السفير مصطفى الشربيني… صوت الجنوب العالمي وضمير العدالة المناخية في مشورة الأمم المتحدة
سعاد أحمد على
في عالمٍ تتسارع فيه التحولات المناخية وتتقاطع فيه المصالح الاقتصادية والسياسية، يطل صوت عربي من قلب القاهرة ليذكّر العالم أن العدالة المناخية ليست شعارًا، بل حق إنساني أصيل
إنه السفير الدكتور مصطفى السيد الشربيني، أحد أبرز القادة الدوليين في مجال المناخ والاستدامة، الذي مثّل العالم العربي في مشورة رواد المناخ رفيعي المستوى للأمم المتحدة (UNFCCC)، ضمن أجندة مراكش للعمل المناخي العالمي (Marrakech Partnership for Global Climate Action)
مشاركته الأخيرة في هذه المشورة لم تكن مجرد حضور رمزي، بل تجسيد لرؤية علمية عربية تربط بين السياسات والواقع، وبين العدالة البيئية والكرامة الإنسانية
منصة تقود ملامح المستقبل المناخي
تعد المشورة الدولية لرواد المناخ رفيعي المستوى إحدى أهم الآليات التي تربط الجهات الحكومية والمجتمع المدني والقطاع الخاص، لتوجيه الجهود نحو تنفيذ اتفاق باريس وتسريع وتيرة العمل المناخي قبل انعقاد قمة المناخ COP30 في البرازيل
وفي ظل تحديات التمويل المناخي وتفاوت القدرات بين الدول، جاءت مداخلة السفير الشربيني لتعكس رؤية الجنوب العالمي في صياغة حلول واقعية ومبنية على المعرفة والتمكين المحلي
رائد عربي في الحوكمة البيئية والتحول الأخضر
على مدى أكثر من ربع قرن، راكم السفير الدكتور مصطفى الشربيني خبرة علمية ومهنية جعلته من أبرز الأسماء العربية في دوائر الاستدامة الدولية.
فهو الرئيس التنفيذي لمعهد الاستدامة والبصمة الكربونية (ISCF)، والأمين العام للاتحاد الدولي لخبراء التنمية المستدامة بالمملكة المتحدة، ورئيس مؤسسة الفريق التطوعية للعمل الإنساني (VTFHA) المراقبة باتفاقية باريس، فضلًا عن رئاسته لكرسي البصمة الكربونية والاستدامة بمنظمة الألكسو
إلى جانب إسهاماته العلمية في تطوير معايير عالمية مثل ISO 14064 وGHG Protocol وPAS 2060، استطاع الشربيني أن يمزج بين العلم الأكاديمي والعمل المجتمعي، مؤسسًا مبادرتي “سفراء المناخ” و*“رواد الحياد الكربوني”*، اللتين أصبحتا منصتين عربيتين لتأهيل الشباب والمجتمع المدني في إدارة الكربون والتحول الأخضر.
من المختبر إلى المجتمع: رؤية الشربيني للتحول العادل
في ورقته المقدمة بعنوان “تمكين المجتمع المدني كقوة محركة للتحول العادل وتمويل المناخ”، قدّم السفير الشربيني طرحًا عميقًا لمفهوم التحول العادل من منظور عربي.
أكد أن العدالة المناخية لا يمكن أن تكون منحة من الشمال إلى الجنوب، بل يجب أن تُبنى على حلول محلية قائمة على المعرفة، والمشاركة، والتمويل المنصف.
وشدّد على أن التحول المناخي العادل يبدأ من القاعدة المجتمعية، عبر مبادرات صغيرة في الزراعة والطاقة والمياه والنفايات، لكنها قادرة على تحقيق أثر تراكمي واسع
وأشار إلى أن منهجيات قياس البصمة الكربونية والتحقق من الانبعاثات (MRV) تمثل الأداة الأنجع لتحقيق الشفافية وتعزيز ثقة الممولين الدوليين بالمشروعات في العالم العربي وأفريقيا
التمويل العادل… حق لا منحة
من أبرز محاور مداخلته، كان حديثه عن التمويل المناخي العادل، مؤكدًا أن الوصول إليه حق للدول المتضررة من التغير المناخي، وليس منّة من الدول الغنية.
