مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

السيد يوسف يكتب: متى نتوقف عن بيع الوهم باسم “الاستجابة لرغبة المواطنين”

في كل مرة يخرج علينا رئيس مدينة أو حي أو وحدة محلية قروية عبر صفحات التواصل الاجتماعي ليتفاخر بأنه “استجاب لرغبة المواطنين” في مطلب خدمي مشروع ، كأن تكون إنارة شارع، أو إصلاح ماسورة، أو رفع قمامة متراكمة منذ شهور ، تُصفع الكرامة المهنية صفعة مدوية، وتُغتال المسؤولية الحقيقية بلا خجل.

 

أيها السادة المسؤولون في المدن والمراكز والأحياء والقرى، أنتم لم تنجزوا شيئًا خارقًا.

 

حين يطلب المواطن شيئًا هو من صميم واجبكم اليومي، وتنتظرون منه أن “يتوسل” لتحقيقه، فاعلموا أنكم فشلتم في أداء الوظيفة، قبل أن تفشلوا في أداء المهمة، المواطن لا يُفترض أن يستجدي حقًا، ولا أن يُناضل من أجل خدمة مفترضة ومُدرجة ضمن اختصاصكم ومسؤولياتكم الميدانية.

 

عار عليكم أن تحولوا تقاعسكم إلى منّة، وإهمالكم إلى بطولة.

 

أن تخرج لتقول “استجبنا لمطالب أهالي كذا”، فهذا ليس مدعاة للفخر، بل هو إقرار صريح بالتقصير. لأنه، ببساطة، لو كنتم تمارسون أعمالكم كما يجب، لما احتاج المواطن إلى الصراخ، والكتابة، والوساطة، والمناشدة، ولا إلى أن يفضحكم على مواقع التواصل لتتحركوا.

 

المسؤول الحقيقي لا ينتظر شكوى، بل يتحرك من تلقاء نفسه، يرصد ويُتابع ويُنزل رجاله على الأرض، يتواجد في الشارع لا خلف المكاتب، ويعالج المشكلات قبل أن تصبح قضايا رأي عام. أما أن تحوّل مهامك الوظيفية إلى حملة إعلامية شخصية، فهذه سقطة مهنية وأخلاقية لا تغتفر.

 

قد يهمك ايضاً:

تقرير تحليلي بقلم – أحمد تركي… خبير الشؤون…

والأدهى من ذلك، أن تُرجع الفضل في تحركك إلى تعليمات محافظ أو وزير أو رئيس حكومة.

 

هنا المأساة تتعمق، لأنك تعترف ضمنيًا بأنك لم تكن لتتحرك لولا التوجيه المباشر من جهة أعلى، أي أن المبادرة معدومة، والضمير المهني ميت، والمتابعة غائبة، لتصبح وظيفتك مجرد تنفيذ بيروقراطي لما يُطلب منك، لا ما يجب أن تفعله أساسًا.

 

المحافظ أو الوزير أو رئيس الحكومة ، هؤلاء يُفترض أن تُستجاب تعليماتهم فورًا لأنهم أصحاب القرار الأعلى في الدولة، ولا يُعقل أن يتدخلوا في كل حفرة، وكل كشاف، وكل بؤرة قمامة. لكن أن يُجبر المواطن على تصعيد شكواه إلى هؤلاء، فهذا هو الفشل الحقيقي لك أيها المسؤول المحلي.

 

الاستجابة الحقيقية ليست “فزعة” بعد فضيحة، بل التزام يومي بلا انتظار.

 

ختامًا، لا تبيعوا الوهم. لا تصنعوا بطولات وهمية من أداء واجبكم. ولا تُذلوا المواطن مرتين” مرة بتقصيركم، ومرة بإظهار الاستجابة وكأنها هدية من السماء.

 

فإن لم يكن لديكم الحد الأدنى من الحياء الوظيفي، فاحتفظوا على الأقل بما تبقى من كرامة هذا الشعب، الذي يستحق مسؤولًا يُنصت قبل أن يُنبه، ويتحرك قبل أن يُحرّك، ويعمل قبل أن يُعريه الناس بالصور والمنشورات.

 

كفى عبثًا، كفى استهبالًا، فالمواطن لم يعد مغفلاً.