوله لتحقيق أهدافه الشخصية، مما يسبب توتراً دائماً في محيطه.

وعلى صعيد العلاج فيُعد التعامل مع الشخصية النرجسية تحدياً معقداً، حيث يرفض الشخص غالباً الاعتراف بوجود مشكلة. ومع ذلك أثبت العلاج المعرفي السلوكي والعلاج الديناميكي النفسي بعض النجاح في تعديل التفكير النرجسي وتعزيز مهارات التعاطف.

فالشخصية النرجسية واحدة من أكثر أنماط الشخصية إثارة للجدل والاهتمام في علم النفس. فالنرجسية بما تحمله من مشاعر تضخم الذات والحاجة المستمرة للإعجاب، وتطرح تحديات نفسية واجتماعية سواء على مستوى الفرد أو المحيطين به. ومع ازدياد الدراسات المتخصصة حول اضطرابات الشخصية، بات فهم الشخصية النرجسية ضرورة لفهم أنماط السلوك البشري المعقدة، خاصة في ظل تنامي النزعات الفردية في المجتمعات الحديثة. 

فاضطراب الشخصية النرجسية يعد حالة نفسية مرضية تؤثر على جودة الحياة والعلاقات الاجتماعية. من المهم الإشارة إلى أن جميع البشر قد يظهرون بعض السمات النرجسية في مواقف معينة، مثل الفخر بإنجاز مهم أو الرغبة في نيل التقدير الاجتماعي. إلا أن اضطراب الشخصية النرجسية يتطلب أن تكون هذه السمات ثابتة ومستمرة وتؤثر بشكل سلبي على الأداء المهني والاجتماعي للفرد.

وتؤثر الشخصية النرجسية بشكل عميق على نوعية حياة الفرد وعلاقاته. فغالباً ما يعاني النرجسي من صعوبات في بناء علاقات عاطفية مستقرة، بسبب أنانيته ونقص تعاطفه مع الطرف الآخر ويشعر دائما بإمتلاكه. كما أن حاجته المستمرة للإعجاب تجعله عرضة للإحباط والغضب عند مواجهة الانتقادات أو الفشل.

وعلى الصعيد المهني قد يتمكن النرجسي من تكوين علاقات ظاهرية مع الآخرين للمحافظة على الشكل، لكنه قد يواجه لاحقاً مشكلات في العمل الجماعي، نتيجة لسلوكياته الإستعلائية وعدم قبوله للملاحظات أو النقد. بالإضافة إلى أنه يعاني من مشاعر عدم الأمان العميقة والخوف من الفشل أو الهزيمة، وهو ما قد يقوده إلى حالات من الإكتئاب أو الإحباط الشديد مما يهدد استقراره النفسى والاجتماعى نتيجة تلك الأوهام. 

وتُعد معالجة اضطراب الشخصية النرجسية تحدياً معقداً أمام الطب النفسى وعلماء النفس  فنجد العلاج المعرفي السلوكي والذى يسهم فى تعديل الأفكار المشوهة لدى النرجسي، ومساعدته على بناء صورة ذاتية أكثر واقعية ومتوازنة. 

كما أن العلاج الديناميكي النفسي يركز على فهم الصراعات الداخلية اللاواعية التي تغذي السلوك النرجسي، والعمل على معالجتها عبر العلاقة العلاجية. وقد يتمكن بعض المصابين باضطراب الشخصية النرجسية من تحقيق تحسن ملحوظ في علاقاتهم الاجتماعية وصحتهم النفسية.  فالشخصية النرجسية نموذجاً نفسياً معقداً يعكس صراعاً  داخلياً بين الحاجة العميقة للحب والتقدير دون مبرر والخوف من الضعف والهشاشة.