ودعا إلى تأسيس آلية عربية إفريقية مشتركة للتمويل المناخي تعتمد على الشفافية والحوكمة الرشيدة، بما يضمن وصول الموارد إلى المجتمعات المستحقة لا إلى البيروقراطية المركزية
بين العلم والسياسات العامة
توقف الشربيني عند أهمية تجسير الفجوة بين البحث العلمي وصنع القرار، داعيًا الجامعات إلى التحول من مراكز للنشر الأكاديمي إلى مختبرات للحلول التطبيقية.
كما دعا إلى إدراج مؤشرات المناخ في المناهج التعليمية، ليصبح الوعي البيئي جزءًا من تكوين الأجيال الجديدة.
وفي السياق ذاته، أكد على تبني أدوات التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي لتسريع عملية تتبع الانبعاثات وتحديث المساهمات الوطنية المحددة (NDCs)
تفاعل دولي واسع… وصوت الجنوب في قلب المشهد
لاقى طرح السفير الشربيني تفاعلًا إيجابيًا من ممثلي الأمم المتحدة ورواد المناخ، الذين وصفوا مشاركته بأنها “صوت الجنوب العالمي في قلب الحوار المناخي”.
وأشار مسؤولو الـUNFCCC إلى أهمية النموذج المصري والعربي في دمج المجتمع المدني في تنفيذ اتفاق باريس، معتبرين تجربة الشربيني نموذجًا يمكن البناء عليه في أفريقيا والعالم العربي
كما فتحت مشاركته الباب لتعاون مؤسسي جديد بين مؤسسة الفريق التطوعية للعمل الإنساني وعدد من المبادرات الدولية لتطوير برامج في تمويل المناخ والتدريب وبناء القدرات
توصيات برؤية عملية
اختتم السفير الشربيني مشاركته بمجموعة من التوصيات التي لاقت إشادة من الحضور، أبرزها:
اعتماد نظام دولي لتأهيل المنظمات المجتمعية كشركاء فنيين لاتفاق باريس
إدراج الانبعاثات المجتمعية في تقارير المساهمات الوطنية المحددة
إنشاء صندوق دولي لتمويل مشاريع التحول الأخضر المجتمعي.
توسيع دور الجامعات في تدريب الكوادر المناخية
دعم شراكات القطاع الخاص مع المجتمع المدني لتطبيق معايير ESG.
تبني مفهوم “المواطنة المناخية” كمبدأ جامع للحقوق والواجبات البيئية عالميًا
الكرامة الإنسانية محور العدالة المناخية
في كلمته الختامية، أطلق السفير الشربيني عبارة أصبحت محور النقاش:
“العمل المناخي ليس رفاهية، بل هو صونٌ للكرامة الإنسانية وعدالة بين الأجيال.”
تلك الجملة لم تكن مجرد شعار بل تلخيص لفلسفته الإنسانية في العمل المناخي، التي ترى أن العدالة المناخية لا تُقاس بالمشروعات فقط، بل بقدرة كل إنسان على حماية بيئته ومجتمعه من التدهور
نحو حضور عربي فاعل في قمة المناخ COP30
تأتي هذه المشاركة في إطار استعدادات السفير الشربيني لقمة المناخ المقبلة COP30 في البرازيل، حيث يعمل على صياغة رؤية عربية موحدة للتحول الأخضر والتمويل المناخي، بالتعاون مع الاتحاد الدولي لخبراء التنمية المستدامة، ومنظمة الألكسو، ومؤسسة الفريق التطوعية للعمل الإنساني
ويسعى من خلال هذه الجهود إلى أن يكون للعالم العربي صوت مؤثر على طاولة المفاوضات الدولية، يمثل المجتمعات المحلية والفئات الهشة التي تتحمل عبء التغير المناخي دون أن تنال نصيبها من التمويل والدعم
صوت يحمل العلم والضمير
تجسد تجربة السفير مصطفى الشربيني تحولًا نوعيًا في الحضور العربي على الساحة المناخية العالمية؛ فهو يتحدث بلغة العلم والضمير لا بلغة السياسة وحدها، مؤمنًا بأن التغيير الحقيقي يبدأ من الإنسان، وأن حماية الأرض هي حماية للحياة ذاتها
ومع اقتراب قمة البرازيل، يظل الشربيني نموذجًا للقائد العربي الذي جعل من العدالة المناخية رسالة إنسانية ومسؤولية مشتركة، ومن العلم أداة للتحرر من التبعية البيئية والاقتصادية